المزيد من الأخبار






أين نصيب الأمير الخطابي من أقلام أدباء مصر المشهورين؟!


ناظور سيتي ـ الخضر الورياشي

بين يديَ مجموعة متنوعةٌ من الكتب والسلسلات عن الزعيم، البطل، المجاهد، محمد بن عبد الكريم الخطابي، وأقرأها باهتمامٍ وتروٍّ وتمْحيص، وفي نفسي حاجة مُلِحَّةٌ، وهي أن أجد كلاماً عنه بقلم أدباء كبار عرفتهم، أو شهاداتٍ وذكرياتٍ بألسنة صحفيين مشهورين، عاشوا في زمن استعمار البلدان العربية الإسلامية، وواكبوا الأحداثَ الكبرى والصغرى، ومنهم كُتّاب مصريون عاش بينهم محمد بن عبد الكريم حين أقام في قاهرتِهم.. وكانت أخبارُه تبْلُغُهم لاشكَّ!

وكان هؤلاء يكتبون في كل موضوع، ويخوضون في كل شأن، ويتناولون كل شخصية؛ فقد كتبوا عن عظماء الشرق والغرب، وعن أعلام الماضي والعصر الحديث، وعن العباقرة في كل فن، وعن المشهورين في كل ميدان، وعن المؤمنين والمُلْحدين، وعن المجانين والماجنين، وكتبوا حتى عن الراقصات والمطربين، وكتبوا عن جحا وأبي نواس وأبي دلامة وأشعب وهتلر وموسوليني وسيد درويش وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وشكوكو وفاتن حمامة ومارلين مونرو وشارلي شابلن... وكل من اشتهر في الجدِّ والهزل والخيْرِ والشرِّ!

كتبوا عن الطيور والحشرات والحَمير والمعادن والقمر والنجوم والنباتات والأزهار والحلاق والقصَّاب و"نائب في الأرياف" و"الشيخ زعرب" و"البنات والصيف" و"هارب من الأيام" و"ليلى المريضة في العراق"، وكل شيء كتبوه في الصحف والمجلات... ولم أعثر في كل ما قرأتُ لهم عن كلماتٍ كثيرةٍ أو قليلةٍ عن أسد الريف الكبير محمد بن عبد الكريم الخطابي، وحتى كلمات رثاءٍ بعد أن ماتَ في أرضهم لمْ أجِدْها، فإنَّ بعْضهم عاشوا بعْده سنواتٍ متفاوتَةً!



إلاَّ إذا استثنيْنا بعض المؤلفين، وبعض الشعراء، وكانوا قليلين، وكان لا يلتفُّ حولهم كثيرون، وكانت كتاباتُهم محصورةً بين تلاميذهم فقط، أذكر منهم محمود محمد شاكر، فقد وجدْتُ له مقالاً في كتاب (جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر)، جمعها وقرأها وقدَّم لها تلميذُه المخلص الدكتور عادل سليمان جمال، وعنوان المقال: (أسد إفريقية)...

ربما كتبوا، لكن لم يبق أثرٌ بارزٌ لما كتبوا، واختفى ذلك اختفاءً، وقَضت أيادٍ بغيابه واندثاره وطمْسِه، وإذا كان ما كتبوه تمَّ نشْرُه في جرائد ومجلات بخاصَّةٍ، ولم يعملْ هؤلاء على جمْعه وضمِّه في كتابٍ، كما دأبوا أن يعملوا في كتبٍ كثيرَةٍ جمعوا فيها مقالاتهم المتناثرة في الصحف والمنشورات.

وقد عمدْتُ إلى أكثرِ أعمال هؤلاء المُتاحةِ لي، سواء كتبهم المتفرقة، أو أعمالهم الكاملة، وجعلْتُ أنظر فيها، وأراجعُ فهارسَها، وأقلب صفحاتها وعناوين فصولها ومقالاتها، عسى أن ألْقى إشارةً إليه وتنبيهاً، بله إشادةً به وتنويهاً، أو حتى قدْحاً له وتشويهاً، فلم أعثرْ على شيءٍ، فأخذني العجبُ كل مأخذ، واستغربْتُ كلَّ الاستغراب، وداخلني شكٌّ عظيمٌ أنْ لا يكون هؤلاء قد كتبوا عنه وهو حيٌّ بينهم، ولم يذْكروه ذِكْراً حسناً، أو ذكْراً سيئاً، وهو ميِّتٌ في أرضهم، مدفونٌ في مقبرة شهدائهم!

بينما تؤكدُ كثيرٌ من المصادر أنَّ الصحف المصرية كانت تعيرُ عنايةً كبيرةً للبطل، وكانت تفتحُ المجالَ واسعاً للنشر عنه، وإجراء أحاديث ولقاءات معه، وبخاصَّةٍ إذا عرفنا العلاقة التي كانت بين الرئيس جمال عبد الناصر وبين الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، وطلب الرئيس له أنْ يُساندَ ثورتَه!

وقبْل جمال عبد الناصر تدَخُّلُ الملكِ فاروق في قضية لجوء الأمير الخطابي، ومُوافقتُه على أن يحلَّ بأرض مصر لاجئاً سياسيّاً، وبطلا قوميّاً، وزعيما كبيراً من زعماء مقاومة الاستعمار في العالم. وكان محطَّ أنظار العالم، ولقد استرعى انتباه الساسة والقادة والثوار في القارات كافةً، ومنهم من كان يشيدُ به، ويضرب به المَثلَ في العبقرية العسكرية، والبطولة الثورية، والعظمة القياديَّة، بمن فيهم جنرالات وماريشالات أعداءٌ. بلْ كانت شخصياتٌ وازنةٌ مرموقةٌ تقطع إليه المسافات البعيدة، وتسعى إلى لقائه بتقديرٍ وإجلالٍ، وتشهدُ له بالرِّفْعة والسُّموِّ والإمارة والعظمة!

فهو ـ رحمه الله ـ «ليس زعيماً وليس بطلاً مغربيّاً فقط، بل هو بطل إسلاميٌّ» كما قال المناضلُ الكبيرُ شكيب أرسلان.

ونزيدُ شهادةً أخرى لمؤرخً فرنسيٍّ مشهور هو جاك بيرك، حتى نُبرْهِنَ على أنّه كان للأمير الخطابي إشعاعٌ واسعٌ في العالم، وكان لا يجهلُه الأجانبُ، فكيف يتجاهلُه أبناءُ ملَّتِه؟!... قال جاك بيرك: «إنَّ عبد الكريم ليس قائداً محلِّيّاً، بل هو سياسيٌّ من الدرجة الأولى وَسِعت أفكاره السياسية المحلية. بل تخطَّتْها إلى المستوى الدولي»

وكتب عنه الكاتبُ الإسبانيُّ المعروف خوان غويتسولو مقالاً، نشَرته له مجلة (آخر ساعة) المصرية... والمجلة نفْسُها كانت تجري معه حوارات أحياناً، ولاشكَّ أنَّ هذه الحوارات، وأحاديث أخرى، والمقالات عنه، كانت تحْظى بالمتابعة والقراءة والتعقيب...!

وإنني أعني أدباءً معلومين مشهورين جِدّاً، وأَخصُّ بالذكر: طه حسين وعباس محمود العقاد ومحمد حسن هيكل وإبراهيم عبد القادر المازني وتوفيق الحكيم وأحمد أمين وأحمد حسن الزيات... ومن الصحفيين الكبار محمد حسنين هيكل ومصطفى أمين وفتحي رضوان وأحمد بهاء الدين وأنيس منصور ورجاء النقاش... وكذلك إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي... وغيرهم كانوا يكتبون ـ كما قلتُ آنفاً ـ عن أَيِّ شيءٍ، ولا يفرّطون في الكتابة حتى عن أصوات البلابل والعنادل ومدافعِ إفطار رمضان!

ولطالما تساءلتُ عن السبب، أو الأسباب؛ فقد تكون الأسباب كثيرة ومتنوعة ترتبط بكل واحد منهم على حدة، أو تكون كلها مجتمعة بأَمْرٍ ما...!



تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح