المزيد من الأخبار






حين تصمت منظمات “حقوق الإنسان” أمام النفط وتصرخ في وجه المغرب: نفاق بمداد غربي ووقائع الجاهلية


بقلم: مهدي عزاوي

في زمن يُفترض أن تكون فيه حرية التعبير مبدأً كونيًا لا يُنتقى حسب الخرائط والثروات، تواصل بعض منظمات حقوق الإنسان وحرية الصحافة لعب دور “الوصي الأخلاقي” بانتقائية فاضحة، تكشف أكثر مما تستر، وتفضح ما تحاول تلميعه بشعارات كبرى.

ففي الوقت الذي تُخصّص فيه هذه المنظمات تقارير سنوية مُتخمة بالملاحظات والتحذيرات والتصنيفات، تُسلّط فيها الضوء على دول مثل المغرب، وتتحدث عن “تراجع” مزعوم في مجال الحريات والصحافة، نجدها تتجاهل، بشكل مستمر ومُمنهج، ما يحدث في دول أخرى تُعرف بالبترودولار، رغم ما تشهده من انتهاكات جسيمة، تطال الكُتاب والصحفيين والناشطين السياسيين، وحتى مجرد المغرّدين.

آخر مظاهر هذه الازدواجية الصارخة تمثّل في الصمت المدوّي إزاء قضية الصحفي والكاتب الجزائري بوعلام صنصال، الذي تم توقيفه في مطار الجزائر العاصمة فور وصوله من فرنسا التي يحمل جنسيتها، لا لشيء إلا لأنه عبّر عن رأي ناقد، من داخل وطنه لا من خارجه، ولم يحمل سلاحًا غير قلمه. ومع ذلك، لم نجد أي منظمة “عالمية” تدق ناقوس الخطر، ولم تُخصص له لافتة أو حملة أو حتى بيانًا خجولًا. لم تُزعج “هيومن رايتس ووتش” نفسها، ولا “مراسلون بلا حدود” حرّرت تغريدة تضامنية.

في المقابل، تُصدر نفس هذه المنظمات بيانات مطولة عن المغرب، وتكيل له الانتقادات في كل مناسبة، رغم اعتراف الجميع بالتقدم المحرز، سواء على مستوى الإطار القانوني، أو المؤسساتي، أو حتى في تعددية المشهد الإعلامي. صحيح أن الطريق لا يزال طويلًا، ولا أحد يزعم اكتمال النموذج، لكن اختزال الوضع في المغرب في بضع سطور قاتمة، يقابله صمت مطبق تجاه أنظمة تسجن الشعراء وتجلد المدوّنين، أمرٌ يثير الريبة، ويشكك في مصداقية من يُفترض بهم أنهم “حُرّاس الحرية”.

هل الحرية سلعة تُقاس بالدخل القومي؟
هل يُمنح حق التعبير بناءً على احتياطي النفط؟
وهل دم الصحفي في الرباط أقل وزنًا من دمع المغرّد في باريس، إذا كان الطرف المتهم يشتري الصمت بـ”الاستثمارات” والرعاية الإعلانية؟

إننا أمام خلل أخلاقي قبل أن يكون سياسيًا أو إعلاميًا.
خللٌ يعيد طرح السؤال الحقيقي:
من يراقب “مراقبي” حقوق الإنسان؟
ومن يُحاسب المنظمات التي جعلت من القيم النبيلة مطيّة للضغط، والمواقف المبدئية سلعة تخضع لحسابات التمويل والتوازنات الجيوسياسية؟

الازدواجية في الدفاع عن حرية التعبير أخطر من أي قمع مباشر، لأنها تُفرغ النضال الحقوقي من مضمونه، وتحوّله إلى ممارسة انتقائية، تخدم أجندات وتؤسس لصمتٍ مريب عندما يكون الجلّاد صديقًا أو زبونًا محتملاً.

لكن المغرب، على خلاف ما اعتاد عليه البعض، لا يرد في الخفاء ولا يُجيد المناورة في الكواليس. ردّه ليس جبانًا ولا مُلتبسًا، بل واضح، مباشر، وواقعي.
ردّه ليس بالشعارات، بل بالأفعال: بتقوية المؤسسات، بمواصلة الإصلاحات، وبإصرار هادئ على أن تكون حرية الرأي والتعبير، وحقوق الإنسان، جزءًا جوهريًا من مشروعه المجتمعي.

إنه نموذج مغربي في التحرر الحقوقي، اختار أن يكون استثناءً في محيط يعجّ بالصمت والتقديس والولاءات المطلقة.

المغرب لا يُداري أحدًا، ولا يشتري صمتًا، ولا يبيع كرامته في بورصة التقييمات الدولية، بل يمضي في طريقه بثقة، مدركًا أن الطريق نحو الحرية لا يُعبد ببيانات المنظمات، بل بدماء الرواد، وعرق الإصلاحيين، ووعي شعب يرفض أن يُدار بجهاز تحكم عن بعد من عواصم لا ترى فينا سوى تابع، أو تصنيف قابل للتعديل.

وفي النهاية، نحن لا نطلب شهادات من أحد… بل نكتبها بأنفسنا، كل يوم، على أرض الواقع.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح