المزيد من الأخبار






دراسة.. مدى التأثير الذي يمارسه ساكنة مدينة الناظور على فضاء قبة الولي سيدي علي


دراسة.. مدى التأثير الذي يمارسه ساكنة مدينة الناظور على فضاء قبة الولي سيدي علي
نبيلة المسعودي*

سنرى في هذا العمل مثالاً لكيفية تأثير الإنسان في المجال وتأثّره به، وذلك بالاعتماد على نموذج من الواقع المُعاش والمُتمثل في تحويل ساكنة مدينة الناظور لمجال طبيعي إلى مجال ثقافي بصبغة معينة، ليجعلوا منه بعد ذلك مجالا ثقافيا ذو طبيعة أخرى. هكذا، سأتناول في هذا البحث نموذج الفضاء الذي يوجد فيه الولي 'سيدي علي' بمدينة الناظور.

توجد قُبَّة الولي 'سيدي علي' فوق ربوة كانت في الفترة الاستعمارية عبارة عن مجال طبيعي صرف قبل استقدام الولي إليها. وكانت محاطة من جهة الشرق بثكنة عسكرية اسبانية، وبالبحر من جهة الشمال ثم من الناحية الجنوبية نجد الجبال، أما الجهة الغربية فقد كانت عبارة عن مقبرة يُحتمل أن يكون الولي سيدي علي مدفونا بها كما سنرى ذلك في متن هذا البحث.

تحولت، الآن، هذه الربوة الطبيعية إلى مكان مُهَيأ ومُجَهز يشمل قُبَّة الولي حيث يوجد قبره، إلى جانب ساحة هي عبارة عن حديقة وكراسي للجلوس. هذا فضلا عن ملاحظة ارتياد الزوار والباعة المتجولين وناقشات الحناء وغيرهم على هذا المكان.

الإشكالية التي سيحاول هذا البحث الإجابة عنها هي كيف حوَّل ساكنة مدينة الناظور هذا المجال الطبيعي إلى مجال ثقافي بصيغة معينة (التَّبَرك)؟ وكيف تحول هذا المجال الثقافي بعينه إلى مجال ثقافي بصيغة أخرى (التنزه)؟

الفرضية التي انطلقت منها لإجراء هذا البحث تتمثل فيما يلي:

ربما تحول طبيعة هذا المجال يعود لحاجة الناس إلى متنفس للتنزه والترفيه والالتقاء بالآخرين. وإقبال الناس على زيارة فضاء القبة ليس راجعا بالضرورة إلى اعتقادهم في بركة هذا الولي وكراماته وقدراته على تحقيق رغباتهم؛ أي أن الفضاء الذي يوجد فيه الولي أصبح قِبلَة للسياحة والتنزه ولم يعد له ذلك البعد المتعلق بالتَّبرك والوساطة.

لتأكيد أو دحض هذه الفرضية قمت باقتراح سؤالين وهما كالآتي:

· ما هي الأسباب التي تدفعك للقدوم إلى هذا الولي؟

· كيف كان هذا المكان في عهد الاستعمار؟ وما هي التغيرات التي طرأت عليه؟

طرحت هذه الأسئلة على عينة من ساكنة مدينة الناظور، راعيت في اختيارها مجموعة من الخصائص، حيث حَرِصت في الاختيار على تنوع الفئة العمرية والمستوى الدراسي والثقافي وكذا جنسها.

وقد كانت الأجوبة كالتالي:

من خلال هذه المعطيات، وانطلاقا من أجوبة السؤال الأول يمكننا ملاحظة التفاوت الواضح في النِّسب حيث نجد أن 80% من العيِّنة المستجوبة يزورون الفضاء الذي يتواجد فيه الولي بدافع الاستجمام والتجول وتمضية الوقت وكذا ممارسة بعض الهوايات كالغناء والعزف على الآلات الموسيقية، في الوقت الذي نجد فيه 10% فقط من المستجوبين يرتادون قبة الولي بهدف التبرك وطلب تحقيق رغبات معينة وكذا تَمنِّي درء الشرور والآلام، أما 10% المتبقية وهم مُستجوبون بعيدا عن هذا الفضاء فقد أفصحوا عن عدم ارتيادهم لهذا المكان إطلاقا وذلك لأن السبب، حسبهم، يعود إلى سمعة المكان، إذ المعروف عنه إما أنه مرتع المواعيد الغرامية أو أنه قِبلَة للنساء المُمَارِسات للشَّعوذة. وقد كان من بين المستجوَبين القَيِّمة على القبة والتي أخبرت أيضا بقلة ارتياد الناس للقُبَّة بهدف التبرك في السنوات الأخيرة. ويرجع هذا التفاوت إلى أسباب عدة منها: تفاوت المستوى الدراسي والثقافي لرواد هذا المكان، اختلاف اهتماماتهم، تأثير سنهم وجنسهم على طبيعة نشاطاتهم وممارساتهم، الخ.

وفيما يخص السؤال الثاني والمتعلق بطبيعة المجال قبل إحداث قبر الولي فيه، ف70% من المستجوبين يقولون بأن المكان كان عبارة عن ربوة خالية لا يعتليها أي شيء وذلك حسب ما رُوِي لهم حيث أن لا أحد منهم يتذكر ذلك بنفسه، وإنما إجاباتهم كانت مبنية على ما سمعوا، و30% أجبوا بعدم معرفتهم لطبيعة هذا المجال من قبل؛ إذن، حسب المعلومات التي تم جمعها فهذا الفضاء كان عبارة عن خلاء محاط بثكنة عسكرية ومقبرة يُقال بأن الولي كان مدفونا هناك، هذه الربوة لم يكن لها أية قيمة ثقافية، دينية ولا حتى سياحية، بعد ذلك تم نقل رفات الولي إلى هذه الربوة التي يوجد فيها حاليا وذلك كتكريم واحترام له. هذا إن كان قد تم نقله فعلا وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن أغلب المستجوبين الذين يذهبون إلى الولي بقصد التنزه والاستجمام لا يعتقدون بوجوده هناك، بل إن مُستَجوَبَين ذَهبا إلى القول بأن المدفون هناك قد يكون حيوانا أو شخصاً اسبانياً، تم وضعه هناك قَصداً لإشغال الناس وتكريس التخلف وكذا إبعادهم عن عقيدة أهل السنة وهذا يُخالف جوهر الدين الإسلامي حسب اعتقادهم.

أما فيما يتعلق بالتغيرات التي طرأت على هذا المجال فباستثناء النسبة التي أجابت بعدم ارتيادها عليه، فإن كل المتبقين أجمعوا على أن هذه التغيرات والإصلاحات تتجلى في صباغة جدران ونوافذ قبة الولي، وكذا تَزلِيج القُبَّة من الداخل وبناء قبر الولي وتزليجه. هذا إلى جانب بناء ساحة محيطة بالقُبَّة، هذه الساحة تم تهيئتها على شكل حديقة تتخللها مجموعة من الكراسي الخشبية المخصَّصَة للزُّوار، فضلا عن بناء مدرجات مخصصة للجلوس أيضا، وتم وضع أضواء كثيرة مما أضفى عليها طابعا جماليا منفرداً. أُدخلت هذه الإصلاحات على هذا المكان حتى صار شيئا فشيئا في الصورة السياحية الجميلة وأصبح مَعلَمة ثقافية ومزاراَ يوميا يَؤُمه سكان المدينة بل وأحيانا يأتي إليه الزوار من خارج المدينة. هكذا إذن انتبه المسؤولون بالمدينة إلى الأهمية التي صار يكتسيها هذا الفضاء، فقاموا بتهيئه بما يناسب مقامه في نفوس الزوار، فأصبح مكانا يأتي إليه الناس للتنزه والترفيه وليس بالضرورة للتبرك والوساطة.

انطلاقا من كل هذا، يمكننا أن نخلص إلى كون هذا المجال قد تحوّل مرتين: في الأولى من مجال طبيعي إلى مجال ثقافي؛ وفي الثانية من مجال ثقافي 'ديني' إلى مجال ثقافي سياحي حيث أصبح من بين المتنفسات القليلة للمدينة التي يخرج إليها السكان للتنزه والاستجمام. وقد وقفنا على تفاوت أغراض زيارة هذا الفضاء؛ فهو بالنسبة للفتيات فرصة للخروج من المنزل والالتقاء بالآخرين، ومناسبة للنساء للالتقاء ببعضهن البعض خارج أسوار منازلهن حيث يمكنهن التحدث بكل حرية بعيدا عن ضجيج الأبناء ومشاكل العائلة، أما بالنسبة للصبيان فهو مجال للَّعِب والغناء وإحداث الضجيج غير المسموح به داخل بيوتهم. وجمالية هذا المكان وسكونه يُغري ليلا محبي السمر والعزلة خاصة أن موقعه المرتفع عن سطح الأرض والمطل على ساحة 'الكورنيش' يسمح بمنظر عام وجمالية منفردة.

*[1] - طالبة باحثة، تكوين الدكتوراه 'التراث الثقافي والتنمية' كلية الاداب والعلوم الانسانية، جامعة محمد الاول، وجدة


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح