المزيد من الأخبار






هكذا رحلت الناظورية فاظمة الوذراري بصمت.. مُمرضة ثوّار الجزائر ومُسعفة مقاومي المغرب


هكذا رحلت الناظورية فاظمة الوذراري بصمت.. مُمرضة ثوّار الجزائر ومُسعفة مقاومي المغرب
محمد العبوسي

عن عمرٍ ناهز 105 سنوات، أُسدل السِّتار يوم الثامن من يوليوز الجاري، على مسيرة سيّدة استثنائية ظلّت عصيّةً على النسيان رغم محاولات التهميش والإغفال، إنها المُقاومة الريفيّة المغربية "فاظمة الوذراري"، سليلة بني انصار، التي سخَّرت حياتها لخدمة قضايا التحرُّر في المغرب والجزائر، حيث جسّدت صورة المرأة الريفيّة التي وضعت شجاعتها وإنسانيتها في خدمة النضال زمن الكفاح.

عاشت "فاظمة ن وذرار"، في منزل الشهيد محند الخضير الحموتي المُشتهر بلقبه "المقاوم الإفريقي"، المنزل الذي تحوّل خلال أواسط القرن الماضي إلى محطةٍ آمنة للمجاهدين المغاربة والثوّار الجزائريين، ومقصدٍ لكل من أنهكته المعارك أو جرحته رصاصات المستعمر، إذ لم تكن فاظمة مجرد شاهدة على التاريخ، بل كانت صانعة له بطريقتها، بحيث أدَّت دور المُمرضة والمُسعفة والأخت الحنونة، تعالج الجرحى وتعتني بالمصابين والمعطوبين، وتواسي آلامهم في صمتٍ وتفانٍ.


بفضل خبرتها الواسعة في التمريض والإسعافات الأولية، التي اكتسبتها بحكم قرب دار البطل الحموتي من مليلية المحتلة، صارت فاظمة ملاذًا موثوقًا للثوار؛ عالجت زعماء جيش التحرير المغربي وقادة الثورة الجزائرية، من بينهم على سبيل العد عباس المسعدي وعبد الله الصنهاجي، وكان بيت الحموتي فضاءً تلتقي فيه السّرّية العسكرية بروح التضامن الإنساني.

لكن أكثر ما خلَّد اسم فاظمة الوذراري، هو رعايتها للرئيس الجزائري الراحل محمد بوضياف، فعندما ألمّ به مرض عضال سنة 1955، وجد يدها الرحيمة قبل أيّ طبيب، وتكفلت بمتابعة علاجه حقنةً تلو الأخرى، وسهرت على دوائه وطعامه وشؤون حياته اليومية على مدى سنوات، حتى شُفي تمامًا؛ وقد ظلّت هذه العلاقة الإنسانية راسخة في وجدان بوضياف، الذي عبّر عن عميق تأثره بغيابها حين استقبل عائلة الحموتي في قصر المرادية عام 1992، بدعوةٍ منه بعد توليه مباشرةً منصب رئاسة الجزائر، حيث صرّح بأسفٍ صادق عدم تمكّنه من لقائها مجددًا ليردّ جميلها، يقول الخضير الحموتي نجل الشهيد في تصريحٍ سابق.

ومع رحيلها، طفت إلى السّطح مرارة التهميش الذي لازمها حيّةً وميّتة، إذ عبّر الأستاذ اليزيد الدريوش، الباحث في تاريخ الرّيف، عن حزنه لكون فاظمة الوذراري، بقيت مُقاوِمة مغمورة، لم ينل نضالها نصيبه من التوثيق الإعلامي ولا التكريم الرمزي الذي يليق بها تاريخيا، رغم أنها كانت "مُمرضة الثورة الجزائرية ومُسعفة المقاومة المغربية" وواحدة من أعمدة التضامن الشعبي والإنساني في زمن الرصاص والكفاح المسلح.

لقد غابت جسدًا، لكن أثرها باقٍ، وشهادتها على زمن المقاومة، تظل درسًا بليغًا في معاني التضحية الخالصة؛ إنها فاظمة الوذراري، امرأة جسدت بروحها الصافية وبذلها الصامت، وجهاً آخرَ من وجوه المقاومة والحرية.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح