المزيد من الأخبار






كرة القدم.. لعبة رجالية وتشجيع نسائي


كرة القدم.. لعبة رجالية وتشجيع نسائي
ناظورسيتي: فاطمة ياسين

أخبرني أحدهم أن شابا في الخامس والعشرين من عمره بكى بسخاء لخسارة الريال أمام البارصا. منذ زمن وفي حكايات القدماء كانت الدمعة بعيدة عن عيون الرجال، وإن بكى الرجل منهم فيبكي بقلبه، ونادرا ما كانت تخونه الدمعة فتسلل لتظهر للعيان جراء مصيبة ألمت به كوفاة أمه أو فلذة كبده...

بمثل هذا العمر كانوا متزوجين ومسؤولين عن أسرة، همهم الوحيد توفير عيش مريح لها، قد يقاطعني أحدهم باستغراب بحجة أن الزمن تغير ورجال الأمس ليسوا رجال اليوم، لأن أساليب الحياة تغيرت. أجل لقد تغيرت بمجال التكنولوجيا، الطب، التعليم... وكلمة أسرة أضحت صعبة التكوين، لكن الزمن لم يكن ولن يكون بالفظاعة التي قد تجعل من الرجولة مرهفة المشاعر.

تمر بمخيلتي فتاة تبكي بسبب لقطة في مسلسل مكسيكي أو تركي وربما هندي، فالدراما في الهندي أكثر مأساوية، فلا أجد الفرق بتاتا بينها وبين العشريني الذي بكى لخسارة الريال، بيد أنها مقارنة مجحفة في حق النساء، فالشائع أنهن حساسات زيادة عن اللزوم. وأبعد من هذا فأغلب اهتماماتهن تافهة: ماكياج، آخر صيحات الموضة، أخبار الجيران، وآخر من تزوجت من المعارف.. فلا ضير إن بكين لموقف شاعري أو مأساوي خلف شاشة التلفاز، طبعا كل هذا تافه بنظر الرجال...

لست هنا لأجرد الرجل من الإحساس البتة، أحترم دمعة رجل لرحيل نبع الحنان، دمعة سعادة لأنه رزق بحياة في جسد صغير يصبح مسؤولا عنه، دمعة فراق حين تقسو الحياة فتحرمه من أن يعيش اسمه بعد مماته...

كلها مواقف إنسانية تمس القلب فتترجم له العين، ناهيك عن أنها أحداث مرتبطة وتخص شخص الرجل نفسه، سأحترم دمعة لاعب في ملعب كرة القدم لحظة يخسر مع فريقه مباراة مصيرية بعد مجهود عضلي وذهني، لكني لم أجد لحد الآن مبررا لبكاء الشاب العشريني.

سمعنا كثيرا عن حالات طلاق لأن الزوجة عاشقة للمسلسلات ومعجبة ببطل شديد الوسامة، ولإحساس الزوج بالإهانة قام بتطليقها فورا لرد الاعتبار لرجولته، بالمقابل لم نسمع قط أن زوجة طلبت الشقاق لأن الزوج مهووس بكرة القدم، وأنه يحول الأجواء لمراسيم جنازة إن خسر فريقه المفضل، تجده بحاله شبيهة بالبركان يتحرى الفرصة للانفجار، وعليه وجب أن تنتبه جيدا لمقدار الملح في الطعام، تنظف ملابسه المفضلة وغير المفضلة احتياطا، مراقبة المائدة والأرضية فقد تتسلل الغبرة من النافذة أو الباب...تأتي أيام تجلس في البيت لساعات بمفردها فالزوج المحترم مضطر لمشاهدة مباريات كأس العالم في المقهى رفقة أصدقائه، 90 دقيقة لمتابعة أطوار المباراة وثلاث ساعات للمناقشة، ولا بأس بالوقت فقد يتغيب عن عمله لكي لا تفوته أي مباراة ...

شباب في المقاهي والمدرجات يترقبون بشغف وخوف مباراة الكلاسيكو، إذا نظرت لوجوههم قد يخيل إلك أنهم يترقبون أمرا مصيريا، فسرعان ما تكتشف العكس أثناء تسجيل رونالدو لهدف، فتتحول الأجواء إلى رقص وفرح عارم تتعالى الضحكات والصراخ، يتبادل العناق والتهاني...

في صباح نفس اليوم أم واحد من هؤلاء الشباب تحاول الخروج من باب مليلية، ظهرها مقوس من شدة ثقل السلع المحملة على ظهرها، منهدة الحيل، وجهها متعب كأنها لم تنم لأسبوع، تجر أرجلها وكلها أمل أن تمر الأمور بسلام ، إذا بصوت خشن تعرفه جيدا يصدع بأذنها والمكان : توقفي DETENGASE. إنه الحرس الإسباني الذي عادة ما يصادر سلعتها رغم توسلاتها المتكررة، تتعرض للضرب والشتم بأبشع الألفاظ من أبناء البلد الذي يحمل قميصهم الدون رونالدو، الأسطورة بعيون شبابنا النائم، شبابنا الذي يشتم بعضه دفاعا عن رونالدو لا يتجرأ أن يكون رجلا ويقف بوجه شاتم أم من أمهات الريف الغالي على حدود مليلية.

أتذكر أني رأيت تقريرا إخباريا شارف على نهايته كانت لقطته الأخيرة ملعبا قلب رأسا على عقب، ظننت أن الأمر يتعلق بمهرجان مصارعة الثيران فإذا به مباراة لكرة القدم تحولت إلى مصارعة بعد خسارة فريق مجموعة من المشجعين، ما جعلني أتساءل عن ماهية كرة القدم؟.

في الواقع هي لعبة للترفيه عن النفس بعد ضغوطات العمل اليومية، وبما أنها لعبة فالألعاب وجدت للتسلية ومن التفاهة الانفعال بسببها وجعلها المتحكمة في مزاج الشخص، والأدهى من كل هذا فالمهووسون بلعبة الفقراء يتحدثون بصيغة الأنا: حسرنا المباراة، تأهلنا للتصفيات، هزمتنا البارصا، تعادلنا مع البارين ميونيخ، أخذنا الكأس...

علماء النفس يفسرون هذه الحالات على أنها هروب من الواقع وبحث عن الذات علاوة على أنها نتيجة للفراغ ، فكم من الرجال في مجتمعنا الهاربين من واقعهم والباحثين عن ذواتهم والاهم العاطلين الفارغة حياتهم.

لعل المستفيد الوحيد من هذا هم ملائكة الانتخابات أصحاب الوعود الواهية، الذين ما إن يضمنوا كرسيهم في قبة البرلمان حتى تتبخر وعودهم ومعها تتهدم آمال الساكنة ليصبحوا غير مرئيين فتحتار في أمرهم، هل يمتلكون طاقيات إخفاء أم أنهم شياطين ؟... ومع كل حملة يظهر واحد منهم ليجد شبابا في المقاهي يدفع ثمن مشروباتهم ومهم يتابعون مباراة العملاقين، يشتري لهم أقمصة بطلهم ميسي لكي يلبسوها وهم حاملون لصوره الشخصية وتحتها شعاره الحزبي في جولة بشوارع المدينة، هو سقطت من رجولته الأمانة ووعد الرجال وهم سقطت منهم النخوة والشهامة والكرامة .

لكل ما سبق، فالدموع، الانفعال المبالغ، الفراغ، التأثر بأمور الغير، التفاهة... كلها اتهامات موجهة للنساء، فالأصح أن يتخلى الرجال عن تشجيع كرة القدم ويتركوها للنساء، علنا نرى تشجيعا سلميا، هادئا راقيا نوعا ما، قبل أن تحتضر الرجولة هذا إن لم تكن بالفعل تحتضر.

كم أخشى بعد حديثي هذا أن يهاجمني أحدهم لا لأنه أحس بالإهانة ومساس برجولته، بل ليتهمني أني مدريدية لأني ذكرت رونالدو قبل وأكثر من ذكر مثله الأعلى ميسي .


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح