المزيد من الأخبار






الباحث محمد اسويق يكتب عن أسلوب السخرية والتهكم في الشعر "رمعا ني" بالريف‎


الباحث محمد اسويق يكتب عن أسلوب السخرية والتهكم في الشعر "رمعا ني" بالريف‎
ناظورسيتي

يندرج شعر رمعاني بالريف ضمن منظومة متن الهجو ويسمى بشعر am3aqab أوشعر razawa ويسميه بيارني برعرور

وهو مشهد إبداعي واسع الإنتشار يجسد في غالب الأحيان نوع من الصراع الداتي المتعلق بالغرام وهو النوع الطاغي على طوبوغرافية القصيدةالهجائية . وقد نجده أحيانا يتجاوز الداتي ويصير موضوعي إما بين الأفراد والجماعات أوبين القبائل والمجموعات وغالب الضن حين ينتفي حراك الجماعات المتنازعة فيكون الامر مرتبط بالعواطف كما برهنت شاعرات الريف من خلال روائعها الخالدة على مستوى التيمة والقاموس والبلاغة والصورة الجمالية

أيوشاي ذخثانت يذوار يسكاد غاص

ثخاثنت نيماس يوكاذ اذسضغاس

اشم ذكام الزين انش ذكي ثغنانت

أذمكسغ الليف اشمكغ تخدانت

أوني وين ضقوضت أم رقارب اكوفوس

أون ذزيراث ؤسيتيوض أغموس ؤسيتيو

إناسن اترقيغ روح رقا رعوين

النوبيت ئينك اخطبانت أتوين

وهذا المستوى التعبيري المرتبط بالسخرية في ما يسمى بإزران يختلف كل الإختلاف عن أسلوب السخرية كما ظهرت عند اليونان والروم وعند الجاحظ والعقاد ونيتشه التي كانت دوما ترتبط بنقد القيم سياسيا أومن أجل الفكاهة والمتعة والمرح فنيا لإثارة التشويق

إن شعر السخرية بالريف مجال واسع ومختلف الرؤى والتوجهات والمنطلقات التيماتيكية والإستيتيقية بحيث يستوعب النص الشعري من داخل عدة محطات إجتماعية حسب الزمان والمكان .فتجده أحيانا كله انتقاد اجتماعي موضوعي ويفتعل لحظة السخرية لتحفيز الإبداع والإنتاج الشعري إلى مستوى مكثف فتاتي الصورة مكثفة البلاغة وبشحنة لغوية لها نفس طويل في تقعيد سيكولوجية النص كمشهد بسيط الى مشهد مذهل الصورة والبناء اللغوي المتجدد.وهذا يتبين من خلالالرايس في الفرجة حيث تحاول الشاعرات تمديد وقت الفرجة حتى آخر الصباح .فيبدأن في التراشق اللفظي المنساب من شلال البيان لغة ونحوا وصرفا وتركيبا ممتعا لتوظيفهن أداة السخرية والتهكم في قالب موسيقي جميل وبناء لغوي ممعير يمنح للمتلقي والمتفرج لحظة سعادة نادرة وتشويق رائع وأخاذ .يقدم المشهد المغنى من أجله في صورة بليغة ومفعمة بالحيوية والضحك وهي تنقل سيكولوجية الفرد من حالة الى حالة غير مملة وجميلة فيها الشعر والإبداع والجمال مكسرا روتينية المعيش اليومي الذي يفتقد للغة الرمز والإيحاء والإشارات وهي ادوات من طبيعتها تجمل المشهد العادي وتمنحه خاصية فنية لتحبيبه من خلال جمالية التركيب والإيقاع وذاك مهمة اللغة في الأدب الفني

.. روح ساس ازرو اخوور ئينك

النوبية ذمراك يويت اقرينيناك

.. إناسن اترقيغ ماني ذاي غيرق

الحب إغاري اكيذس كيغاس زيرو يكفا

…اياطارع ئوثمان أيطارع اتذهيش

اناش بدراغ الليف أكيزين إغربيش

…أياميس إمسعي غج نصوار غغاص

ئيموك ذسغياك نهار ذسغ يقاص

وغالبا ما تعتمد الفتيات الشاعرات تيمة الغرض هي الإرتباط العاطفي كموضوع حساس وطابو اجتماعي لا يسمح بتداوله جهرا الا في ما يسمى بالفرجة ذات البعد المقدس عند اهل الريف .فيبدأ انتقاد الآخر والأخرى حبيبا ا وحبيبة ربما من خلال مظهرا وشكل أو عيب عائلي أو مهني بمعنى استحظار كل العيوب ونقط الضعف مع التركيزعلى التميز المطلق للمنتقدة –الشاعرة –فتنخرط بذكر المحاسن المدعاة وقد تكون قبيلة وعائلة وقيما وجاها وكرما وطبيعة هذا العراك الفني يمر في ظرفية تذهل المتلقي من خلال الطابع الفني الذي تحافظ عليه عفوية الشاعرة وتلقائيتها فتاتي كل القصائد –إزران-في صيغ بلاغية مطبوعة بالضحك والترويح عن النفس وإخراج المتلقي من دائرة الضيق والاسى والغم الى جو الفرجة المليئة بسعادة نفسية وراحة بال ….. واسلوب السخرية هذا يأتي في إتقان باهر من كلا الطرفين –أرايس-وتكون ساحة الفرجة كلها تشويق ومتعة نفسية ولا يهم هل الإنتقاد موضوعي أم ظرفي واقعي أم خيالي أو مفتعل وما يهم الجمهور الساهر هو متعة النص وفنية التركيب اللغوي الذي تتفتق عليه صورة شعرية رائعة تشد المتلقي حتى آخر لحظات الصباح .لكون كل واحدة من الشاعرات اللواتي يمثلن الرايس تحاول أن تعقب عن الآخرى وترد علىها بشعر سخري يتعلق بحبيبها أو بأوصافهما بشكل لبق يحترم حدود العرف الإجتماعي ولا يخرج عن سياق طبيعته باعتبار فن إزران جزء من الكيونة التربوية والاخلاقية للريف .لكنه قاسي الأسلوب وقوي الشحنة اللغوية حتى تشير الشاعرة على قوة إبداعها وقدرتها على هزم الآخر من خلال سلاح اللغة الشعرية الذي تتخذه وسيلة يومية للدفاع عن كرامتها وشخصيتها .مما يفهم أن الشعر عند اهل الريف لم يكن ابدا اداة للتسلية والمتعة بل ظل يحمل جوانب مهمة ترتبط أشد الإرتباط بمجال السوسيو فني الإنساني لأن الفن عند تزرويث تجربة إنسانية يجب أن تترفع عن كل مستوى الحضيض الغير المقبول عرفيا وفنيا وادبيا

..أذهويغ غربحا أمان اذيشن

ؤمي ويغ اهبوج ون وذيسذهجن

…ايسرنكا بيجو ينا كيلاه اتنيذ

أنداه بيجو إينك مرمي ذبوهلياذ

…أقيدين قيعذاد يتغير غتويتيد

ذغيار ندونيث مار يسمونيتيد

مما ظل شعر رمعاني بالريف المغربي توهج إبداعي ينطلق من السخرية ليؤكد التيمة عبر لغة شعرية مكثفة الصورة كما بينت النماذج المقروءة والمسموعةوهي تعبير مؤسس لمشهد فني بالغ الاهمية سواء تعلق الأمر بالصراع التاريخي او السياسي او الإجتماعي ونجد هذا الأسلوب السخري لم يستثن اي مجال يذكر حسب ماورد في أرجوزة الشاعرات اللواتي تبوأن صدارة الفرجة منذ عصور غابرة

مما يفيد القول ان شعر رمعاني معركة لغوية وجمالية لها اغراض وأهداف واسباب تمتاز بالحماسة والهيجان لتؤكد قوة النظم وروعة الصورة وحنكة البناء الهندسي المرتبط بعبقرية وذكاء الشاعرة الذي يعتمد المتناقضات في التيمة والمتناغمة في البناء والصورة كمحدد أسمى لكل ولادة فنية للإزري بالريف ويكون الآخر هو محور التيمة وغالبا ما يكون هو ربراني rbarani الذي ورد في كل الاشعار في صورة انتقادية مشاكسة وبشكل سخري لكن طبيعة الهجو لا تتقيد دوما بميثاق العرف الجماعي حتى لا تسقط في الميوعة والإخلال بالبعد الإنساني للفن الذي شكل حياة يومية عند أمازيغ الريف وحتى لا نقول بأنه شذرات نفسية غير مقننة بل الفن له قدسية خاصة ومكانة بارزة لجمع الشمل وتقوية ركائز المودة بين كل القبائل الريفية انطلاقا من العرف القديم الذي كان لا يستسيغ من هو خارج القبيلة خوفا على القبيلة نفسها فظل الإزري نابع من محيط تاريخي واجتماعي برؤية فنية حداثية تنبذ التميز والإستعداء وكل ماهو تهجمي وتجريح واستهتار وتهجم لا يتجاوز لحظة الفرجة لتكون اكثر إمتاعا وغبطة وابتهاجا وابتهالا

إسوضاييد سرام روح اراس سرام إينس

أوني ضصحبيو سناغ ثيسار ئينس

يوسيد اضيخضاب يويد كيلو نقويت



روح ايهبوج ابا يتعرصيت

نش اذكشهيغ ذقميجات ان رقفور

شهيغاك ذخذميث جار نذشويث ذوور

ومن خلال معاينتنا لنماذج السخرية التي هي محور وجهة نظرنا نجد من خلال أستيتيقيتها ومن داخل فضاء رمراح أنها تراعي الدقة والتركيز مع استغلال مكامن الضعف لإرباك الآخر وغالبا ما تعتمد استغلال العيوب والاوصاف والشكل كما سلف القول. وإن لم تكن ثابة فتحاول الشاعرة افتعالها لتوهيم الآخر انه غير لائق لتفسد عليه كل ادعاءاته وهذا لا يتجاوز لحظة اللعبة التي تسعى لإمتعاع الجمهورالتي سبق الإشارة اليها أوحتى تنقل لللمتلقى المشهد من طبيعة عادية الى صورة شعرية مشوبة بالضحك والمتعة وهي تجربة لا تضاهيها اي تجربة عالمية خصوصا وانها مقرونة بصوت الأنثى الأكثر دراية في هجو الأنثى والرجل عموما وهذه خاصية عالمية من حيث ان تكون الشاعرة بالريف صاحبة مشعل الشعر بشكل مطلق والرجل مجرد متلقي والمرسل إليه

مؤكدن أن شعر رمعاني يؤدي وظيفة ادبية وفنية عبر توهج الإبداع الفطري للإرتقاء باللغة والجمال إلى برج الشعرية والشاعرية المتولدة من شحنة المعنى اللغوي التي تغرق النص في الصورة والإيقاع الذي تفرضه هندسة البناء ومعمار التركيب والصرف والنحو والصوت عبر بديع المقومات فيتحرر النص من النثرية إلى الجمال والتجميل كخصوصيات للنص الشعري الفياض بتموجات اللغة في بعد شطحات رومانسية وفانطستيكية من خلال توازناتها الدقيقة تركيبا وايقاعا وقاموسا لفظا ومعنى واحيانا يتجاوز الموضوعاتية بالإعتماد على الذوق والحواس لتأسيس خطاب فني داخل خطاب نقدي يأسر الحواس عبر السماع او العين

ماني إرى جيغ ؤمي كيك غمونغ

ماي رسكاغ مايرى سويغ ربينو

مدوى دوار ئينك أيا هبي نضغاط

ربكياث نشيكلي ثشيض خص ذهياط

ادهوى غبيا أدصوا سوبدي

أوحد أدهبوجث أتقرعذ إيمندي

ومهما تكن تيمة الهجو عند الشاعرة التي تهجو بها صاحبتها فإن الهجو لا يتعدى البعد الفني والتي تصوغه في قالب جمالي وموسيقي وتلك هي مغزى الشاعرة التي لا يجب ان نفهما وفق ميزاج القصيدة من جانب الموضوع بل وفق قوة اللغة الفنية التي نسجت ببلاغة تعتمد الحواس الذكية عبر عناصرها الجمالية

لتحميس الجمهور ومنح الفرج مدة زمنية أطول من خلال تفاعل المتفرجين مع شعر المتناقضات الذي يمنح للحضرة نكهة جمالية غير مسبوقة

ففي كل نموذج نتمثله نلمس مستوى البلاغة فيه قبل الموضوع وسمة البلاغة في الشعر الامازيغي الريفي هو تأطير العلاقات بين الجمل من أجل جودة التعبير والرقي بالشعر الى مستوى الشاعرية والشعرية . وفي هذا الإطار يسكن نص السخرية الذي نحن بصدده في اللاشعور الشاعرات العاشقات لفرجة غير محدودة الزمن لإفراغ كل ما يسكن مشاعرهن المقموعة بالطقوس فيسهرن يهجون ويتنابزن وحين ينتهين يتعانقن فبين الهجو والرد عليه فنيا تكتمل قوة الإزري في براعته ونظمه الذي يستوعب كل من المحيط الداخلي والخارجي ليؤسس للتجربة عمقا فنيا يرتبط دوما بتاريخ القبيلة كمرجعية تؤسس لكينونة تراثية من خلال تجربة إنسانية ولو تعددت مضامينها بين المدح والهجو معا

وهو نص يبدأحروفا ثم صوتا وايقعا ويتوج بالصورة الجدلية بين التيمة الموضوعية والرؤية الجمالية وتبقى الحواس في مجالها تحتفظ بقسط من حركيتها .

فلماذا الحواس بالضبط

أذسواغ اربينو اذقربغ ذزيات

يقساي وور ئينو ؤومي مونغ اكشمة

… أذعوذغ ذعواط النص ئينو يقسم

ارمراك ؤهبوج أم ون يشين اسم

هو ان القصيدة السخرية تعتمدة لغة نفسية ومشاعر ذاتية للولوج الى اقصى المشاعر النبيلة وبالتالي فانها تراعي هذا الجانب السيكولوجي لان هجو الآخر يعتمد ارباكه نفسيا لان النفس لها علاقة مباشرة بالواقع والمحيط والشاعرة ترى من خلال تجربتها في الحياة ان هزم الأخر يجب ان يكون نفسيا لأن النفس تؤثر على الجسد والسلوكات التي تؤطرها فتعتمد في نظمها في سؤال البلاغة كل معاني البديع من وصف ومجاز واستعارة فتضفي على اللغة طابعا فنيا ولو ان السياق الإجتماعي للمتن يموقعنا في خضم صراع شخصي واحيانا يكون افتراضيا ومصطنعا للرقي بمستوى الفرجة كما سلف القول الى ضبط هوية الشاعرية في أنس لا نود توديعه بحيث يتخشع له الوجدان وباقي الاحاسيس الجياشة

..أذسينو الدات ئينو ثفسي ذذوار ذمان

يقساي وور ئينو نشيغ إلحيوان

.. نيش مار غاي ثسعديث أكي سيذي ربي

ثسعديث نمورو نهرا ما ذيري

وهنا يمكن دمج شعر السخرية ضمن الادب الناقد الذي يحاول قراءة المشهد باكثر من إشارة فقد يكون المعنى كوميدي ولاذع ومضحك ومتهكم ذات ابعاد فردية واجتماعية وسياسية وتاريخية حسب طبيعة الموضوع مما يتبن بصيغة او باخرى أن شعر رمعاني شكل من اشكال التعبير الفني يعتمد الإنتقاد بلغة ساخرة وهي تجربة أممية مرت منها كل التجارب العالمية بشـأن الادب والشعر خصوصا

..ذكور ثقارسن ياك ذكساي الليف

أيكسام اربي ثيطوين ياك يوكورم نيث

.. ابريذ نطوموبين كوربا ثوري ذهوا

ثني ذاي طموعن كيليف روح ئينس اتهنا

…إناس إشلالة حوك السودان ئيوور

وني ذليف ئينو ؤسقا اكيميمون

… إشم أشلالة ايغنجا نرعيذ

ميشميحزن كيموذة اذقوشث ان رقوذ

من هنايتضح أن شعر الهجو له باع طويل في الشعر الأمازيغي بالريف تريكيبا وصوتا وبلاغة وصورة وهو حقل فني يجب ان يخضع للدراسات النقدية بكل توجهاتها ومناهجها حتى نبين على أنه إبداع خصب سيؤهل باقي حقول المعرفة للإغتراف من حكمه وفلسفته التي تعتمد الرؤية واللغة معا وتلك خاصية الشعر العالمي الذي برز فنا وتطورت مفاهيمه كقيم فلسفية تحمل بين طياته عمقا فكريا ليساهمه من جانبه لإغناء تجليات الذات المعرفية للريف على مستوى الهوية الإجتماعية والتاريخية


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح