المزيد من الأخبار






الناظور.. مؤهلات واعدة وحاجة ملحة لإستراتيجية اقتصادية جديدة


الناظور.. مؤهلات واعدة وحاجة ملحة لإستراتيجية اقتصادية جديدة
ناظورسيتي: م. السعيدي

يعتبر إقليم الناظور، على غرار الأقاليم الأخرى لمنطقة الريف، من المناطق التي عانت كثيرا من سياسة التهميش والعزلة طيلة العقود الماضية. وهو ما زاد من تأزم الوضعية الاقتصادية والاجتماعية التي سادت خلال هذه الفترات، قبل أن تدرك الدولة أن التهميش والإقصاء الذي عانته المنطقة طيلة العقود الماضية كان سياسة فاشلة أضرت كثيراً بفرص التنمية والتأهيل المواتية.

اقتصاد هشّ

كانت العوائق والخصائص التي طبعت الحالة الاقتصادية والاجتماعية للناظور مصدر الصعوبات البنيوية التي عمقت من معاناة ساكنة المنطقة. وبالنظر لطبيعة الحالة العامة التي خرجت منها هذه الحاضرة من المرحلة الاستعمارية، واعتبارا لكون الشمال عموما من أكثر المناطق التي تعاني من قساوة الظروف الطبيعية، ومن أكثر الجهات أيضا التي تعرف كثافة وحجما سكانيا مهما، وفي ظل غياب موارد وأنشطة اقتصادية، وكذا في ظل حالة الضعف وقلة النشاط والرواج التجاري والخدماتي، فقد ظلت الدولة المغربية في منأى عن هذا الوضع المزري ولم تعمل على اتخاذ التدابير اللازمة لتجاوز هذه الوضعية وتأهيل المنطقة عبر استثمار مواردها الطبيعية ومؤهلاتها البشرية والتي شكلت عنصر مؤهلات واعدة دون أن يقابلها استثمار وترشيد معقلن.

اقتصاد غير مهيكل

مع بداية الستينات من القرن الماضي، خاصة مند بداية تهجير أو هجرة أبناء المنطقة في اتجاه بلدان أوربا الغربية، سيرتبط الاقتصاد المحلي بعائدات المهاجرين المغاربة بأوربا كمتنفس جديد وبمثابة الحل المناسب للخروج من الحالة السابقة. كما كان القطاع التجاري المرتبط بظاهرة الاقتصاد المعاشي(التهريب المعاشي)، في ظل غياب لاقتصاد مهيكل، من الموارد الأساسية والأنشطة الاقتصادية السائدة التي اعتمدت عنها المنطقة، خاصة وان إقليم الناظور يرتبط بنقط حدودية ومعابر مع مدينة مليلية.

وعلاوة على ضعف القطاع الفلاحي، لاسيما أمام غياب تدابير وإجراءات إصلاح الأراضي ومساعدة الساكنة على التغلب على الظروف الطبيعية وتطوير هدا القطاع بتجاوز معيقاته، فان حال القطاع الصناعي لم يكن أحسن من حال وواقع القطاع الفلاحي وكان حضور قاعدة صناعية بالإقليم شبه مغيب، ماعدا بعض المعامل التي كانت موجودة بالناظور، كمعمل الصلب والحديد(صوناصيد) وسوكرفور(زايو) وبعض المعامل الصغيرة المتواجدة بمنطقة سلوان.

وعلى مر العقود الماضية بقيت الوضعية الاقتصادية والاجتماعية على حالتها في غياب لرافد اقتصادي مهم يرتبط أساسا بقطاع الاستثمارات أو القطاعات الاستراتيجية والمهيكلة التي كان من المفترض أن تلعب دورا حيويا في الحياة التنموية بالناظور. ومن العوامل التي جعلت الاستثمار جد محدود، طبيعة الوضعية التي كانت لا تساعد على جلب هذه الاستثمارات، بحكم غياب أبسط مظاهر بنية تحتية مقبولة. علاوة على الدور الذي لعبه المركز في توجيه هذه الاستثمارات نحو مناطق أخرى من المغرب النافع.

كل هذه الأسباب ستجعل من الناظور مأوى أنشطة الاقتصاد غير المهيكل والفوضوي وازدهار ما يسميه الباحث عبد الله البارودي ب"الثالوث الجهنمي":(التهريب،المخدرات والهجرة)، وهو ما فرض غياب شبه تام لفرص الشغل والتنمية الواعدة والإقلاع الاقتصادي وتجاوز حالة التأخر والعزلة، إسوة بمناطق أخرى، كمناطق "المثلث الذهبي" مثلا، خاصة أمام المؤهلات الطبيعية والبشرية التي يتوفر عليها الإقليم(ثروة بحرية وغابوية ومعدنية وسياحية...).

وإذا كان هذا هو الواقع الذي ميز عموما السنوات الماضية، فانه خلال السنوات الأخيرة ستعرف المنطقة بعض الاهتمام الذي يرمي إلى التأهيل والتنمية عبر خلق مشاريع وفتح أوراش عديدة جعلت المنطقة تحظى ولو بنصيب قليل من المشاريع والمنجزات.

تنمية منتظرة

رغم ما شهدته الفترة الأخيرة من مظاهر التحول الاقتصادي ومخططات التنمية التي جاءت في سياق ايلاء أهمية معينة لأقاليم الشمال بصفة عامة، فإن الناظور، الذي شهد بدوره انطلاق العديد من المشاريع، مازالت وضعية التنمية الاقتصادية فيه متراوحة بين زمنين. زمن أبرز خصائصه تتمثل في طبيعة تطور مؤشرات وعناصر البنية الاقتصادية بمختلف مستوياتها. فعلى سبيل المثال، فالقطاع المنجمي عرف تدهورا كبيرا خاصة بعد إغلاق منجم الحديد بأوكسان وتراجع الموارد الطبيعية والمعدنية التي شكلت في الماضي موردا أساسيا لعيش الساكنة. كما أن قطاع الاستثمار مازال محدودا بالنظر لجملة من المشاكل التي ترتبط بهذا المجال والعراقيل التي تحد من دور وحضور قطاع الاستثمار سواء من طرف أبناء المنطقة أو من طرف المستثمرين الأجانب.

ومن جهة ثانية، فالقطاع الفلاحي، وإن كان قد شهد بعض التطور خاصة على صعيد بعض السهول الفلاحية، مثل سهل بوعرك، صبرا...، فبدوره عرف عدة صعوبات وعوائق جعلت منه يعرف حضورا ضعيفا لاسيما ما يتعلق بتراجع عدد الساكنة النشيطة التي تشتغل ضمن القطاع الأول وتراجع مساحة الأراضي الفلاحية لاسيما بالمناطق التي تعاني ظروف طبيعية صعبة. ولعل ما يزكي هذا الواقع هو نزيف الهجرة الذي تعرضت له البوادي والقرى خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يعني ضمنيا التعاطي لنشاط اقتصادي أخر غير النشاط الفلاحي.

أما عائدات أبناء الناظور من المقيمين بالخارج، ورغم تأثرها بأزمة النظام الاقتصادي والمالي العالمي والتحولات التي عرفها هذا الأخير على مستوى دول الاتحاد الأوربي في ظل الأزمة المالية والاقتصادية في بعض البلدان، فإنها تظل تشكل موردا ماليا مهما رغم أنها لم تستثمر بشكل قوي وسوي وبصورة كان من الممكن أن تكون لها نتائج ايجابية على الواقع الاقتصادي والاجتماعي.

ومن القطاعات الأخرى التي لم تساهم بعد في دينامية التنمية المحلية، قطاع السياحة الذي كان من المفروض أيضا أن يكون عنصرا أساسيا في محور الدائرة الاقتصادية، بالنظر لمجموع المؤهلات السياحية والمتنوعة- الغنية التي يزخر بها إقليم الناظور عبر مختلف المواقع:(شواطئ، جبال، غابات، مواقع أثرية وايكولوجية...). ورغم بعض المشاريع المنجزة أو التي هي بصدد الإنجاز في هذا المجال، فانه أصبح من الضروري تأهيل هذا القطاع ليلعب دوره المتكامل على مستوى خلق فرص تنمية هذه المنطقة الجغرافية التي تحتل موقعا مهما واستراتيجيا. ويبقى مشروع"مارتشيكا ميد" من أبرز المشاريع السياحية التي يعرفها الناظور. أما النشاط التجاري فرغم كونه يعد محرك عجلة التنمية الاقتصادية بالإقليم، فيظل بدوره مرتبطا بعدة صعوبات لاسيما وأنه مرتبط بحركية الاقتصاد المعاشي(التهريب) بحكم أن هذا الأخير هو أساس "الاقتصاد الحدودي"، الأمر الذي يحد من الرواج التجاري والخدماتي في ظل غياب قاعدة صناعية مهمة مادام أن هذه الأخيرة هي الحلقة المهمة في النشاط التجاري.

وعلى نحو القطاعات السابقة، يظل القطاع الصناعي بدوره يعاني من حضوره الضعيف بسبب العوائق التي يعانيها والمتمثلة أساسا في ضعف المنطقة الصناعية الموجودة وضعف التجهيزات والبنيات التحتية بها وكذا العوائق الإدارية والثقافية التي تواجه الاستثمار في المجال الصناعي في غياب شروط التحفيز وجلب الرساميل.

وتعد المنطقة الصناعية الواقعة بسلوان، والمتكونة من بعض المعامل والمقاولات الصناعية المتوسطة والصغرى، من أهم روافد الوضع الصناعي بالناظور، رغم انه كان من الممكن أن تكون هذه المنطقة الصناعية في حجم اكبر من الذي توجد عليه اليوم. أما قطاع الصيد البحري، فهو بدوره يعتبر من القطاعات التي يرتبط بها الاقتصاد المحلي ويمكن أن يراهم عليه لأن يلعب دورا مهما في دينامية التنمية الاقتصادية بالناظور الذي يتوفر على ميناء بني انصار كأهم الموانئ.علاوة على ميناء رأس الماء وميناء سيدي احساين...وترتبط أساسا بالصيد التقليدي، دون الحديث هنا عن المشروع الضخم المتمثل في ميناء الناظور غرب المتوسط والذي سيكون عنوان المشاريع الاسثمارية الكبرى بالريف الشرقي عموماً التي تبقى في حاجة لمنظور اقتصادي وتنموي جديد على غرار مناطق وأقاليم أخرى.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح