المزيد من الأخبار






الناظور مدينة الأزبال والفرّاشة والمتسولين والمختلين عقليا.. فلْنقف دقيقة صمت ترحماً على ساكنتها


الناظور مدينة الأزبال والفرّاشة والمتسولين والمختلين عقليا.. فلْنقف دقيقة صمت ترحماً على ساكنتها
بدر أعراب

يحزّ في نفسك وأنت تسكن مدينة الناظور أو بالأحرى هي من تسكنك، عند إجرائك زيارة إلى مدينة مغايرة كطنجة أو أصيلة أو الحسيمة أو الرباط على سبيل العدّ لا الحصر، فتضع مقارنةً سريرية بسيطة بالعين المجردة، بينها وبين مدينتك التي تغرق في أكوام عرمرمٍ من النفايات والأزبال المنتشرة بكثرة في أرجائها والروائح المنبعثة منها المزكمةً لـأنفك ليل نهار، وللأرصفة المملوءة عن آخرها بالسلع والبضائع والخردة والجوطية إلى آخر الرصيف من قبل الباعة الجائلين، ناهيك عن إنتشار المختلين عقلياً الذين يصولون ويجولون طوال النهار وسط المدينة كما لو أن هذه المدينة عنبر مجانين كبير، إضافة إلى جحافل المتسولين الذين لم يعد لهم سوى إصدار وثيقة رسمية للإعلان عن إختيار الناظور عاصمة لدولتهم.

إنّ نظرة جانبية إلى الوضعية التي توجد عليها مدينة الناظور، والحالة الكارثية التي وصلتها مؤخراً، توحي إليك بكون "بوابة أروبا" بلغت مستويات خطيرة من الرداءة والتدّني يصعب معها إنتشالها من المستنقع الآسن الذي تغرق في لجّته الغائرة، وحيثما وليت وجهك شطر اليمين والشمال هناك وجه القبح والبشاعة يكشر عن أنيابه ساخراً من كونك مواطناً تروم كبقية خلق اللـه أن تحضنك حاضرة ذات مساحات خضراء وارفة الظلال، تتنسم فيها هواء عطراً مشبعاً بأريج الورد، وتلقي النظر على المدى الشاسع فلا يرتّد وينقلب إليك النظر خاسئا وهو حسير، ويعثر فيها مواطنٌ كـ"حكيم شملال" على فضاءٍ ترفيهي يستوعب المرح الطفولي لإبنته "لويزا"..

أيّ ظاهرة طاغية على مشهد مدينة الناظور يمكن عدّها؟ فأغلبية أرصفتها محجوزة من قبل الباعة الجائلين، الذين يتخذونها أمكنة لمزاولة نشاطهم المحظور، رغم وجود ثلاث أسواق تفي بالغرض نفسه وأكثر، علاوة عن المجانين والحمقى الذين يتقاطرون بشكل غير معقول على هذه الجغرافية الجريحة المسماة تجاوزاً وعنوةً "مدينة"، يقومون بالإعتداء على كلّ من يصادفونه في طريقهم، حتى أنهم يتعرّون كاملاً متجردين من أسمالهم الممزقة البئيسة إلى آخر خرقة، في منظر يبعث على القرف والتقزز..

وقد تكفي صدقاً جولة ميدانية قصيرة بين أرجاء وسط مدينة الناظور، بِـنِيّةِ إستشفاف ما وصلت إليه الحالة الجمالية للحاضرة، لكي تشد إنتباهك بصورة صارخة وضعية أرصفة الشوارع التي سوف تترك لديك لا محالة، إنطباعاً بكونها أرصفة مدينةٍ كما لو أنها تعيش تحت نيران قصف ٍحربي حقيقي، تتساقط فيها القنابل والصواريخ بغزارة كقطرات المطر من السماء، من كثرة الحفر، وبسبب درجة التآكل التي بلغتها.

وتأسيسا عليه، فما يُستغرب له صراحة مع كلّ هذا، هو ساكنة الناظور التي قطعت صلتها نهائياً من زمان مع أشياء من قبيل التنديد والإحتجاج والإنتفاضة في وجه القائمين على تخريب مدينتهم التي تحوّلت إلى خربة كبيرة أو مستودع لتكديس الخردة ومكبٍّ للأزبال بعدما جرى العبث بمصيرها وظلت بلا ربٍّ يحميها وغسل من غسل يديه على مدينة قُدّر على أهلها العيش تحت رحمة المجانين والفرّاشة والأزبال إلى أن تصوغ السماء مقاديرها.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح