المزيد من الأخبار






مسيرة الرباط أو عندما تتحول المرأة إلى سلعة سياسية


مسيرة الرباط أو عندما تتحول المرأة إلى سلعة سياسية
محمد أشهبار / بروكسيل

ليس بالضرورة أن يتخذ، الاتجار في البشر، شكلا مباشرا كالشكل الذي كان يباع ويشترى فيه العبيد في سوق النخاسة، لكن الإتجار يمكن أن يتخذ أشكالا مختلفة باختلاف الظروف والزمان والمكان، بمعنى أنه يمكن أن يتخذ بعدا سياسيا، إجتماعيا... لكن مهما اختلف الشكل والزمان والمكان، فالهدف منه ـ أي الإتجار ـ هو التحكم في الإنسان وترويضه على الخضوع والخنوع، وجرده من قيمته الإنسانية وتحويله إلى شيء وبضاعة، قيمته تتحدد حسب العرض والطلب في السوق "السياسية" .

أن تتحول المرأة إلى سلعة جنسية للاستهلاك عبر توظيفها في الإشهار... من طرف الشركات الرأسمالية كقيمة جنسية للإثارة، مسألة مألوفة، لكن أن تتحول إلى سلعة " سياسية " فهذا من إبداع مسيرة الرباط. من حيث الجوهر لا يبدو أن هناك فرق بين من يتاجر في النساء في شبكة الدعارة، ومن يتاجر في النساء سياسيا، كلاهما يتخذ من المرآة كجسر للوصول إلى أهدافه الدنيئة، فالأول يجعل من جسد المرآة سلعة يروج لها بأسلوبه في سوق الدعارة، والثاني يجعل من معاناتها ومآسيها وأحيانا جهل البعض منهن بقواعد السياسة، سلعة لتصفية حسابات سياسية وتعزيز مكانته في المشهد السياسي، ففي كلتا الحالتين يبقى خباثة الضمير هو القاسم المشترك. ربما لم يكن يخطرعلى بال المناضلة كلارازيتكن التي تقدمت بمقترح في مؤتمر النساء الاشتراكيات 1910 لجعل 8 مارس يوم عالمي للاحتفال وتخليد ذكرى النساء اللواتي أُسْتُشهدن دفاعا عن كرامة العاملات، أن يحوله البعض كيوم لاستغلال النساء وإهانتهن الرمزية في عيدهن الأممي ضدا على الدلالة التاريخية والرمزية لهذا اليوم. تفاديا لأي لبس أو سوء فهم قصدنا الذي لا نزايد فيه على الحدث الحقوقي لمسيرة الرباط التي كانت ناجحة بامتياز رغم اختراقها ببعض الشوائب التي عكرت صفوها ،فعندما أتحدث عن إستغلال النساء فأنا لا أقصد إستغلال الرجل فقط بل أقصد تعرضهن للإستغلال من طرف عديمي الضمير والإنتهازيين والوصوليين من الرجال والنساء معا، فمثلا عندما يتم تخصيص حافلات لنقل النساء من الحسيمة إلى الرباط للمشاركة في مسيرة أغلبهن لا يعرفن دلالة هذا اليوم، خاصة وأنا على علم أن هذا الدعم الوجيستيكي يتم توفيره من طرف أعداء الديمقراطية، من طرف من كان بالأمس يستغل مآسي النساء أثناء زلزال الحسيمة، من طرف من كانوا مسؤولين عن جرائم اغتصاب نساء الريف، من طرف من كانت بالأمس سارقة لقاحات الأطفال، من كانت لا تبالي بالنساء اللواتي كُن يلدن في الشوارع وبهو المستشفيات... لكن في المقابل نجد من يناضل من أجل التعريف بحقوق النساء وتحسيسهن وتنظيمهن نقابيا...نجدها وراء القضبان كوفاء شرف التي تشكل نموذج مناضلة ظلت لصيقة بمعاناة العاملات والكادحين...في الختام أريد التذكير أو التأكيد أن الفعل السياسي مبني على الحرية والاختيار الحر والقناعة، والمقارعة السياسية لا تكون عن طريق شحن النساء في الحافلات لضخها كأرقام في مسيرة الرباط للتألق على مشهدهن المصطنع ، أو كما تقول الفيلسوفة آرنت " ليكون الفعل السياسي حرا يجب أن يكون حرا من كل غاية وهدف، و يجب أن يتعالى عليهما " .


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح