إستقلال كتالونيا بعيون ريفية.. من حق الكتلان أن يقرروا مصيرهم وإسبانيا مهددة بالإنقسام

ناظورسيتي: رمسيس بولعيون

عرفت الأحداث التي شهدتها منطقة كتالونيا، يوم أمس الأحد 1 أكتوبر، والذي كان يوما لإجراء استفتاء من أجل إستقلال هذه المنطقة عن إسبانيا، اهتماما كبيرا من طرف المغاربة والريفيين بالخصوص.

حيث اختلفت الرؤية والآراء، لكن كان هناك شبه إجماع بالتنديد للطريقة التي تعاملت بها حكومة إسبانيا مع المواطنين الكتلان، والتي اتسمت بكثير من العنف، حيث لم تفرق عناصر التدخل بين الكبار والصغار والمسنين.

ناظورسيتي قامت بأخذ أراء مجموعة من الفاعلين، في عدة مجالات من أجل أخذ أرائهم حول أحداث كتالونيا.

أعتقد أن الدرس الكطالاني ينطوي على أمرين أساسيين، أولها أن حكومة ماريانو راخوي لم تقرأ بشكل جيد السلوك السياسي والاقتصادي لساكنة كتالونيا، لأن مطلب الانفصال ليس جديدا حتى نقول إنه كان مفاجئا، إذ كان من الضروري فتح قنوات للحوار لاسيما وأنه في خضم الأزمة الاقتصادية الإسبانية تولد الشعور لدى الكتالان أنهم يدفعون الثمن، وهذا ما دفع القوميين إلى الصعود في الانتخابات المحلية بوعد واحد، البدء في إجراءات استقلال كتالونيا

أما الأمر الثاني فيتمثل بالأساس في أن جروح الماضي لدى الشعوب لا تبرأ بسرعة، والكتالان خلال الأيام الماضية كانوا يتحدثون عن جرائم فرانكو بطريقة توحي أن ما حدث كان أمس. بالنسبة للحكومة فإن الاستفتاء فشل لكن بعد التدخل العنيف للحرس المدني الإسباني، فإن الالتفاف حول الانفصال أصبح قويا جدا بل إن أصواتا من داخل الاتحاد الأوربي انتقدت إسبانيا علانية، في كل الأحوال فإن إسبانيا مهددة بالانقسام

أرى أن ما حدث في إقليم كاتالونيا من قمع رهيب ومنع لإجراء الاستفتاء من أجل الاستقلال هو وقوف ضد إرادة الشعب الكاتالوني وتناقض مع شعار الديموقراطية الذي ترفعه إسبانيا، وكذا مع حق الشعوب في تقرير مصيرها الذي تدافع عنه في الصحراء وتمنعه في كاتالونيا..

ولكن هذا لا يعني أن نقارن ما حدث من قمع هناك مع ما يحدث في الريف من قمع واستشهادات واعتقالات لأن سقف المطالب يختلف وشتان بين من يطالب بالاستقلال وبين من يطالب بالمستشفى والجامعة والمعامل..

يبدو أن الكتلان لن يتخلوا عن رغبتهم في الاستقلال خصوصا بعد الدماء التي سالت يوم أمس في شوارع كاتالونيا، أكيد أنها لن تذهب هدرا، ومن خلال مشاهدتي لتصريحات بعض الكتلان يظهر أنهم عازمون على المضي قدما في دربهم من أجل الاستقلال مهما كان الثمن..

لفهم ما جرى ، احداث و أرقام لا بد منها ،إقليم كتالونيا هي منطقة تقع في شمال شرق إسبانيا، من سبعة عشر مناطق حكم ذاتي في إسبانيا، وعاصمتها هي مدينة برشلونة، وتنقسم المنطقة إلى أربع مقاطعات: برشلونة، جرندة، لاردة وطراغونة.تحدها من الشمال فرنسا وأندورا، ومن الجنوب منطقة بلنسية، ومن الشرق البحر الأبيض المتوسط، ومن الغرب منطقة أراغون، وتبلغ مساحة كتالونيا 32.106 كم.² تعتبر الكتالانية هي اللغة الرسمية بالإضافة إلى اللغة الإسبانية التي هي لغة إسبانيا، الغالبية العظمى من الكتالونيين يعتنقون الديانة المسيحية على مذهب الرومانيَّة الكاثوليكي.وقد أصبح الإقليم جزءًا من المملكة الإسبانية، في 20 يناير 1479، وفي عام 1931 استعادت كتالونيا مؤسسات الحكم الذاتي.

يطالب إقليم كتالونيا بالانفصال عن الحكومة المركزية رغم تمتع الإقليم الذي يبلغ عدد سكانه 7.5 ملايين نسمة بأوسع تدابير للحكم الذاتي بين أقاليم إسبانيا، ويأتي في الترتيب السابع بين 17 إقليما تتمتع بحكم ذاتي في البلاد..ويرفض المواطنون في كاتالونيا وصفهم بأنهم مواطنون أسبان، وعلى الرغم من كون اللغتين الكتالانية والإسبانية مسموحة في الإقليم، إلا أن الغالبية يرفض التعامل بالإسبانية مطلقا. يرفع معظم المواطنون علم كتالونيا ذو الشارة الزرقاء ، في شرفات المنازل، في إشارة لاستقلالهم وتأيدهم للانفصال. ويعتبر المواطنون في كتالونيا أنهم محتلون من طرف إسبانيا بعد صلح البرانس التي وقعته إسبانيا مع فرنسا في أعقاب حربهم التي استمرت منذ عام 1635 وحتى عام 1659.

وعلى الرغم من أن الإقليم يمثل 6٪ فقط من مساحة اليابسة في إسبانيا، إلا أن ما يقرب من 20٪ من الناتج القومي الإجمالي يأتي من تلك المنطقة، وهذه إحدى أسباب الخلاف بين كتالونيا وإسبانيا، حيث يقوم الإقليم بتحويل مبالغ مالية إلى الحكومة المركزية الإسبانية تفوق الـ 20 مليار يورو سنويًا ، وهي الضريبة التي تفرضها الحكومة الإسبانية على الإقليم والمقدرة بـ 10% من الناتج المحلي، وفي المقابل، لا يوجد مردود من ناحية الخدمات.

أعتقد انه اذا كان لدي اليوم من تصريح يمكن أن أفيد به القارئ فهو وضعه أولا في سياق الأحداث و الأرقام ، أما الاستفتاء و الرد المماثل لحكومة مدريد عليه فليس لا الأول و لا الأخير ، و المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات وفق السياقات العالمية الجديدة . و ما على حكومة مدرير فهمه اليوم أكثر من أي وقت مضي ، هو أن وحدة جيرانها من وحدتها هي . و أن لا مجال للمزايدة على أية دولة عندما يتعلق الامر بوحدتها .

حق الشعوب في تقرير المصير تضمنه المواثيق الدولية منذ معاهدة فرساي، ولا يمكن لأي سبب من الأسباب تبرير السياسات المركزية التي تخضع مجموعة شعوب لهوى الصدفة التاريخية التي جعلت لنقطة بعيدة في الخارطة السلطة عليها، خاصة إذا لم يكن ذلك يمنح أي إضافة أو بالعكس تكون التبعية بأثر سلبي.

وهنا فالشعب الكطلاني له الحق في اختيار ما يناسبه، وفشل استقلال كطالونيا يهدد السلام العالمي بحيث يعطي مبررا إضافيا لحركات التحرير المسلحة، وإذا كانت أوروبا الأكثر ديموقراطية في العالم لم تقبل بهذا الحق الأصيل بسلمية فكيف يمكن إقناع شعوب العالم الثالث بوضع السلاح وهي التي تعاني سطوة أباطرة المافيا والدكتاتورية واقناعها بالحلول السياسية.

كاتالونيا منطقة لها ما يميزها عن الاسبان على مستوى اللغة و العادات و التقاليد، وتمتاز بوعي هوياتي لدى ساكنتها الذين يعتبرون أنفسهم كاتالونيين قبل أي شيء.
ولهم ذاكرة جمعية يغذيها تاريخ الصراع مع المركز منذ عهد الجنرال فرانكو.

بالاضافة إلى ذلك، يعتبر الكثير من الكاتالونيين انتمائهم إلى إسبانيا شيئاً يستنزف ثرواتهم، على اعتبار أن كاتالونيا منطقة غنية و نشيطة سياحيا وتعرف ازدهارا صناعيا يفوق بكثير باقي المدن الاسبانية.

ولهذا أرى من وجهة نظري أن المعطيات السالفة الذكر تجعل ان الشعب الكاتالوني له الحق في أن يقرر ما إذا كان سيحكم نفسه بنفسه في إطار دولة كاتالونية مستقلة، أم يبقى تابعا لدولة اسبانيا في اطار الحكم الذاتي.

رغم الخصوصيات اللغوية والثقافية للشعب الكطلاني و الجذور التاريخية للصراع مع اسبانيا والذي تعمق خلال فترة حكم فرانكو حيث تعرضت القومية الكاتالونية للقمع الشديد ولانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.

فإني أعتقد أن الديمقراطية الاسبانية قادرة على استيعاب الاشكالات الترابية المطروحة على طبيعة نظامها السياسي، وإن كنت شخصيا مع الحق في تقرير المصير السياسي و الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي تنص عليه الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.

فإني أعتقد أن هذا الحق يمكن أن يتحقق في إطار الدولة الاتحادية التي تتمتع فيها المناطق ذات الخصوصية بأوسع الاستقلالية الذاتية، لكن دون الانفصال وتفتيت وحدة الأوطان وما قد يستتبعه من نكبات وفظائع مهولة على حقوق الأفراد والجماعات.

وحدث كطالانيا وقبله كردستان الجنوبية يطرح أهمية توسيع قاعدة المشاركة الديمقراطية لجميع المواطنين بتعدد أعراقهم ودياناتهم وثقافاتهم.