المزيد من الأخبار






من تاریخ البحر في المغرب قبل ملایین السنین ... قبل مضیق جبل طارق ... كان مضیق تازة


من تاریخ البحر في المغرب قبل ملایین السنین ... قبل مضیق جبل طارق ... كان مضیق تازة
إعداد: ذ. عبد السلام انویكًة

بحكم تدرج علو تضاریسھ وتوزع شبكتھ الھیدرولوجیة كمجال، جعل ممر تازة الشھیر في وسط
المغرب من وادي ایناون بمثابة قاعدة لتجمیع المیاه. وھذه الأعالي مورفولوجیاً تصل مقدمة جبال الریف
شمالا بجبال الأطلس المتوسط جنوباً، وأطراف سھوب ملویة شرقاً بأسافل وادي ایناون غرباً. وھي
موقعاً وموضعاً نقطة وصل بین عدة مكونات طبیعیة، وبمثابة امتداد بیئي متباین بین مجال شبھ جاف
حیث ملویة الوسطى شرقاً، وآخر رطباً من الجھة الغربیة بتأثیر على عدة مستویات. مع ما یسجل حول
خاصیة التشكیل البنیوي للمنطقة والذي سمح بممرٍ استراتیجي ظل تاریخیاً بغیر بدیل، سواء في تجارب
الكیانات السیاسیة المغربیة منذ العصر الوسیط، من أجل التوسع وإحكام السیطرة على البلاد، أو في ما
ارتبط بسلسلة ھجرات وتدافعات وأطماع أجنبیة على فترات، مثل ما حصل مع فرنسا خلال النصف
تاریخي ولیس مدرسي ضیق. الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرین انطلاقا من الجزائر، بفھم وتحقیب منھجي وقائعي
وتازة ھذا الممر والامتداد جیولوجیاً تنتمي لمجال نشأ خلال الزمن الجیولوجي الثاني، اجتاحتھ بحار
وترسبت فوقھ طبقات سمیكة. عملت الحركات التكتونیة على رفع بنیاتھ وتشكیل تموجات وأجراف بھ، ما
سمح ببروز قاعدة زمن جیولوجي أول بشكل واضح في بعض أطراف جبال الأطلس، كما ھو الحال في
منطقة تازكة قرب تازة على الضفة الیسرى لوادي ایناون. وبحكم موقعھا تنتمي تازة وممرھا لبنیتین
جیولوجیتین، جزء تابع لكتلة الأطلس المتوسط جنوباً وھو الأھم من حیث ارتفاعھ وموارد میاھھ وغطاءه
النباتي. تكوینھ الجیولوجي قدیم وبنیتھ بركانیة وشیستیة نشأت خلال الزمن الأول، مكونة قاعدة
جیولوجیة للمنطقة. وذلك بصخور تعلوھا رواسب من سجیل وكلس، تعود في نشأتھا للزمن الجیولوجي
الثاني مُحدثة معظم النتوءات الظاھرة (جبال). أما تلال مقدمة جبال الریف شمالا كجزء ثان من بنیة ممر
تازة، فھي تتكون من رواسب سجیلیة تراكمت خلال الزمن الجیولوجي الثالث. وعلیھ، فبمجال قبیلة
البرانس بالمنطقة شمالا ھناك مقاطع غنیة بمادة الملح، التي لا تزال تستغل لِما ھي علیھ من جودة مقارنة
مع ما ھو موجود بجھات أخرى من البلاد. ومجال تازة ھو بمثابة وعاء شبھ دائري منفتح على ممر
بالوسط، تتوزع بھ إلى جانب وادي ایناون مجاري مائیة تنحدر من الجبال والتلال مُشكلة مجالا فاصلا
بین حوض ملویة شرقاً وحوض سبو غرباً. وتزید تركیبة تضاریس المنطقة التي یغلب علیھا طابع
المنخفض(تازة) عبر التاریخ ممراً استراتیجیاً بین شرق البلاد وغربھا. التقطعات والتدرجات، من صعوبة مسالك الاتصال والعبور خاصة من جھة الجنوب. وعلیھ، شكل ھذا
وتعود بدایة العنایة بالمعطى الطبیعي للمغرب عموماً الى مطلع القرن العشرین، عندما وضع
"ھنري باریر" خریطة للمغرب بمقیاس واحد على ملیون سنتیم. الوثیقة التي انبنت على جھد جغرافي
كبیر ومعطیات علمیة ھامة، سمحت بتكوین فكرة حول بنیة البلاد التضاریسیة عموماً. وكان "لویس
جنتیل" الباحث الجیولوجي الفرنسي الذي دعم سیاسة ما عُرف بالتھدئة عند لیوطي، قد أورد في تقریر لھ
وصفاً دقیقاً للمنخفض الذي یفصل بین جبال الریف والأطلس المتوسط ككتلتین جبلیتین یتوسطھما ممر
تازة. مشیراً إلى أن المنطقة كانت مجالا بحریاً یصل البحر الابیض المتوسط بالمحیط الأطلسي، قبل
انفتاح مضیق جبل طارق الحالي. وھذا الامتداد البحري في الماضي الجیولوجي للمغرب، كان یغطي
جزءًا من حوض ملویة وتازة وفاس والغرب، وھذا الارتباط البحري ھو ما أطلَقَ علیھ إسم "مضیق
جنوب الریف"(مضیق تازة). وقد أبانت الدراسات العلمیة الاستكشافیة الأجنبیة الجیولوجیة حول المغرب
خلال السنوات الأولى للحمایة الفرنسیة على المغرب، عن علامات طبیعیة تخص ھذا الاتصال الذي كان
قائماً بین البحر الابیض المتوسط والمحیط الأطلسي عبر ما یُعرف حالیاً بممر تازة، حیث النقطة الأكثر
انخفاضاً فیما عُرف في جیولوجیا المغرب بمضیق جنوب الریف(مضیق تازة). وممر تازة الذي یتوسط
مرتفعات وادي ایناون یقطع ھذا الأخدود أین تتراكب مقدمة جبال الریف والأطلس المتوسط،
بمورفولوجیة متباینة ناتجة عن تنوع البنیة الصخریة وتوالي الحركات التكتونیة، التي أصابت جبال
الأطلس المتوسط بخلاف ما حدث في جبال الریف. وقد كان وادي ایناون عنصراً دینامیاً ھاماً في عملیة
البناء، ورسم أشكال المنطقة منذ عصر البلیوسین الأسفل. كما تؤكد ذلك الدراسة المورفولوجیة القَیِّمَة
حول ممر تازة التي انجزھا د. بوشتى الفلاح الباحث في جیولوجیا المغرب والاستاذ بالمعھد العلمي
بجامعة محمد الخامس بالرباط،
وقد اعتبرت الدراسات الأجنبیة أن المغرب مجال مكون من جزئین متباینین، الأول یوجد جنوب خط
فاصل یمر عبر ممر تازة وكان مرتبطاً بالقارة الإفریقیة، أما الثاني فیوجد شمالھ وھو سلسلة جبال الریف
التي كانت متصلة بشبھ جزیرة ایبیریا، ھذا بشكل معزول عن افریقیا عبر مجال بحري Mer de Bras ،
كان یجمع بین البحر الابیض الأبیض المتوسط والمحیط الأطلسي. وأن حوض استقبال المیاه بممر
الجیولوجي الثالث یتسع كلما اتجھنا غربا مُشَكلا ما یُعرف بسھل الغرب بالمغرب. تازة الذي كان امتداداً بحریاً(مضیقاً) قبل مضیق جبل طارق الحالي، ھو مجال مغمور برواسب الزمن
ویظھر على بعد حوالي 15 كلم غرب تازة مرتفع منتظم الامتداد باتجاه جنوب شمال. أین تلتقي جبال
الأطلس المتوسط بمقدمة جبال الریف، مرتفع على شكل حاجز طبیعي یتوسط ھذا الممر بھ خانق عمیق
نتج عن عملیتي نحت وحفر بواسطة میاه وادي ایناون. مرتفع وممر معاً بأجراف شبھ قائمة وعمق
حوالي أربعمائة وخمسین متراً، شبیھ بأجراف أخرى نجدھا موزعة على روافد وادي ایناون، خاصة
المنحدرة من مرتفعات مجاورة لمنطقة تازكة. ومرتفع ما یُعرف ب"اطواھر" من الناحیة الجیولوجیة ھو
یعود إلى الزمن الجیولوجي الثالث، أما الخانق الذي یجري فیھ وادي ایناون فیوجد في منطقة شستیة. بمثابة نقطة إلتقاء بین تكوینین طبیعیین، الأول یعود إلى الزمن الجیولوجي الثاني"الجوراسي" والثاني
وانطلاقاً من تازة باتجاه الغرب یرتبط ھذا الوادي ببنیة جیولوجیة متباینة، بحیث نجد تكوینات صخریة
كلسیة جوراسیة ھي جزء من الأطلس المتوسط على ضفتھ الجنوبیة. أما شمالاً فھناك طبقات صلصالیة
ممتدة تعود للزمن الجیولوجي الثالث، نتجت بسبب عملیات تكتونیة تشكلت على إثرھا تلال بمسالك
وعرة.
وإذا كان التكوین الجوراسي وصخور الشیست والكًرانیت ھو ما یمیز مجال تازة في جزئھ الجنوبي،
فبشمالھ تظھر امتدادات صلصالیة واسعة. وحول ممر تازة (مضیق تازة..) من خلال الاھتمامات
الاستعماریة الفرنسیة بالمغرب مع مطلع القرن العشرین، تمت الإشارة لارتباط بین حوضي ملویة وسبو
عبر ھذا المقطع الطبیعي الذي یتمیز بقیمة مجالیة واستراتیجیة. ویظھر الزمن الجیولوجي الرابع بمجال
تازة من خلال تكوینات متباینة، حسب وضع التضاریس والانحدارات والأساس الجیولوجي وتركیبة
جریان مائي ونقطة إلتقاء لرواسب من واجھتین متقابلتین، یعكس تطوراً جیولوجیاً للمنطقة. الصخور إضافة لنوعیة الحركات التكتونیة وشبكة الھیدرولوجیا. ووَادِي ایناون الذي یُعد قاعدة تجمع
ویُعد فج "زحازحا" على بعد حوالي خمسة عشرة كلم شرق تازة، نقطة عبور أساسیة إلى ھذا الممر
(مضیق تازة). وخطاً لتفریق المیاه بین حوض ملویة باتجاه الأبیض المتوسط، وحوض سبو عبر ایناون
باتجاه المحیط الأطلسي. بحیث یمكن الوقوف على تباین مجالي یجعل من ھذه الأعالي (تازة)، امتداداً
غرباً. لتلاقي جیولوجي ومناخي بین نقطتین جبلیتین، فج زحازحا شرقاً بعلو 547م، وفج اطواھر بعلو 556م
وممر تازة (ضمن مضیق تازة في سیاقھ وبناءه الجیولوجي) الذي یتوسط مرتفعات وادي ایناون ھو
بطول حوالي 40 كلم من الشرق إلى الغرب وعرض یصل لحوالي 10 كلم. على مستوى مجالھ الجنوبي
ھناك مرتفعات جبال الأطلس التي تستوطنھا قبیلة غیاتة، وبشمالھ توجد منحدرات تلال مقدمة الریف
حیث قبیلة البرانس واتسول. وبسبب العملیات التكتونیة تظھر رواسب بتكوینِ حدیثِ ناتجة عن تعریة
قدیمة، بجزء ضیق من ھذا المجال الذي كان یُعرف بمضیق جنوب الریف(مضیق تازة)، حیث كثرة
الرواسب المغطاة بالفرشات المائیة. مع أھمیة الإشارة إلى أن ممر تازة ھذا ھو مجال طبیعي فاصل بین
مشھدین ایكولوجیین، الأول ذو خاصیة متوسطیة من جھة الغرب والثاني جاف لھ علاقة بھضاب
المغرب العلیا شرقاً. وجیولوجیاً تعود الرواسب الطینیة السابقة الذكر من حیث تكوینھا لعصر المیوسین،
متى كان یلتقي المحیط الأطلسي بالبحر الأبیض المتوسط على مستوى ممر تازة(المضیق). الأكثر
ارتباطاً بالجزء الغربي من المغرب حیث الرطوبة والانفتاح على المحیط الأطلسي، بدلیل اتجاه جریان
المیاه ومعدل التساقطات المطریة الھام. ووادي ایناون الذي یجري في ھذه البنیة، یرسم حول الجبل الذي
تحیط بھ مرتفعات اطواھر منعرجات عمیقة تبلغ 50 متراً على امتداد حوالي 5 كلم تقریباً. ومن حیث
تحدیدھا الجغرافي توجد تازة(الممر) بین خط طول أربعة درجة فاصلة عشرة، وأربعة درجة فاصلة
شمالھ. ثلاثین غرب خط اكًرینتش، وبین خط عرض أربعة وثلاثین درجة وأربعة وثلاثین فاصلة خمسة عشرة
وھذا الممر الشھیر في المجال المغربي بتازة وضمن ھذه المرتفعات التي یتوسطھا، یشكل حداً فاصلا
بین بنیتین مورفولوجیتین، شمالا ھناك مقدمة جبال الریف وجنوباً ھناك جبل تازكة ومعھ الأطلس
المتوسط الشمالي الشرقي. أما جیولوجیاً فیمكن تسجیل ملاحظتین أساسیتین تخصان ھذا الممر وفق ما
یؤكده الباحثون المتخصصون في ھذا المجال، أولا ما یلاحظ حول بنیة الطبقات الجیولوجیة تحدیداً الجزء
المرتبط بجبال الأطلس المتوسط، حیث یظھر غیاب جیولوجي بین عصر الجوراسي الأوسط وعصر
المیوسین. وثانیاً ما یھم مقدمة جبال الریف شمالا كبنیة رسوبیة تبدأ من الزمن الجیولوجي الأول إلى غایة
الثاني. وقد ظلت ھذه المرتفعات بأھمیة استراتیجیة كبرى منذ القدم، بحیث لم یتم اختراقھا إلا عبر
منخفض ضیق یجري فیھ وادي ایناون أین تازة، كوعاء لعدة مجاري قادمة من الجبال شمالا وجنوباً
وشرقاً. وبقدر قیمة ھذه المرتفعات (تازة) من الوجھة الطبیعیة والاستراتیجیة، بقدر ما كانت عبر التاریخ
ممراً بریاً مثیراً جاذباً لا بدیل عنھ.
ذ. عبد السلام انویكًة



تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح