بقلم: رمسيس بولعيون
هناك نظريات تُدرّس في أعتى الجامعات، الماركسية تُفكّك الصراع الطبقي، والمكيافيلية تُحلل دهاء السلطة… ثم هناك “الموكانيفية”، وهي نظرية محلية الصنع، لا تحتاج إلى كتب أو مراجع، بل فقط إلى صناديق اقتراع، ومقاعد في المجالس، وبادج برلماني يتيم يلمع من خلف زجاج السيارة.
الموكانيفية نسبةٌ إلى الأخوين موكانفيوش، وهما كائنان انتخابيان نادران، لا يظهران إلا في زمن الحملات، مثل الفطر الذي ينبت بعد أول مطرة. تشارك هذه الكائنات في الانتخابات الجماعية والجهوية بجدّية تشبه تلك التي يشارك بها طلاب السنة الأولى في ندوة حول الجاذبية، الحضور لأخذ الصورة فقط.
يختفي الموكانيفيون أربع سنوات كاملة في سبات عميق، لا يحضرون الدورات، لا يطرحون الأسئلة، ولا يشاركون في النقاشات، لأن ذلك قد يُحدث احتكاكًا غير ضروري مع الفكرة الأساسية للموكانيفية، الصمت الانتخابي الممتد.
الشيء الوحيد الثابت في سلوكهم السياسي هو تعليق البادج البرلماني في السيارة، ويُقال ولا تأخذوا كلامي على محمل الجد إنهم لا يقودون السيارة بدون البدج، ليس حبًا في الامتياز، بل حتى تتعرف عليهم إشارات المرور ويُفسح لهم المجال إلى المستقبل، حيث كرسي المستشارين ينتظر بفارغ الصبر.
“السياسة عند الموكانيفيون ليست مهنة، بل إجازة مفتوحة الأمد تُدفع لها أجور وتعويضات.”
الموكانيفية ليست فكرة، إنها عقيدة. عقيدة تؤمن بأنك لستَ مضطرًا لفعل أي شيء على الإطلاق طوال خمس سنوات. فقط احضر يوم الحفل، تبسّم، التقط صورة مع رجل سلطة، ثم عد إلى الظل، حيث الدفء وراحة البال وهدوء المخصّصات.
“الموكانيفيون لا يترشحون.. الموكانيفي يُستدعى.”
ما الذي يميز الموكانيفيون عن غيرهم من الأنواع السياسية؟
ببساطة، خطة زيرو لزيرو…
زيرو تفاعل، زيرو تواصل، زيرو موقف، زيرو حساسية… وأحيانًا زيرو عنوان سكني واضح…
لا يجادلون، لا يعارضون، لا يؤيدون، صورهم غائبة عن الملتقيات الحزبية، لا يظهرون في التأبينات، ولا في الوقفات، ولا حتى في صور السيلفي الجماعية…
الاستثناء الوحيد؟ المناسبات الوطنية الرسمية التي تنظمها وزارة الداخلية، او في افتتاح البرلمان، هنا فقط، يخرج الموكانفيون من جحرهم، يرتدون بذلة من الطراز القديم، يلوّحون بيدهم اليمنى للكاميرا، ثم يعودون سريعًا إلى قوقعتهم حتى إشعار انتخابي آخر.
أما عن الانتماء الحزبي؟
الموكانيفيون كائنات متحوّلة، يتلوّنون حسب الحاجة.
بالأمس كان احدهم في حزب الحمامة، اليوم في حزب التراكتور، ومرة في الوردة واخرى مع الديك، وغدًا قد نراه يترشح باسم جمعية محبي القطط، ما دام ذلك يضمن له مقعدًا ناعمًا وبادجا يلمع على زجاج السيارة.
“الحزب عند الموكانيفي مجرد ملصق يمكن تغييره بالفوتوشوب بين ليلة وضحاها.”
هكذا هي الموكانيفية، نظرية الصعود بدون أثر، الحضور بدون تأثير، والغياب بدون سؤال.
إنها ليست فقط سلوكًا سياسيًا، بل فلسفة عيش… فلسفة الجلوس الطويل دون أن تُقلق أحدًا، أو تتورّط في موقف، أو تتلفظ بجملة قد تُحتسب عليك يومًا ما.
ثم يأتي اليوم الكبير، يوم العودة بعد الغياب، لا يحملون حقائب ولا ملفات، فقط ورقة صغيرة، تشبه تلك التي يمنحها المدير لتلميذ تغيّب عن الدراسة.
“كان لهم ورقة دخول… تلك التي تمنحها المدارس بعد الغياب، إلا أنها تُمنح لهم لدخول مجلس المستشارين، رغم غياب السنين.”
ويجلس الموكانيفيون بهدوء، في مكانهم المخصص، وكأن شيئًا لم يحدث، لا أحد يسأل عن تقاريرهم، ولا عن غيابهم، ولا حتى عن سبب وجوده.م
في نهاية المطاف، قد يكون الموكانيفيون آخر من يمثل المواطن… لكنهم بالتأكيد أول من يمثلون الغياب.
هناك نظريات تُدرّس في أعتى الجامعات، الماركسية تُفكّك الصراع الطبقي، والمكيافيلية تُحلل دهاء السلطة… ثم هناك “الموكانيفية”، وهي نظرية محلية الصنع، لا تحتاج إلى كتب أو مراجع، بل فقط إلى صناديق اقتراع، ومقاعد في المجالس، وبادج برلماني يتيم يلمع من خلف زجاج السيارة.
الموكانيفية نسبةٌ إلى الأخوين موكانفيوش، وهما كائنان انتخابيان نادران، لا يظهران إلا في زمن الحملات، مثل الفطر الذي ينبت بعد أول مطرة. تشارك هذه الكائنات في الانتخابات الجماعية والجهوية بجدّية تشبه تلك التي يشارك بها طلاب السنة الأولى في ندوة حول الجاذبية، الحضور لأخذ الصورة فقط.
يختفي الموكانيفيون أربع سنوات كاملة في سبات عميق، لا يحضرون الدورات، لا يطرحون الأسئلة، ولا يشاركون في النقاشات، لأن ذلك قد يُحدث احتكاكًا غير ضروري مع الفكرة الأساسية للموكانيفية، الصمت الانتخابي الممتد.
الشيء الوحيد الثابت في سلوكهم السياسي هو تعليق البادج البرلماني في السيارة، ويُقال ولا تأخذوا كلامي على محمل الجد إنهم لا يقودون السيارة بدون البدج، ليس حبًا في الامتياز، بل حتى تتعرف عليهم إشارات المرور ويُفسح لهم المجال إلى المستقبل، حيث كرسي المستشارين ينتظر بفارغ الصبر.
“السياسة عند الموكانيفيون ليست مهنة، بل إجازة مفتوحة الأمد تُدفع لها أجور وتعويضات.”
الموكانيفية ليست فكرة، إنها عقيدة. عقيدة تؤمن بأنك لستَ مضطرًا لفعل أي شيء على الإطلاق طوال خمس سنوات. فقط احضر يوم الحفل، تبسّم، التقط صورة مع رجل سلطة، ثم عد إلى الظل، حيث الدفء وراحة البال وهدوء المخصّصات.
“الموكانيفيون لا يترشحون.. الموكانيفي يُستدعى.”
ما الذي يميز الموكانيفيون عن غيرهم من الأنواع السياسية؟
ببساطة، خطة زيرو لزيرو…
زيرو تفاعل، زيرو تواصل، زيرو موقف، زيرو حساسية… وأحيانًا زيرو عنوان سكني واضح…
لا يجادلون، لا يعارضون، لا يؤيدون، صورهم غائبة عن الملتقيات الحزبية، لا يظهرون في التأبينات، ولا في الوقفات، ولا حتى في صور السيلفي الجماعية…
الاستثناء الوحيد؟ المناسبات الوطنية الرسمية التي تنظمها وزارة الداخلية، او في افتتاح البرلمان، هنا فقط، يخرج الموكانفيون من جحرهم، يرتدون بذلة من الطراز القديم، يلوّحون بيدهم اليمنى للكاميرا، ثم يعودون سريعًا إلى قوقعتهم حتى إشعار انتخابي آخر.
أما عن الانتماء الحزبي؟
الموكانيفيون كائنات متحوّلة، يتلوّنون حسب الحاجة.
بالأمس كان احدهم في حزب الحمامة، اليوم في حزب التراكتور، ومرة في الوردة واخرى مع الديك، وغدًا قد نراه يترشح باسم جمعية محبي القطط، ما دام ذلك يضمن له مقعدًا ناعمًا وبادجا يلمع على زجاج السيارة.
“الحزب عند الموكانيفي مجرد ملصق يمكن تغييره بالفوتوشوب بين ليلة وضحاها.”
هكذا هي الموكانيفية، نظرية الصعود بدون أثر، الحضور بدون تأثير، والغياب بدون سؤال.
إنها ليست فقط سلوكًا سياسيًا، بل فلسفة عيش… فلسفة الجلوس الطويل دون أن تُقلق أحدًا، أو تتورّط في موقف، أو تتلفظ بجملة قد تُحتسب عليك يومًا ما.
ثم يأتي اليوم الكبير، يوم العودة بعد الغياب، لا يحملون حقائب ولا ملفات، فقط ورقة صغيرة، تشبه تلك التي يمنحها المدير لتلميذ تغيّب عن الدراسة.
“كان لهم ورقة دخول… تلك التي تمنحها المدارس بعد الغياب، إلا أنها تُمنح لهم لدخول مجلس المستشارين، رغم غياب السنين.”
ويجلس الموكانيفيون بهدوء، في مكانهم المخصص، وكأن شيئًا لم يحدث، لا أحد يسأل عن تقاريرهم، ولا عن غيابهم، ولا حتى عن سبب وجوده.م
في نهاية المطاف، قد يكون الموكانيفيون آخر من يمثل المواطن… لكنهم بالتأكيد أول من يمثلون الغياب.