المزيد من الأخبار






شَهَادة.. إلَى رُوح الطَّيب العَمْرانِي فِي يَوم تَأْبينِِه


شَهَادة.. إلَى رُوح الطَّيب العَمْرانِي فِي يَوم تَأْبينِِه
بقلـم: جمال الأطرش

مساء السبت الفاتح من نونبر، وأنا جالس في قاعة المركب الثقافي بالناظور مصوبا عيني لصورته الموضوعة على الحائط الخلفي لمنصة القاعة، انتابتني رغبة شديدة في البكاء فاستسلمت دون أدنى مقاومة، مسحت الدمعة التي نزلت على خدي، وسط صخب الكلمات التأبينية في حق الفقيد والتي ألقيت في حضرة أسرته الصغيرة ( زوجته، إبنيه) وأسرته. وسط هذا الجو الذي يبعث على ذرف الدموع على الفقيد أحيانا وعلى الاندفاع والحماسة أحايين أخرى، تساقطت على ذهني أسئلة كثيرة أسئلة من وحي اللحظة، من قبيل لو لم يكن كما كان، هل كانت ستقام له تلك الجنازة بذلك الحجم من الحضور الكمي والنوعي؟ هل كانت ستؤسس لجنة من الهيئات التقدمية والديمقراطية للتنظيم حفل تأبيني للشخص بهذه الاحتفائية التي لا يمكن أن تقام إلا للأشخاص من أمثاله، مات قبله وسيموت بعده مناضلين سياسيين ونقابيين وحقوقيين، محامون... لكن لم يحضوا بهذا التكريم وبهذا الكم من المشاعر الصادقة التي يحملها الحاضرين وسط القاعة وخارجها لهذا الرجل ؟؟ كان مناضلا وفيا لمبادئه وقناعاته، وما تسجيل موقف مقاطعة الانتخابات التشريعية من قبل المجلس الإقليمي لحزب المؤتمر الاتحادي ضدا على التوجه المركزي لرفاق ورفيقات عبد السلام العزيز إلا انسجام وهذه القناعة، وما انخراطه إلى جانب رفاقه في إيجاد مجلس للدعم حركة 20 فبراير على مستوى إقليم الناظور وذلك منذ لحظة ولادة الحركة التي حملت أمل الشعب المغربي في التحرر والانعتاق من الخوف الذي استوطن النفوس للعقود طويلة من الزمن والنضال من أجل واقع أفضل، واقع فيه الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، إلا ترسيخا وتجسيدا لهذه المبادئ، حيث كنا على موعد معه في ساحات وشوارع الناظور والعروي بشكل أسبوعي للدفاع عن قيم ومبادئ وقناعات نبيلة صادحين بشعارات ضد الفساد والاستبداد، وكان دائما ما تجده في الصفوف الأمامية. كان بالنسبة لنا ـ مناضلين في حركة 20 فبراير ـ مصدر قوة وعنفوان وباعث على الشجاعة والصمود والمقاومة والتحدي ومصدر أمن وأمان... إيمانه بحقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها جعله مدافعا مستميتا عن هذه الحقوق من خلال نضاله المستمر والمتواصل من اجل مغرب يُحترم فيه الإنسان وتُضمن فيه كافة حقوق المواطن، حيث كان من خلال مهنته كمحامي للجمعية المغربية أمام المحاكم متصدرا لهيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، ومؤازرا لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.

لقد عاش الراحل على قناعات فكرية يسارية مليئة بالأحاسيس الإنسانية الجميلة طابعها الأساس، نبل الأخلاق، الإحساس بالضعفاء والانحياز لقضاياهم وهمومهم وانشغالاتهم، التواضع، الاقتراب من الناس، نكران الذات، البذل والعطاء، بذل الجهد والوقت والمال لأجل القضية والمبدأ.

بوفاة الطيب العمراني يكون العمل الحقوقي والسياسي والثقافي ومهنة المحاماة بإقليم الناظور قد خسروا رجلا لا يجود الزمن كل مرة بأمثاله.
فنم قرير العين يا رفيق ولترقد روحك بسلام، لقد قلت كلمتك ومضيت ونحن على العهد باقون ولنفس الطريق سالكون وإلى نفس الأهداف والغايات النبيلة ماضون مُتحِدِينْ ومُتَحَدِينْ كل من يقف في طريقنا نحو التحرر والانعتاق.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح