المزيد من الأخبار






ليلة الفاجعة مذكرات زلزال 2004 يكتبها سعيد دلوح لناظورسيتي .. رفعت الستار عن جثتي أبي و أمي وودعتهما الى الأبد


ليلة الفاجعة مذكرات زلزال 2004 يكتبها سعيد دلوح لناظورسيتي .. رفعت الستار عن جثتي أبي و أمي وودعتهما الى الأبد
ناظورسيتي

احتضنتني شقيقتي بقوة.. ارادت ان تخفف عني اثار الصدمة.. تعرف جيدا علاقتي الوجدانية بأمي.. ساعدتني على النهوض، لم استطيع ان اتقدم تلك الخطوات المتبقية، سرى في داخلي اسياخ من نار، كأنها رماح مسمومة، تنغرز في قلبي، شلت حركتي كليا، وأحدثت رجات عنيفة، في قلبي.. اشبه ما يكون، بتلك الرجات التي احدثها الزلزال.. كأن الزلزال انتقل الي مستوي كياني الصغير، ،.. صحيح اني جزء من الطبيعة، وقوانين التي تحكم الطبيعة، تنحسب علي هذا الكيان الذري المهمل.. لكن ليس الي هذا الحد.. هناك نداء داخلي يصرخ، يقول.. هذه هي الهزات التي خطفت ابويك .. اه تمنيت لو انتهي في تلك اللحظة، ان ارتقي معهم الي عالم الملكوت...حب البقاء عجن في فطرتنا الانسانية، عندما يحصل تهديد، يهدد حياتنا، نستنفر كل الجهد والإمكانيات، في بعض الأحيان بشكل عفوي تلقائي، من أجل الدفاع عن الروح.. الا في حالات نادرة، يقدم هذا الروح فداء الأرض و القيم .. في تلك اللحظة، كنت اتمني الرحيل، صدقوني. لا ابالغ في هذا، وانما انقل الرغبات والمشاعر بأمانة..

في غبش الليل الاخير، تقدمت اليهما، عندما تبدأ الظلمة، تختفي تتلاشى، مع اول نور النهار.. وهما في محرابهما رقدا، في رحلة الوداع الاخيرة، تقدمت، ازحت الغطاء، اولا عن وجه ابي.. يبدو نائما، نومة مطمئنة هادئة، لا شخير، ولا نغص، كانت فيه ضربة في الرأس، ربما تلقها من السقف.. قبلت جبهته بحرارة ، ثم رفعت الغطاء عن امي، كانت شديدة البياض، وفي منتهي الإشراق، ابتسمت الي، قبلتها بلهفة، ودقات قلبي تتسارع .. ارادت ان احملها من الأرض.. اضمها الي صدري في الوداع الاخير.. لكن اخوتي الحاضرين، ابعدوني عنها. ..

في تلك اللحظة، وصل الجيران الينا، الذين نجوا بأعجوبة من الضربة، وقفوا معنا في هذا المصاب الجلل. و كانوا يشدون عاي قلوبنا في تجاوز المحنة،... نقلوا الينا حجم الكارثة التي حصدت الارواح بالجملة،.. بقدر ما كانت تلك الالتفاتة الإنسانية، مهمة لنا، اشعرتنا اننا لسنا وحدنا ، مازال الجيران، والاهل، يقفون معنا، بمشاعر العزاء والمواساة.. بقدر ما كانت تزعجني وصاياهم الي حد الحنق.. يطلبون منا، الا نبكيهما.. لانهما يتعذبان بهذه الدموع.. في البداية لم التفت الي هذه الوصايا، ولم اكن اسمع الأصوات التي تخاطبني... لكن بعد ذلك.. انتبهت اليها، واستغربت من اين جاءت، من بثها في ثقافة مجتمعنا.... هنا لا يحتاج الإنسان الي مجهود حتي يكتشف ان هذه الوصايا من صنع الوهابية البدوية، التي اخترقت ثقافة مجتمعنا، وبثها الجهلة واشباه المتعلمين في الاسر.. وعملوا بقوة في تحريف الثقافة والذوق الريفي، الذي كان ينسجم الي حد بعيد مع الفطرة الإنسانية.. كيف يفقد الانسان اغز ما يملك.. وفي ذات الوقت يحبس دموعه من التدفق والفوران؟ .. انا لا استطيع استيعاب ذلك

يتبع


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح