
سعيد باجي
-وفاة فاظمة ميمون حموتي، أمينة سر المقاومة المغاربية.
عن سن يناهز 86 سنة، رحلت في صمت المقاومة فاظمة ميمون حموتي، ووري جثمانها بمقبرة إقلعين ببني انصار مساء يوم 5 يوليوز 2017. فاظمة ميمون، أمينة سر المقاومة المغربية الجزائرية، رحلت إلى دار البقاء بعد 52 سنة من انتظار الكشف عن مصير زوجها الجندي الإفريقي محمد لخضير الحموتي الذي ذهب في مهمة إلى الجزائر شهر نونبر 1964 ولم يعد.
شاركت فاظمة ميمون زوجها المقاومة والدفاع عن حوزة الوطن المغاربي، باستقبالها لأعضاء جيش التحرير المغاربي. كان منزل المقاومة قبلة لزعماء هذا الجيش. كان عباس لمساعدي أولهما وقضى عدة أسابيع في ضيافة محمد الحموتي وزوجته فاظمة ميمون، ثم بعد ذلك التحق به زعماء جبهة التحرير الجزائري، أمثال محمد بوضياف، عبان رمضان، كريم بلقاسم، العربي بلمهيدي، محمد خيضر، الهواري بومدين.... كانت المنطقة الخليفية الواقعة تحت الحكم الإسباني ملجأ للهاربين من المتابعة الفرنسية. في هذا المنزل الواقع ببني انصار، تمت أهم الإجتماعات بين هؤلاء القادة، لتأسيس جيش التحرير. فمن بين الخدمات التي كانت تقدمها هذه المرأة المقاومة ، الإسعاف والتمريض وتوفير المؤونة و الملجأ، ونقل السلاح والمعلومات، والمساهمة بمالها ورأيها ومشورتها،غير مكثرتة باضطهادات المستعمر ولا بعقوباته القاسية. وما قدمته لهم من مساعدات في نقل الأسلحة التي كان يغنمها المقاومون من الغارات التي كانوا يشنونها على الثكنات العسكرية ، أو عن طريق صفقات، ثم يحوله المقاوم محمد خضير بواسطة سفينتيه إلى شواطئ بني انصار، ليتم تحويله إلى المنزل، حيث تشرف فاظمة ميمون على تخزينه وصيانته، إلى حين تحويل وجهته إلى جبهة قتالية أخرى. وفي ذلك الحين اعتبرت فاظمة ميمون أمينة سر المقاومة المغاربية.
وستحمل حرقة في قلبها، بعد اغتيال زوجها بالجزائر، وستتأثر نفسيا بهذا الحدث، وتحولت إلى مقاومة من نوع آخر، ولعبت دور الأب والأم، لتحمي أبناءها الصغار، في مجتمع تحولت بنيته الإجتماعية بسرعة فائقة ، إلا أن هذا الهم سيلقي بها في مرض ألم بها وأنهى حياتها في صمت.
- رحيل فاظمة ميمون زوجة محمد الحموتي وغيتة علوش زوجة عباس لمساعدي في نفس الوقت .... الصدفة أم القدر؟
هل الصدفة أو القدر أن ترحل فاظمة ميمون زوجة محمد الحموتي المغتال بالجزائر وغيتة علوش زوجة زعيم جيش التحرير عباس لمساعدي المغتال بالمغرب، في نفس الوقت ؟
على عكس فاظمة ميمون، التي اختارت الصمت، برز إسم غيتة علوش إلى الساحة السياسية منذ اغتيال زوجها عباس لمساعدي، نالت حظا وافرا من الإهتمام، ولكن دون الكشف عن الجهة المتورطة في اغتيال زوجها.
فاظمة ميمون الوجه اللامع في تاريخ المقاومة النسائية بالمغرب التي قاومت المعمر، من خلال ضيافة زعمائه، وتخزين السلاح إلى حين تسليمه إلى خلايا المقاومة المغربية أو الجزائرية. ولا يزال أعضاء المقاومة وجيش التحرير المجايلين لهذه الحقبة التاريخية الحرجة يتذكرون جيدا هذه المناضلة المعروفة في أوساطهم، التي كان منزلها مقرا سريا يأوي المناضلين الذين كانوا يعقدون فيه اجتماعاتهم.
إذن في تلك الفترة العصيبة من تاريخ المغرب ، توحدت جهود كل من المرأة والرجل في مقاومة المستعمر فألغي التمييز لأن هدفهما كان واحدا ألا وهو الرغبة في استقلال المغرب.
عديدات هن النساء اللائي شاركن في مقاومة الاستعمار إلى جانب صنوهن الرجل، فقد أفادت إحصائيات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، أن الحاملات لصفة مقاومة بلغ عددهن 446، 303 منهن نشطن في فترة مقاومة الاستعمار الإسباني والفرنسي، 56 شاركن في جيش التحرير بالشمال ، و87 شاركن في جيش التحرير بالجنوب ، ورغم أن المندوبية تؤكد وجود نساء كثيرات شاركن في المقاومة إلى جانب الرجال ، إلا أنها لم تقم بمسح شامل لهن، وإعداد قوائم خاصة بهن.
فباستحضارنا للذاكرة المغربية ، نجد أن النساء المغربيات كن حاضرات بقوة، دافعن باستماتة مشهودة عن الوطن، فاحترفن المقاومة والجهاد وهن يجمعن بين عمل البيت وعمل مناهضة المعمر. فمنهن من التحقن بإحدى خلايا المقاومة منذ انطلاقتها وتمردن ضد سياسة القهر والاستبداد من أجل نيل الحرية والاستقلال، منهن من قضين نحبهن، ومنهن من أمهلهن الأجل ليشهدن على مغرب مجحف في حقهن.
المقاومة النسائية والتاريخ المجحف
إنه لمن المجحف جدا أن تمر علينا مناسبة رحيل فاظمة ميمون وغيتة علوش ، دون أن نخصص ولو سطورا تبرز دور هذه المرأة في مقاومة المحتل إبان فترة الكفاح والمقاومة.
ربما قد نكون أقحمنا أنفسنا في مغامرة ونحن نحاول التأريخ لأشكال حضور النساء المغربيات في المقاومة.. فهذا الأخير –أي موضوع المقاومة النسائية بالمغرب- ونحن لا نبالغ في ذلك، موضوع طويل وشائع وزئبقي، تعترض المتحدث عنه والنابش في دلالاته مشاكل كبيرة ومتعددة، ومن جملة تلك المشاكل ما يتعلق أولا بالمنهج، أي منهج يجب أن يتبع في تدوين المقاومة النسائية المغاربية؟
لقد أبرز الاحتكاك بين المقاومات والمؤرخين أهمية مسألة تدوين وقائع الماضي، ماضي الكفاح والنضال، لكن مع ذلك، ظهر جليا أن لكل طرف مقاربته الخاصة وأهدافه المحددة بالرغم من التقاطع الواضح المنصب في عمومه إلى صيانة الذاكرة المشتركة وتحصين الهوية..
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ودائما في موضوع المشكلات التي تعترض الباحث في مجال المقاومة، مشاكل تتعلق بالمصادر والأرشيف، لكون المقاومة في مجملها سواء النسائية أو الرجالية كانت تحاط بالسرية الكاملة، وحتى محاولة الاعتماد على الرواية الشفهية لوحدها، هي محاولة محفوفة بمخاطر النرجسية والخيال، أضف إلى ذلك المشكل المتعلق بشخصية المكتوب عنه، فكونه مؤنث، هذا لوحده يطرح إشكالات عدة…، ثم مشكل البيبليوغرافيا، أي عائق غياب الكتابات التاريخية عن هذا الصنف من المقاومة.. فجل المؤلفات التي ألفت عن تاريخ المغرب أثناء فترة الاستعمار، مؤلفات يغيب فيها تماما الحديث عن مساهمة المرأة المغربية، اللهم بعض المؤلفات التي تناولت هذه المساهمات في حيز صغير جدا، في إطار دراسة المقاومة المغربية بصفة عامة ككتاب ألبير عياش “المغرب والاستعمار” وبعض الأطاريح الجامعية وبعض المقالات المنشورة في بعض المجلات إلا أنها تبقى يتيمة ومادة شحيحة.. فمن حيث مساهمتها في ميدان المقاومة نلاحظ أن هذه المساهمة كانت على خطين، خط في المدن وخط في البوادي.. ففي البوادي كانت مساهمة المرأة القروية ومشاركتها في حركة المقاومة فعالة منذ البداية، فإذا كان الرجل حاضرا في الواجهة فإن المرأة قامت بأعمال خفية يمكن اعتبارها القاعدة الخلفية لكل المبادرات، إذ أن عامل القرابة العائلية التي تربط بين المقاومين وزوجاتهم وبناتهم أو خالاتهم وقس على ذلك.. هي عامل لدخولهن معترك الكفاح من أجل الاستقلال فكانت حاضرة إلى جانب الرجال في كل الجبهات، حيث كان من أعمالها ملئ البنادق بالرصاص وتسليمها للمقاومين من ساحة المعركة وصنع القنابل اليدوية ومساعدة الرجال على تنفيذ مخططاتهم الفدائية، كما نجدها حاملة للسلاح مواجهة الغزاة مباشرة في زي رجولي أو برفع زغرداتها المدوية أمام صوت المدافع.. هذا وقد كانت تعمل على تطبيب وإسعاف الجرحى بعيدا عن ساحة المعركة.. كما كانت -وهنا نجد البعد الرمزي في المقاومة النسائية- بحمل إناء من الحناء الممزوج بالقطران لرش كل من فر من ساحة المعركة من رجال المقاومة..
أما على خط المدن، فقد كانت المرأة المغربية تعمل على مقاومة المستعمر بطرق أخرى غير تلك التي ذكرنا سالفا.. فقد كانت تعمل على توزيع المنشورات ورسائل التهديد الموجهة للمستعمرين ولكل من فكر في أن يخالف قرارات المقاومين من عدم إقامة الأفراح لموازاتها مع إحدى حلقات النضال أو بإيصال الرسائل الشفهية إلى المقاومين وهذا كان يجعلها تتعرض للاستنطاق في مخافر الشرطة مرفوق بالتهديد والضرب وغير ذلك من أشكال المهانات.. كما كانت تعمل على صب الماء الساخن والزيت المغلي من على السطوح على جيوش المستعمر، أو تعمل على توعية النساء وتحفيزهن وتشجيعهن للانخراط في بعض الخلايا والمشاركة في المظاهرات، والعمل على إخفاء السلاح وتوزيعه…
لقد أثبتت المرأة المغاربية المقاومة بلا منازع حضورها الفعال في ساحة الوغى وميدان الشرف والنضال وفي صميم وعمق المقاومة من أجل الحرية والاستقلال فقدمت صورا مشرقة ورائعة في المشاركة النوعية بأوجه الكفاح إلى جانب أخيها الرجل بروح نضالية عالية في المداشر والحواضر والقرى، حاملة للسلاح أو محتضنة لرجال المقاومة أو مؤتمنة على الأسرار والتوجيهات، لكن مع ذلك نجد أن أعداد المقاومات جد قليل مقارنة بالرجال.. والسؤال الذي يطرح نفسه هل هذا هو واقع الحال؟ إلى حد بعيد هو كذلك، فالمرأة ، كانت حاضرة وبقوة، لكن أعدادها لم تكن كبيرة، لكن لماذا لا نجد تفسيرات لحقيقة هذه الاعداد؟
في إحدى المقابلات التي أجرتها الباحثة مارية دادي مع ثلة من المقاومات والمقاومين حول هذا الغموض في أعداد المقاومات المغربيات، فوجدت بأن هناك عاملين أساسيين يحولان دون المرأة وقيامها بنشاطات مقاوماتية، هما الأسرة والمجتمع المحيط بهما، فالمجتمع بقيمه وعاداته في ذلك كان لا ينظر للمرأة باحترام كبير عندما توسع نطاق احتكاكها واختلاطها بالرجال.. فاعتبر ذلك السلوك شادا مما حتم عليها ارتداء ملابس رجالية تسترا من المجتمع ومن المستعمر كذلك.. أو خوض غمار الحرب ضد المستعمر بصيغة غير مباشرة.
وعموما، نستخلص أن مقاومة المرأة المغاربية منذ بداية الحماية إلى الاستقلال، متعددة الوجوه والأشكال، ساهمت جنبا إلى جنب مع الرجل، فكانا متساويين في مواجهة الأخطار.. وإذا كنا نقرأ على أن التاريخ هو دراسة الماضي لفهم الحاضر واستشراف للمستقبل، فخير درس نخرج به هو أنه لا يمكن أن يستقيم مجتمعنا إلا بمساهمة الاثنيين معا -الرجل والمرأة- بنوع من التكامل في سائر مجالات الحياة.
-وفاة فاظمة ميمون حموتي، أمينة سر المقاومة المغاربية.
عن سن يناهز 86 سنة، رحلت في صمت المقاومة فاظمة ميمون حموتي، ووري جثمانها بمقبرة إقلعين ببني انصار مساء يوم 5 يوليوز 2017. فاظمة ميمون، أمينة سر المقاومة المغربية الجزائرية، رحلت إلى دار البقاء بعد 52 سنة من انتظار الكشف عن مصير زوجها الجندي الإفريقي محمد لخضير الحموتي الذي ذهب في مهمة إلى الجزائر شهر نونبر 1964 ولم يعد.
شاركت فاظمة ميمون زوجها المقاومة والدفاع عن حوزة الوطن المغاربي، باستقبالها لأعضاء جيش التحرير المغاربي. كان منزل المقاومة قبلة لزعماء هذا الجيش. كان عباس لمساعدي أولهما وقضى عدة أسابيع في ضيافة محمد الحموتي وزوجته فاظمة ميمون، ثم بعد ذلك التحق به زعماء جبهة التحرير الجزائري، أمثال محمد بوضياف، عبان رمضان، كريم بلقاسم، العربي بلمهيدي، محمد خيضر، الهواري بومدين.... كانت المنطقة الخليفية الواقعة تحت الحكم الإسباني ملجأ للهاربين من المتابعة الفرنسية. في هذا المنزل الواقع ببني انصار، تمت أهم الإجتماعات بين هؤلاء القادة، لتأسيس جيش التحرير. فمن بين الخدمات التي كانت تقدمها هذه المرأة المقاومة ، الإسعاف والتمريض وتوفير المؤونة و الملجأ، ونقل السلاح والمعلومات، والمساهمة بمالها ورأيها ومشورتها،غير مكثرتة باضطهادات المستعمر ولا بعقوباته القاسية. وما قدمته لهم من مساعدات في نقل الأسلحة التي كان يغنمها المقاومون من الغارات التي كانوا يشنونها على الثكنات العسكرية ، أو عن طريق صفقات، ثم يحوله المقاوم محمد خضير بواسطة سفينتيه إلى شواطئ بني انصار، ليتم تحويله إلى المنزل، حيث تشرف فاظمة ميمون على تخزينه وصيانته، إلى حين تحويل وجهته إلى جبهة قتالية أخرى. وفي ذلك الحين اعتبرت فاظمة ميمون أمينة سر المقاومة المغاربية.
وستحمل حرقة في قلبها، بعد اغتيال زوجها بالجزائر، وستتأثر نفسيا بهذا الحدث، وتحولت إلى مقاومة من نوع آخر، ولعبت دور الأب والأم، لتحمي أبناءها الصغار، في مجتمع تحولت بنيته الإجتماعية بسرعة فائقة ، إلا أن هذا الهم سيلقي بها في مرض ألم بها وأنهى حياتها في صمت.
- رحيل فاظمة ميمون زوجة محمد الحموتي وغيتة علوش زوجة عباس لمساعدي في نفس الوقت .... الصدفة أم القدر؟
هل الصدفة أو القدر أن ترحل فاظمة ميمون زوجة محمد الحموتي المغتال بالجزائر وغيتة علوش زوجة زعيم جيش التحرير عباس لمساعدي المغتال بالمغرب، في نفس الوقت ؟
على عكس فاظمة ميمون، التي اختارت الصمت، برز إسم غيتة علوش إلى الساحة السياسية منذ اغتيال زوجها عباس لمساعدي، نالت حظا وافرا من الإهتمام، ولكن دون الكشف عن الجهة المتورطة في اغتيال زوجها.
فاظمة ميمون الوجه اللامع في تاريخ المقاومة النسائية بالمغرب التي قاومت المعمر، من خلال ضيافة زعمائه، وتخزين السلاح إلى حين تسليمه إلى خلايا المقاومة المغربية أو الجزائرية. ولا يزال أعضاء المقاومة وجيش التحرير المجايلين لهذه الحقبة التاريخية الحرجة يتذكرون جيدا هذه المناضلة المعروفة في أوساطهم، التي كان منزلها مقرا سريا يأوي المناضلين الذين كانوا يعقدون فيه اجتماعاتهم.
إذن في تلك الفترة العصيبة من تاريخ المغرب ، توحدت جهود كل من المرأة والرجل في مقاومة المستعمر فألغي التمييز لأن هدفهما كان واحدا ألا وهو الرغبة في استقلال المغرب.
عديدات هن النساء اللائي شاركن في مقاومة الاستعمار إلى جانب صنوهن الرجل، فقد أفادت إحصائيات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، أن الحاملات لصفة مقاومة بلغ عددهن 446، 303 منهن نشطن في فترة مقاومة الاستعمار الإسباني والفرنسي، 56 شاركن في جيش التحرير بالشمال ، و87 شاركن في جيش التحرير بالجنوب ، ورغم أن المندوبية تؤكد وجود نساء كثيرات شاركن في المقاومة إلى جانب الرجال ، إلا أنها لم تقم بمسح شامل لهن، وإعداد قوائم خاصة بهن.
فباستحضارنا للذاكرة المغربية ، نجد أن النساء المغربيات كن حاضرات بقوة، دافعن باستماتة مشهودة عن الوطن، فاحترفن المقاومة والجهاد وهن يجمعن بين عمل البيت وعمل مناهضة المعمر. فمنهن من التحقن بإحدى خلايا المقاومة منذ انطلاقتها وتمردن ضد سياسة القهر والاستبداد من أجل نيل الحرية والاستقلال، منهن من قضين نحبهن، ومنهن من أمهلهن الأجل ليشهدن على مغرب مجحف في حقهن.
المقاومة النسائية والتاريخ المجحف
إنه لمن المجحف جدا أن تمر علينا مناسبة رحيل فاظمة ميمون وغيتة علوش ، دون أن نخصص ولو سطورا تبرز دور هذه المرأة في مقاومة المحتل إبان فترة الكفاح والمقاومة.
ربما قد نكون أقحمنا أنفسنا في مغامرة ونحن نحاول التأريخ لأشكال حضور النساء المغربيات في المقاومة.. فهذا الأخير –أي موضوع المقاومة النسائية بالمغرب- ونحن لا نبالغ في ذلك، موضوع طويل وشائع وزئبقي، تعترض المتحدث عنه والنابش في دلالاته مشاكل كبيرة ومتعددة، ومن جملة تلك المشاكل ما يتعلق أولا بالمنهج، أي منهج يجب أن يتبع في تدوين المقاومة النسائية المغاربية؟
لقد أبرز الاحتكاك بين المقاومات والمؤرخين أهمية مسألة تدوين وقائع الماضي، ماضي الكفاح والنضال، لكن مع ذلك، ظهر جليا أن لكل طرف مقاربته الخاصة وأهدافه المحددة بالرغم من التقاطع الواضح المنصب في عمومه إلى صيانة الذاكرة المشتركة وتحصين الهوية..
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ودائما في موضوع المشكلات التي تعترض الباحث في مجال المقاومة، مشاكل تتعلق بالمصادر والأرشيف، لكون المقاومة في مجملها سواء النسائية أو الرجالية كانت تحاط بالسرية الكاملة، وحتى محاولة الاعتماد على الرواية الشفهية لوحدها، هي محاولة محفوفة بمخاطر النرجسية والخيال، أضف إلى ذلك المشكل المتعلق بشخصية المكتوب عنه، فكونه مؤنث، هذا لوحده يطرح إشكالات عدة…، ثم مشكل البيبليوغرافيا، أي عائق غياب الكتابات التاريخية عن هذا الصنف من المقاومة.. فجل المؤلفات التي ألفت عن تاريخ المغرب أثناء فترة الاستعمار، مؤلفات يغيب فيها تماما الحديث عن مساهمة المرأة المغربية، اللهم بعض المؤلفات التي تناولت هذه المساهمات في حيز صغير جدا، في إطار دراسة المقاومة المغربية بصفة عامة ككتاب ألبير عياش “المغرب والاستعمار” وبعض الأطاريح الجامعية وبعض المقالات المنشورة في بعض المجلات إلا أنها تبقى يتيمة ومادة شحيحة.. فمن حيث مساهمتها في ميدان المقاومة نلاحظ أن هذه المساهمة كانت على خطين، خط في المدن وخط في البوادي.. ففي البوادي كانت مساهمة المرأة القروية ومشاركتها في حركة المقاومة فعالة منذ البداية، فإذا كان الرجل حاضرا في الواجهة فإن المرأة قامت بأعمال خفية يمكن اعتبارها القاعدة الخلفية لكل المبادرات، إذ أن عامل القرابة العائلية التي تربط بين المقاومين وزوجاتهم وبناتهم أو خالاتهم وقس على ذلك.. هي عامل لدخولهن معترك الكفاح من أجل الاستقلال فكانت حاضرة إلى جانب الرجال في كل الجبهات، حيث كان من أعمالها ملئ البنادق بالرصاص وتسليمها للمقاومين من ساحة المعركة وصنع القنابل اليدوية ومساعدة الرجال على تنفيذ مخططاتهم الفدائية، كما نجدها حاملة للسلاح مواجهة الغزاة مباشرة في زي رجولي أو برفع زغرداتها المدوية أمام صوت المدافع.. هذا وقد كانت تعمل على تطبيب وإسعاف الجرحى بعيدا عن ساحة المعركة.. كما كانت -وهنا نجد البعد الرمزي في المقاومة النسائية- بحمل إناء من الحناء الممزوج بالقطران لرش كل من فر من ساحة المعركة من رجال المقاومة..
أما على خط المدن، فقد كانت المرأة المغربية تعمل على مقاومة المستعمر بطرق أخرى غير تلك التي ذكرنا سالفا.. فقد كانت تعمل على توزيع المنشورات ورسائل التهديد الموجهة للمستعمرين ولكل من فكر في أن يخالف قرارات المقاومين من عدم إقامة الأفراح لموازاتها مع إحدى حلقات النضال أو بإيصال الرسائل الشفهية إلى المقاومين وهذا كان يجعلها تتعرض للاستنطاق في مخافر الشرطة مرفوق بالتهديد والضرب وغير ذلك من أشكال المهانات.. كما كانت تعمل على صب الماء الساخن والزيت المغلي من على السطوح على جيوش المستعمر، أو تعمل على توعية النساء وتحفيزهن وتشجيعهن للانخراط في بعض الخلايا والمشاركة في المظاهرات، والعمل على إخفاء السلاح وتوزيعه…
لقد أثبتت المرأة المغاربية المقاومة بلا منازع حضورها الفعال في ساحة الوغى وميدان الشرف والنضال وفي صميم وعمق المقاومة من أجل الحرية والاستقلال فقدمت صورا مشرقة ورائعة في المشاركة النوعية بأوجه الكفاح إلى جانب أخيها الرجل بروح نضالية عالية في المداشر والحواضر والقرى، حاملة للسلاح أو محتضنة لرجال المقاومة أو مؤتمنة على الأسرار والتوجيهات، لكن مع ذلك نجد أن أعداد المقاومات جد قليل مقارنة بالرجال.. والسؤال الذي يطرح نفسه هل هذا هو واقع الحال؟ إلى حد بعيد هو كذلك، فالمرأة ، كانت حاضرة وبقوة، لكن أعدادها لم تكن كبيرة، لكن لماذا لا نجد تفسيرات لحقيقة هذه الاعداد؟
في إحدى المقابلات التي أجرتها الباحثة مارية دادي مع ثلة من المقاومات والمقاومين حول هذا الغموض في أعداد المقاومات المغربيات، فوجدت بأن هناك عاملين أساسيين يحولان دون المرأة وقيامها بنشاطات مقاوماتية، هما الأسرة والمجتمع المحيط بهما، فالمجتمع بقيمه وعاداته في ذلك كان لا ينظر للمرأة باحترام كبير عندما توسع نطاق احتكاكها واختلاطها بالرجال.. فاعتبر ذلك السلوك شادا مما حتم عليها ارتداء ملابس رجالية تسترا من المجتمع ومن المستعمر كذلك.. أو خوض غمار الحرب ضد المستعمر بصيغة غير مباشرة.
وعموما، نستخلص أن مقاومة المرأة المغاربية منذ بداية الحماية إلى الاستقلال، متعددة الوجوه والأشكال، ساهمت جنبا إلى جنب مع الرجل، فكانا متساويين في مواجهة الأخطار.. وإذا كنا نقرأ على أن التاريخ هو دراسة الماضي لفهم الحاضر واستشراف للمستقبل، فخير درس نخرج به هو أنه لا يمكن أن يستقيم مجتمعنا إلا بمساهمة الاثنيين معا -الرجل والمرأة- بنوع من التكامل في سائر مجالات الحياة.