المزيد من الأخبار






قاصران من الناظور يحكيان تجربتهما المريرة مع "الحريك" من مدينة مليلية


قاصران من الناظور يحكيان تجربتهما المريرة مع "الحريك" من مدينة مليلية
عن صحيفة البيريوديكو

وصل القاصر المغربي وليد قبل الموعد المحدد. كان محظوظا عندما حصل على سرير في المأوى الذي احتضنه قرب مستشفى “سانت بو” ببرشلونة. في الحقيقة يتعلق الأمر بمركز إيواء للطوارئ الليلية، فُتح في إطار حماية الأشخاص بدون مأوى من البرد. لكن وليد مطالب بمغادرته ما بين الثامنة صباحا والثامنة ليلا كما ينص على ذلك القانون الداخلي للمركز، والبحث عن مكان آخر يحتمي به. لهذا تجده حريصا على حضور، يوميا، حصص رياضة الملاكمة التي يستفيد منها بالمجان في ناد تابع لجمعية خيرية.

كما هو حال مئات الأطفال القاصرين المغاربة غير المصحوبين، تسلل وليد في سن الـ15 من الناظور إلى مليلية، حيث كان يعيش في مركز إيواء القصر، قبل أن يجبر على مغادرته بعد بلوغه سن الرشد (18). هكذا، هاجر إلى مدينة مالقة بالجنوب الإسباني، ومن هناك توجه إلى مدينة برشلونة التي وصل إليها قبل 4 شهور.

“هناك أطفال لا يطيقون المأوى (لوبيرج)، إذ أن أغلب النزلاء عجزة، وبعضهم متسخون.. عندما يضيق علي الحال، أتوجه إلى الشارع، وأفكر مليا، وأقول وأكرر هي مرحلة مؤقتة وتمر. في انتظار إيجاد عمل يضمن لي كراء شقة واصطحاب أسرتي من المغرب”، يقول وليد بنضج يثير الدهشة وابتسامة مؤلمة. حلم وليد لم يتغير رغم تغير الظروف، لازال يرغب في أن يصبح “ربان طائرة”. ولكن الواقع مختلف، فقد سلم للتو سيرته الذاتية للمطعم الاجتماعي “بارال ليل”، حيث يتناول وجبة الغذاء يوميا. ما شجعه على ذلك هو دراسته الطبخ في مليلية.

عندما وصل القطار إلى محطة الشمال ببرشلونة بعد توقفه لفترة قصيرة في مالقة، نُصح وليد من قبل شخص في محيط المحطة بالتوجه إلى مكان يسمى “فيك”؛ نظرا إلى وجود مؤسسة هناك قد تساعده. وبدون أن يطرح بدائل أخرى، توجه مباشرة إلى فيك. لم يكن لديه ما يخسره، في ظل غياب أي بديل. هناك نام في العراء يومين، قبل أن يصادف مواطنا مغربيا تعاطف معه، وأطعمه، وسمح له بالنوم في سيارته الشخصية لمدة 15 يوما، على الأقل التحاف سقف السيارة أفضل من التحاف السماء.

لم يدرك وليد أن الفايسبوك الذي يستعمله للهروب عن مرارة الواقع، سيأتيه بنقطة ضوء، إذ تلقى رسالة من صديق يوجهه فيها إلى مؤسسة خيرية في برشلونة. “توجهت إلى مؤسسة آديس، ومنذ ذلك الحين وأنا أعيش في كنفها. ليست فيها شقق، بل توفر لي مأوى فقط. وبخصوص التحاقه بالنادي الاجتماعي للملاكمة “سانت بو”، يقول: “طفل أرشدني إلى هذا النادي، لأنه يقدم خدماته بالمجان للأطفال الذين يعيشون نفس وضعنا”. وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها، إلا أن الابتسامة لا تفارقه. أمثال وليد من الأطفال القصر المغاربة في برشلونة يقارب 1334 طفلا، فيما يصل الرقم في كل إسبانيا إلى 3000 قاصر غير مصحوب.


المغربيان وليد وإلياس لم يسبق أن تعارفا، لكن ينحدران من نفس المدينة: الناظور. على غرار وليد، حط إلياس الرحال ببرشلونة عبر محطة الشمال في فجر أحد الأيام، قادما إليها على متن حافلة من مدينة مورسيا رفقة شقيقه الصغير وشابين آخرين غير مصحوبين بعد هروبهم من مركز الإيواء في مورسيا. فيما لم يتمكن رفيقهما الخامس من الخروج من مورسيا بعد توقيفه من قبل الأمن. كان ذلك سنة 2015، حينها كان إلياس لم يبلغ سن الرشد بعد.

أول شيء قاموا به في برشلونة هو البحث عن شرطة المحطة من أجل التصريح بأنهم ليس لديهم لا أب ولا أم ولا ولي في المدينة، لكن الشرطة طردتهم خارج المحطة. عندها اقترب منهم مواطن مغربي ونصحهم قائلا: “إذا أردتم أن تحتضنكم الشرطة عليكم سرقة شيء ما. بعدها توجهوا إلى محل تجاري، وقاموا بعملية السرقة، وانتظروا قدوم الشرطة والتي طلبت منهم وثائق الهوية، وبما أنهم لا يتوفرون عليها، طلبت منهم أسماءهم وأخلت سبيلهم. “كنا نريد أن يعتقلونا، لكن لم يفعلوا. لهذا بقينا في المعلمة الشهيرةArc del Triomf ، حيث كان بعض الشباب يمنحوننا السجائر، وبما أنه ليس لديهم ما يطعموننا به. نصحونا بالتوجه إلى ساحة كتالونيا، حيث بدأنا في الشجار فيما بيننا”.

نجح المقلب، إذ تدخل الأمن، وسلمهم للمدعي العام، حيث أمر بإيداعهم مركز إيواء القاصرين “ماس بينس”. يحكي إلياس أن القصر المغاربة كان يمكنهم الحصول على المخدرات في جميع المراكز التي مروا منها، بما في ذلك مخدر “الكولا”. ويضيف أنه عاش في مركز “ماس بينس” حتى بلغ سن الرشد، ما سمح له بدراسة اللغة الكتالونية في منطقة “ثيوداد بيا”.

“إذا لم تكن حاضرا مع الساعة التاسعة مساء في المكان الذي تمر منه العربة التابعة للمركز، فإنك لا محال ستنام في الشارع. كنا ننام في الشارع. لكن رغم ذلك كان المركز جيدا. كان لدي على الأقل مكان أنام وآكل فيه، أكثر من ذلك هناك منحة أسبوعية. يمنحوننا 10 أورو كل أسبوع. في الحقيقة، لا يكتشف الواحد حقيقة أوروبا حتى سن 18 ربيعا”، عندما تطردك كل المراكز وتصبح مطالبا بالبحث بنفسك عن لقمة العيش بدل أن تُمنح لك.

ونظرا لسلوكه الجيد، تقرر بعد بلوغ سن الرشد منحه سرير في إقامة بساحة برشلونة لمدة 6 شهور، علاوة على منحة 30 أورو شهريا. بعد انقضاء هذه المدة، حصل على رخصة الإقامة بإسبانيا، دون منحه رخصة العمل، هكذا وجد نفسه في الشارع. “كان ذلك قاسيا. كنت أنام في الحديقة والشاطئ، قبل أن أجد مأوى في حديقة صغيرة بين الأشجار: كان يدخل البرد، لكن على الأقل كنت بعيدا عن أنظار المارّة”، يتذكر إلياس. قبل أن يكمل قائلا: “وصلت إلى المطعم الشهير “ميسكالديس” لأطلب بعض الطعام. غير أنهم منحوني فرصة دراسة الطبخ وبعدها استفدت من حصص حول مهنة النادل، وأنا الآن أشتغل في هذا المطعم”.

يستغرب إلياس كيف أن البعض يطلب من الأطفال المغاربة غير المصحوبين تجنب السرقة رغم أن أغلبهم يسرق من أجل البقاء على قيد الحياة، في هذا يقول: “يطردونك من المركز ويمنحونك وثيقة لا تسمح لك بالعمل، علما أنه لا أحد يمكنه مساعدتك هنا. إذا تسولت في الشارع، لا تحلم أن تحصل على أي شيء، لأنهم يعتقدون أننا نصرف تلك النقود في التدخين. إذا لم تخرج للسرقة، ماذا يمكنك فعله؟”

وإذا كان وليد يحلم بأن يصبح ربانا، فإن إلياس يحلم بأن يصير صيادا في أعماق البحار.

وجه آخر لمعاناة مئات القصر المغاربة غير المصحوبين تجسده قصة هذا الطفل الأمازيغي مبارك. لم يسبق أن التقى بوليد وإلياس، لكنهم مروا بنفس التجربة. وصل مبارك إلى إسبانيا في سن الـ15، بالضبط سنة 2009 متخفيا أسفل شاحنة تربط بين المملكتين. كان يعيش في البداية في مركز الإيواء “البوبسك” الذي تم إغلاقه بأمر قضائي. ونظرا لانضباط مبارك، تم ترحيله إلى مركز “ماس بينس” المعروف. في أول سبت له في المركز سمح له بالخروج والعودة في المساء، حيث توجه إلى وسط مدينة برشلونة من أجل اكتشافها، قبل يخطئ الطريق، ويتركه القطار الذي كان سيستقله للعودة. يحكي هذا الشاب أنه من الصعب الحصول على عمل في برشلونة، إذ رغم إجرائه مجموعة من التداريب، إلا أنه لا ينجح في الحصول على عمل.



تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح