المزيد من الأخبار






!أيُّها "الشَّأن المحلّي".. عذرا لقد قَصّرنا في حقّك


!أيُّها "الشَّأن المحلّي".. عذرا لقد قَصّرنا في حقّك
سفيان أشن

لا أنكر أنَّني لو لَم أقرأ مقال الكاتب والمبدع الأمازيغي "محمد بوزكو" المُعنون ب"دموع للبيع" المنشور بموقع "ناضور سيتي" الإلكتروني ما كنت لأكتب هذا المقال. لقد حفَّزني وشجَّعني ما كتبه صاحب "جار أجار" و "إفري عونا" و "واف" في مقاله ذاك خاصة عندما أشار إلى واجب المثقف تجاه قضاياه المحلية وما يهم منطقته، حيث يجب النضال بما تيسر ولو بالقلم. ومن هنا قررت أن أعود إلى ما يخص منطقتي وقررت أن أكتب حول موضوع قديم/جديد المرتبط بترقي جماعة دار الكبداني إلى جماعة حضرية.

نَعُود لتحليل أسباب وخلفيات عدم ترقّي جماعة دار الكبداني إلى جماعة حضرية، حيث كانت هذه الجماعة مُدرجة في لائحة الجماعات المقترحة التي أعدَّتها عمالة إقليم الناضور سنة 2008، حيث وجَّه السيد "عبد الوافي لفتيت" مشروع قرار يقضي بترقي جماعة دار الكبداني إلى بلدية، وذلك ضمن مشروع جديد يرمي إلى إحداث أقاليم وجماعات محلية جديدة، وقد بعثه إلى المجلس الجماعي لدار الكبداني قصد إبداء الرأي فيه.

لكن ما وقع أنّ مكتب المجلس المُسيّر للجماعة استحوذ على المقترح وفرض عليه سرية تامة، ولم يتم مناقشته مناقشة تليق بحجم المشروع ولا تم إشراك المعارضة حتى تبدي موقفها فيه، وإن كان هي الأخرى كانت ستبدي موقف الرفض حفاظا على مصالحا، ولم يتم أيضا إعلام المجتمع المدني بالموضوع، الذي لم يكتشف الخبر إلا بعد أن اطلع عليه عبر الإعلام وتبين ترقية خمس جماعات قروية إلى جماعات حضرية هي سلوان ورأس الماء وبن الطيب والدريوش وميضار، كما تم حذف الجماعة القروية فرخانة بإقليم الناظور، وإحداث جماعتي امطالسة بإقليم الناظور، ادريوش حاليا. وأدرك، أي المجتمع المدني، أن جماعة درا الكبداني كانت ضمن الجماعات المقترحة ليشملها الترقي، لكن المقترح لم يتم المصادقة عليه من طرف المجلس الجماعي وتم تحويل المشروع إلى وجهة أخرى وربما إلى جماعة ابن الطيب التي لم تكن آنذاك معنية بالترقي.

وحصل أيضا وقتذاك أن المكتب المسير للمجلس الجماعي لدار الكبداني صادق على مشروع قرار يقضي بتحويل الجماعة القروية إلى بلدية، وما كادت الرسالة المُوقعة أن تصل إلى عامل إقليم الناضور حتى انتاب هؤلاء الأعضاء شعور بالندم، سرعان ما قاموا بتحركاتهم التي أدّت إلى سحب الرّسالة أو إخبار "عبد الوافي لفتيت" بشكل شفوي أن مكتب المجلس تراجع عن رسالته وأنه يرفض تحويل جماعتهم القروية إلى بلدية، وهو الطلب الذي وافق عليه السيد عبد الوافي لفتيت. وهناك سيناريو آخر يقول إنّ السيد العامل هو الذي أقبر المشروع، لو أن ما يزعمه أحد أعضاء المجلس آنذاك بأن المكتب المسير للجماعة أرسلوا بالفعل قرار المصادقة على المشروع بالموافقة كتابة إلى عامل الإقليم، إدعاء صحيح.

وحاول بعض أعضاء المجلس الجماعي لجماعة دار الكبداني تبرير سبب عدم مصادقتهم على مشروع تحويل الجماعة إلى بلدية. وقد أبدوا في إحدى دورات المجلس السابقة ما يلي لو تم تحويل جماعة دار الكبداني القروية إلى بلدية، فإن المتضرر الأول هو المواطن الكبدانيّ الذي سيتأثر كثيرا، إذ سيتم فرض ضرائب لم تكن من قبل؛ مثل الضريبة على البنايات والمحلات التجارية وحتى العقارات والأراضي الفلاحية.

لكن هذا المُبرّر لا يبدو موضوعي، طالما أنّ نفس المجلس قام بتحويل وضع الجماعة إلى وضع آخر وهو المركز المُحَدَّد الذي يعني بكل بساطة نظام أكثر من جماعة قروية وأقل من جماعة حضرية أي "البلدية"، لكن مع فارق أنّ في وضع المركز المحدد المواطن داخل نفوذ هذا النظام يؤدي بعض الضرائب كما لو أن الأمر يتعلق بوضع الجماعة الحضرية، لكن دون أن تكون للجماعة استفادة من تلك الضرائب حيث تذهب إلى خزينة الدولة، على عكس نظام البلدية حيث تستفيد الجماعة من نسبة معيُّنة من تلك الضرائب وتذهب النسبة الباقية إلى خزينة الدولة.

لا أعتبر هذا المبرر مقنعا بالنسبة لي، يبدو وراء رفض مقترح مشروع "البلدية" أسباب أخرى، لعلّ المنطق الانتخابي حاضر بقوة فيه حيث أن بعض أعضاء المجلس سَتُمَسُّ مصالحهم الانتخابية إن تم تحويل الجماعة القروية إلى جماعة حضرية، بحيث تقطيع الدوائر الانتخابية سيقع عليه تغيير جديد، ربما هؤلاء الأعضاء لن تبقى دوائرهم الانتخابية ضمن مجال نفوذ الجماعة الحضرية الجديدة، وقد يتم إلحاقهم بجماعة قروية أخرى. هذا دافع لكي يقوم المنتخبون المعنيون بتحركاتهم قصد رفض المقترح.

هذا وراج أن مُعظم فئة التُجّار ساندت هؤلاء المنتخبين الذين قاموا برفض المقترح، وكان في اعتقادهم في ذلك الوقت أنّ تحويل جماعة دار الكبداني إلى بلدية سيؤثر على مصالحهم الضريبية. لكن ذكاءهم خانهم آنذاك إذ لم يفطنوا أن مصلحتهم ستكون كبيرة لو أن الجماعة ارتقت إلى البلدية، إذ أن الرَّواج التّجاري سيزدادُ بفضل المنشآت الجديدة التي سيتم إنشاءها بالجماعة وبفضل الطرق التي ستُشقُّ نحو جهة الساحل، حيث عوض أن يقصد سكان "أمجاو" و"تزاغين" إلى الناضور أو الحسيمة فإنهم سيأتون إلى الكبداني بغية قضاء أغراضهم التجارية، لكن هذه الفكرة غابت عنهم كما لم يدركوا أن مشروع البلدية الذي اعتزمت الدولة منحه للجماعات الجديدة وقتذاك استثنائي، إذ أعطت الدولة لتلك البلديات الجديدة ميزانية كبيرة تُعدُّ بالمليارات. بذلك الموقف غير الشجاع تكون تلك الفئة فَوَّتت على نفسها فرصة من أجل تطوير مقاولاتهم ومشاريعهم التجارية ممَّا يساهم في نمو أرباحهم، فمزيد من الضرائب يعني مزيد من الأرباح، على الأقل لا شيء يدفعه هؤلاء التُجَّار من جيوبهم بل إن جيوبهم هي من ستستقبل.

ولن أنسى اليوم الذي قام فيه بعض أعضاء المكتب المحلي لأحد الأحزاب السياسية، على مستوى إقليم الناضور التي كانت مشاركة في تسيير المجلس الجماعي لدار الكبداني والذي وافق منتخبي هذا الحزب على قرار رفض مقترح مشروح البلدية، حيث عندما جاؤوا إلى الكبداني في إحدى الحملات الانتخابية لانتخاب أعضاء المجلس الجماعي الجديد طالبوا من الحاضرين أن يَضَعُوا ثقتهم في هؤلاء المنتخبين الذين يُقدمهم حزبهم، وأن هذا الأخير سيدافع من جديد على استرجاع مشروع البلدية، يا لمكر السياسيين ! ولعل المفكر المغربي الكبير محمد عابد الجابري صدق قوله حينما قال إن عدوّ السياسي هو المؤرخ، لهذا نُذكّر هؤلاء الأعضاء الذين استغلّوا هذه الورقة في حملتهم الإنتخابية، متى ستنفذون وعدكم ونحن نعلم أن حزبكم مشارك في الائتلاف الحكومي؟ !

إذا كان هذا هو "الحاصول" وبما أن المجتمع المدني لم يتم إشراكه وقتذاك لمناقشة هذا الموضوع ذي الأهمية الكبيرة، وحيث إنّ النّسيج الجمعوي لم يكن آنذاك مُتطورا بالمقارنة مع الوضع الذي يوجد عليه آنا، ربما آن الأوان ليتحركوا من جديد لتقديم عرائض إلى السلطة المعنية يُضَمّنُوها مقترح تحويل جماعة دار الكبداني من الوضع الحالي الذي هو المركز المحدد إلى وضع البلدية. ولعل الدستور المغربي الجديد يؤكد على دور المجتمع المدني وأهمية تقديم العرائض والملتمسات إلى القائمين على الشأن العام. اللهم إنّي قد بلغت اللهم فاشهد.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح