المزيد من الأخبار






لماذا امتنعت باكستان عن التصويت في مجلس الأمن حول الصحراء المغربية؟


لماذا امتنعت باكستان عن التصويت في مجلس الأمن حول الصحراء المغربية؟
ناظورسيتي: متابعة

في تصويت مجلس الأمن الأخير الذي صادق على القرار الداعم لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، استأثرت مواقف الدول باهتمام واسع، خصوصا مع احتفاء المغرب وحلفائه بما اعتبروه اختراقا دبلوماسيا جديدا. غير أن امتناع بعض الدول الصديقة عن التصويت شكّل مفاجأة لعدد من المراقبين، وعلى رأسها باكستان، التي فضّلت اتخاذ موقف الحياد رغم ما يجمعها بالمغرب من علاقات تاريخية وطيدة.

فمنذ استقلال المغرب، دأبت إسلام آباد على دعم الرباط في المحافل الدولية، سواء داخل منظمة التعاون الإسلامي أو حركة عدم الانحياز أو الأمم المتحدة. لكن السياسة الخارجية، كما يقول الخبراء، ليست ترجمة مباشرة لعلاقات الصداقة، بل تحكمها مبادئ القانون الدولي وتوازنات المصالح. وبذلك اختارت باكستان الامتناع عن التصويت، في قرار وصفه محللون بأنه مزيج من الحذر الدبلوماسي والحسابات الاستراتيجية.

ورغم تأكيد القرار الأممي على وجاهة مبادرة الحكم الذاتي المغربية واعتبارها “الحل الأكثر جدية وواقعية”، فإن غياب أي إشارة إلى خيار الاستفتاء على تقرير المصير جعل الموقف معقدا بالنسبة لإسلام آباد، التي تخشى أن ينعكس تأييدها لهذا الطرح على موقفها من قضية كشمير. فالدفاع عن حق تقرير المصير هو أحد أعمدة الدبلوماسية الباكستانية، وأي دعم لنموذج يقوم على السيادة قد يُستغل من قبل الهند في النزاع الكشميري لتقويض حجج باكستان أمام المنتظم الدولي.


لذلك جاء الامتناع كحلّ وسط بين المبدإ والمصلحة. فإسلام آباد لم ترغب في التصويت ضد المغرب ولا في تبني موقف يضعها في مواجهة مبدئها التاريخي، لكنها سعت إلى الحفاظ على اتساق مواقفها دون المساس بعلاقاتها المتينة مع الرباط. وقد سبق لدول أخرى، مثل الصومال وغويانا، أن اتخذت مواقف مشابهة انطلاقا من اعتبارات داخلية وإقليمية تخص قضايا الوحدة والسيادة.

أما في شمال إفريقيا، فحرص باكستان على التوازن بين المغرب والجزائر يندرج ضمن تقليد دبلوماسي راسخ في إسلام آباد، يقوم على عدم الانحياز في الخلافات بين الدول الإسلامية. فهي ترى أن وحدة الصف الإسلامي أولى من الانحياز لأي طرف، وتعتبر أن أي اصطفاف قد يغذي الانقسامات داخل منظمة التعاون الإسلامي والعالم العربي.

لكن الامتناع الباكستاني لا يُقرأ كخذلان للمغرب، بل كرسالة دبلوماسية متأنية تعبّر عن تمسّكها بمبدأ الحياد البنّاء. فإسلام آباد ما زالت تعتبر الرباط شريكا استراتيجيا وصديقا موثوقا، وتؤكد رغبتها في تعزيز التعاون في مجالات التعليم والثقافة والتنمية.

وفي المحصلة، لم يكن تصويت باكستان تعبيرا عن تراجع في علاقاتها مع المغرب، بل عن حرصها على التوفيق بين ثوابتها الأخلاقية ومصالحها السياسية. وفي عالم تتقاطع فيه التحالفات وتتعقد فيه الملفات، يبدو أن موقف الحياد، وإن كان يثير التساؤلات، يظل أحيانا الخيار الأكثر حكمة في دبلوماسية يسودها التوازن الحذر.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح