المزيد من الأخبار






حسن تيبرنت.. الفنان الذي حمل همَّا وجعل منه فنا


حسن تيبرنت.. الفنان الذي حمل همَّا وجعل منه فنا
محمد بوتخريط

شريط غنائي، ضمن مشروع غنائي بتوزيع جديد.

أطلق الفنان حسن تيبرنت عملا غنائيا جديدا على شكل شريط أصدره الفنان ضمن مشروع غنائي جديد اشتغل فيه على إعادة توزيع أغانيه..أغاني منها ما تسرب قديما ولاقت الانتشار الكبير وأحبها الجمهور وحققت نجاح مبهرا.. وهي مسربة . ومنها ما رددناها دندنة وهتافات وشعارات في افراحنا وأقراحنا دون حتى ان نعلم انه هو صاحبها.

- احلام مؤجلة.

كم كنت سعيدا حين التقيته هنا في اوتريخت .. جاء يزور المدينة من أجل تقديم شريط جديد له ضمن احتفالية بالسنة الامازيغية االجديدة... لم اسأله هذه المرة عن أي شيء ، ربما أعتقدت أن أصدقاء آخرين سألوه قبل أن أحضر.. فقط وأنا أحييه تذكرت .. سؤال لي له مضى عنه الان وقت كثير..حول أعماله الفنية الجديدة . أتذكر أنه كشف لي وقتذاك أن لديه أفكار جديدة وأعمالا فنية جديدة، لكنه تحفظ على ذكر تفاصيل أكثر عدا أن ظروفا و مشاكل وعراقيل عاشها لم تسمح لجديده ان يرى النور.

فضول لاكتشاف سر الشريط عاد ليلازمني ، وبدا الأمر وكأنه فرصة أخرى جديدة للتعرّف عن قرب على مستجداته وأخباره..وقبل أن أسأل وجدت الجواب في يد الصديق جمال" نسخة من الشريط الجديد..يقدمها لي هدية..
ابتسم حسن .. وتنهد .." أخيرا.. وبعد مخاض عسير، ولد الشريط وخرج للعلن ..."

- فضول مرهق و..مرحلة عشق.

الحركة بدأت تدب في المكان رويدا رويدا ..أصوات منبعثة من داخل القاعة توحي بقرب بدإ الاحتفالية .. وأضواء بعض السيارات كانت لا زالت تقترب من المكان .. رذاذ خفيف متقطع من المطر بدأ يتساقط .. وريح خفيفة بدأت تهب ..

السؤال عن شريطه الجديد كان لازال يثير فضولي..فضول قد يكون مرهق له خاصة وأنه بدا لي متعباً أكثر من مرات سابقة، وإن كان يبدو بطبيعة الحال أكثر حضوراً بكثير مما يسمح به عمرنا ، كان يلبس معطفاً أسود ثقيلاً مزررا و وشاحا في نفس اللون . سألته عن حاله.

- إنسى الأمر.. دعنا ندخل ، الطقس بارد ..أجابني بنبرة هادئة تشي بشيء من المرارة.

-حدِّثْني قليلا عن الشريط..إذن ؟

بدا لي السؤالين مشتبكان، لكن بدا لي وهو يجيب ، وكأنه متمرساً في الجمع بينهما .. سمعت صوتا أقرب إلى الهمس منه إلى النطق..
"كلما كبر الإنسان ينحو نحو التأمل ونحو اختزال الأشياء. أنا الآن في مرحلة عشق للحياة وأشعرأننا يجب أن نعيش في سلام وهدوء،
هذا التحول حقيقي وطبيعي ... وأنا دائما مخلص لتجربتي والشعور الذي أغني به ..لذلك كنت حريصا على جعل الشريط في مستوى تطلعات من يحبون فني .. وإخراج الشريط بالشكل الذي هو عليه الآن كلفنا جهداً مضاعفاً..ولولا بعض الاصدقاء الذين شجعوني و ساندوني منذ البدايات الاولى من الاشتغال على الشريط برغم كل الصعوبات التي صادفتنا... لما عرف النور...أبدا.
أصدقاء بذلو جهوداً كبيرة للسعي من اجل إظهار الشريط بالشكل اللائق الذي هو عليه الآن...لدي فعلا شعور قوي بالامتنان والمحبة تجاه هؤلاء."...

- هموم وطن وأحلام إنسان

هو ذا حسن تيبرنت ..الفنان الذي حمل همَّا وجعل منه فنا .

فنان يفضل العمل في صمت وهدوء ... يجمعه بالموسيقى حب وولع قديمين بدءا من سنوات شبابه الأولى...هو أحد أبرز الأصوات في حركة الاغنية الريفية، يمتد رصيده الإبداعي غناء وموسيقى لأكثر من ثلاثين عاما .. بدأت مع بداية سنوات السبعينات من القرن الماضي، مع مجموعة "اريزام" (الفؤؤس) ...ليسلك بعد ذلك طريقه الخاص به لوحده.

حمل هموم الوطن وأحلام الإنسان على عاتقه متبنيا قضاياه ومواقفه وتاريخه الأصيل..غنى حين آخرون صمتوا فجاءت أغانيه بديلا عن أغاني الحب والغرام التي كانت قد اكتسحت الشارع الناظوري وقتذاك بل والريفي عامة والتي لعبت وإلى حد ما أدوار خطيرة في تحنيط وعي الانسان الريفي وتخديره .

فجاءت اغانيه لتكون فضاء له ولنا للتعبيرعن مواقف معينة خاصة في الجانب السياسي ...نوع جديد من الأغاني والألحان غيرالمألوفة ، تعاطفنا معها لإنفرادها بمواضيع جديدة لعل أبرزها الحديث عن آلامنا وأحلامنا .. عن الهوية وعن الوطن من غير المنظور الرسمي..ومخاطبة الطبقات الكادحة ..وغيرها من المواضيع التي كانت غائبة في الإعلام الرسمي...

- فنان..لم يلبس معطف .

فنان لا يشبه كل الفنانين .. لم يغني كما غنى آخرون .. لم يلبس معطف من سبقوه ولا من عاصرهم من جيله ..
رسم لوحده طريقا آخر في الغناء فكان مميزا و فريداً فى أدائه وكلماته وألحانه .
اختصارا ... كان مميزا جدا بأغانيه ولا زال ... حمل هما وجعل منه فنا .. رأى انه خلق ليكون له. وليكون للبسطاء والكادحين رفيقاً حين يغيب من عيونهم الحلم و ...الفرح .
شق طريقا شاقا .. اعتنق الجرح والأمل في تحدٍ وعزيمة لتحقيق حلم المرحلة : الحق في الحياة والحلم وفي العيش الكريم ..
عانق هموم الناس بكلمات أغانيه.. وكنا نحن بها نحاول أن نلملم جراحاتنا المبعثرة ..
كنا نحن نستأنس بها وكانت هي ترسم ابتسامة حزينة على وجوهنا.. ابتسامة كانت تمتزج بمرارة واقعٍ كان يختلف باختلاف الامكنة لكنه كان يتشابه في الآلام والمعاناة..
عرفناه في مرحلة السبعينات من القرن الماضي في مدينة الناظور... لم نكن أبناء جيل واحد ، ولكنه كان يمثل كل الأجيال ..
كنا نسمع أغانيه وكنا نحبها .. ونرددها. كنا صغارا ننتقل كالفراشات بين مقرات "البي بي آس".. و"خشبة" سينما الريف .. ومهرجانات الإنطلاقة الثقافية .. نتسلق جدران "مسبح فندق الريف " لنلتقي بفنان توسمت فيه روح البساطة والعطاء وعشق الفن والغناء بلا حدود .
كم كان يطربنا هو ومجموعته ومجموعة أخرى من فناني جيله ..
خلاصة العشق أن تجربة حسن شكلت بصدق ، واحدة من التجارب الرائدة والناجحة في الغناء الأمازيغي الريفي الملتزم ، توزع هاجسه على كلمات عن الوطن والجرح والهوية .. والمعانات ..
فغنى للعامل والفلاح والطالب .. و للحب والجمال والعشق ...عشق الأرض والوطن و...الهوية .
ولا نزال نتذكر ولن ننسى اغانيه الشهيرة التي لا زالت تتردد على الالسن ( أتْراغِيخد خَام ، أذرار ان ييسان ، أيما حنا ... إي نِيم آيي أ ياياثما مِين غاناك.. )، وغيرها الكثير .
كم أبدعت يا حسن ولا تزال...

- حتى لايسقط الحلم !.

ومن اشتاق الى الزمن الجميل ، فالآن ..الآن قد عرف له الطريق .بعد العمل الذي أصدره حسن ضمن مشروع غنائي جديد اشتغل فيه على إعادة توزيع أغانيه.. وهو ضمن الإصدارات المتواجدة حاليا في الاسواق كما في بعض المعارض الاخرى خاصة في بلجيكا وهولندا..

هي خطوة يجدرالاهتمام بها وتسليط الضوء عليها والالتفات اليها بل والتوقف عندها...ودعمها ، حتى يتسنى لصاحبها إيقاف النـزيف و الاستمرار في العطاء..
فكم هو مؤلم ... أن تبني حلما فيسقط عليك !.





تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح