المزيد من الأخبار






تكنولوجيا الإعلام.. تحول جذري وانقلاب في منطق الإدارة الصحفية


ناظورسيتي: مريم محو

لم تعد الصحافة كما عهدناها من قبل، فبعدما غزت التكنولوجيا عالمها باتت قواعد إدارتها كعمل يمارس داخل المؤسسات الإعلامية تبنى على طرق غير الطرق التقليدية التي كانت تتأسس عليها سابقا، ذلك أن الرقمنة فرضت على هذا القطاع واقعا جديدا لم يكن خيارا بقدر ما كان ضرورة وحاجة، وكان عاملا أساسيا في إعادة تشكيل البنية الداخلية لهذه المؤسسات.

وقد خلقت تكنولوجيا الإعلام، واقتحام الرقمنة لقطاع الصحافة، تحولات عميقة في سبل تدبير وإدارة العمل الصحفي، وذلك بشكل أعيدت معه هيكلة الموارد البشرية للمؤسسات الإعلامية، وغيرها من الموارد الأخرى، ما بات يطرح تحديات عديدة أضحى يواجهها مختلف الفاعلين في المجال بشكل متزايد.


وظائف جديدة وفرص أكبر

في هذا السياق، يرى محمد كريم بوخصاص، أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، أن أسلوب إدارة المؤسسات الإعلامية تغير بشكل كبير بفعل التكنولوجيا.

وأفاد بوخصاص، في تصريح له، أن هذه المؤسسات الإعلامية، انتقلت من نماذج التنظيم التقليدية المعتمدة على التسلسل الإدراي إلى نماذج اعتبرها أكثر مرونة وانفتاحا.

وقال المصدر ذاته، "إن تنظيم العمل داخل المؤسسة أصبح يعتمد على المنصات الرقمية وعلى برامج التواصل وإدارة المشاريع في مواقع التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى ظهور وظائف جديدة مثل مسؤولي إدارة التواصل الاجتماعي وبروز صحافيين متعددي الوسائط، ناهيك عن توزيع أسرع وأكثر فاعلية للمهام بين الفرق".

كما أوضح الأكاديمي والصحافي السابق، أن اكتساح التكنولوجيا للمؤسسات الصحفية، أصبح معه التواصل الداخلي أكثر سهولة، وبات معه العمل عن بعد ممكنا أيضا، مبرزا أن ذلك ساهم في تعزيز التعاون بين الأقسام وتوفير الوقت وكذا في تقليص التكاليف وتحسين الاستجابة للأحداث والمتغيرات السريعة.

ولفت المتحدث، إلى أن إدماج الذكاء الاصطناعي منح فرصا أكبر للمؤسسات الإعلامية، وسهل العمل ووفر الوقت خلال كافة مراحل الصناعة الإعلامية، بدءا من جمع الأخبار، مرورا بإنتاج المحتوى ونشره، وصولا إلى عمليات الإدارة واتخاذ القرار.

لكنه على الرغم من المزايا الكثيرة للتحول الرقمي، إلا أن "المؤسسات الإعلامية تواجه عددا من التحديات والصعوبات، أهمها المنافسة الشديدة في الفضاء الرقمي، ما يفرض عليها تطوير محتوى جذاب ومتجدد باستمرار؛ على غرار التحديات المرتبطة أساسا بالأمن المعلوماتي وحماية البيانات الشخصية، خاصة مع خطورة الاختراقات الإلكترونية، يستطرد محمد كريم بوخصاص.

مصادر تمويل غير مستقرة

ليست تلك كل التحديات التي تواجه المؤسسة الإعلامية الحديثة، بل ينبه بوخصاص في تصريحه أيضا، إلى "صعوبة ضمان مصادر تمويل مستقرة في ظل تراجع مداخيل الإعلانات التقليدية والتحول نحو الإعلانات الرقمية التي تتطلب مهارات وأدوات مختلفة".

وأكد أستاذ الصحافة والإعلام، على وجود نقص واضح في المهارات الرقمية داخل العديد من المؤسسات الإعلامية، ما "يشكل عائقا كبيرا أمام تقدم المؤسسات في البيئة الرقمية"، مشيرا إلى حاجة هذه المؤسسات إلى كوادر تمتلك مهارات في إدارة المحتوى الرقمي، وتحليل البيانات، فضلا عن مهارات أخرى تهم التسويق الرقمي وفهم خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي.

واعتبر نفس المصدر، أن غياب هذه المهارات يؤثر بطريقة سلبية على عمل المؤسسات الإعلامية، لاسيما على قدرتها على المنافسة، كما يؤثر كذلك على قدرة هذه المؤسسات على تقديم محتوى يلبي احتياجات الجمهور الرقمي، ويبطئ من وتيرة نموها واستطاعتها لمواكبة التحولات التكنولوجية المتسارعة.

في العلاقة بين الصحافي والجمهور

من جهتها، قالت حنان النبلي، الصحافية والمحررة بموقع وصحيفة العربي الجديد، "إنه لا نقاش في أن التكنولوجيا أحدثت تحولا جذريا في عالم الصحافة والإعلام على المستويين الوطني والدولي"، موضحة أن تغيرات عميقة مست خلال السنوات الأخيرة بنية الصحافة وهويتها، وحتى أدوارها وممارساتها.

وذكرت النبلي في تصريحها، أن التحولات التي شهدتها الصحافة بفعل التكنولوجيا، لم تقف عند الأدوات والوسائل والمناهج فقط، وإنما أثرت بشكل مباشر على صلب العمل الصحفي، بدءا من التحرير والنشر وصولا إلى إدارة غرف الأخبار وتحسين محركات البحث، فضلا عن طبيعة كافة المتدخلين في إنتاج المحتوى الإعلامي.

وأردفت المتحدثة، أن العلاقة بين الصحافي باعتباره منتجا للمعلومة والجمهور بكونه مستهلكا لها، لم تعد تقليدية أفقية، إذ أن الصحافي لم يعد المصدر الوحيد للخبر أو المعلومة، كما لم يعد الجهور مجرد مستقبل ومتلق سلبي، بل بات شريكا فاعلا في هذه المرحلة الموسومة بالانتقالية.

ولذلك، أصبح "الصحافيون، في ظل هذه الدينامية المتسارعة، مطالبين بتجاوز مهارات الكتابة التقليدية المتعارف عليها وعلى قواعدها، وأن يتقنوا عبر أدوات إنتاج محتوى متعدد الوسائط يشمل الفيديوهات والبودكاست والرسوم البيانية التفاعلية والأنفوغراف، لكن دون إغفال التحقق من المعلومات في بيئة تعج بالأخبار الزائفة والشائعات"، تستطرد الصحافية بموقع العربي الجديد.

وأضافت المتحدثة، أنه بات ضروريا كذلك، مواكبة إيقاع النشر الرقمي السريع، مع وجوب الحفاظ على الجودة والدقة، وهي معادلة غير سهلة في ظل التنافسية الشرسة.

كما تطرقت النبلي، إلى ظهور مفهوم "المواطن الصحافي"، الذي يوثق الأحداث وينشرها بشكل مباشر على منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما وضع الصحافيين أمام تحدي التحقق من المعلومات وضرورة التحلي بالمهنية والتمسك بمعايير الدقة في خضم انتشار الأخبار الزائفة )NEWS FAKE)، قائلة، "إن المؤسسات الصحافية باتت مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى، بتطوير استراتيجيات فعالة تشمل تعزيز الاستقاللية والمهنية، والتكوين والتدريب المستمر من خلال تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لمواكبة التطورات التكنولوجية والرقمية، وحماية الصحافيين من خلال توفير الدعم القانوني الكافي، والدفاع عن حق الوصول إلى المعلومة".

ووصفت المتحدثة عملها داخل العربي الجديد، بالحافز الإيجابي، لما تتمع به هذه المؤسسة من مهنية، ولحرصها الشديد على مواكبة التحولات الرقمية من خلال التطوير المستمر وتدريب هيئة التحرير على يد متخصصين، بهدف تأهيلهم لمواجهة التحديات التقنية والتحريرية المتجددة، والوصول إلى المستوى المهني المنشود في ظل الإعلام الرقمي.

رقمنة بعقلية إدارية بيروقراطية

لم يكن التحول الذي أحدثته تكنولوجيا الإعلام، بالنسبة ليونس مسكين، مدير موقع صوت المغرب، مجرد تطور في الأدوات، بل فرضت انقلابا في منطق إدارة المؤسسات، ذلك أننا إزاء نماذج عمل مسطحة بدل هرمية.

وزاد مسكين في تصريح له، أن الرتبة الإدارية أو الصحافية لم تعد كافية لضمان النفوذ، لافتا إلى أن المعيار الحقيقي أصبح يتمثل في الكفاءة الرقمية، وفي القدرة على التفاعل اللحظي ومراكمة البيانات وتحليلها.

إن التحرير، لم يعد وفقا للمتحدث عينه، غرفة مغلقة، وإنما أضحى غرفة تحكم تشتغل بتقنية سماها "بالمرايا الذكية"، يرى من خلالها الصحافي، جمهوره لحظة بلحظة، مثلما يتابع تفاعلاته ويعيد تموقعه في لحظة بث واحدة.

وأبرز المصدر نفسه، أنه لم نعد أمام صحافة، بل أصبحنا أمام تدفقات، وهذا ما لا يفهمه الكثير ممن مديري المؤسسات الإعلامية الذين يحنون لآلة "الفاكس" في زمن تحكمه بيانات "غوغل أناليتكس".

وشدد مدير صحيفة صوت المغرب الإلكترونية، على أن أولى العقبات التي تواجه المؤسسات الإعلامية عقب انتقالها إلى الرقمي، مسألة تغيير الذهنيات، ذلك أنه لازال هناك من المدراء من يظن أن الموقع ليس سوى واجهة إلكترونية للجريدة الورقية، وليس فضاء مستقلا له منطقه ومنصاته وسرعة تداوله، وأن الانتقال إلى الرقمي ليس مجرد وضع نسخة PDF، على الموقع.

وفي نفس الإطار، أكد المصدر، على أن هناك أزمة تصور، إذ نتحول إلى الرقمي ولا نمتلك نموذجا اقتصاديا واضحا، موضحا أنه تتم المراهنة على الإعلانات الرقمية في سوق تسيطر عليه شركات واحتكارات عالمية، ما يجعلنا نبني حضورنا الافتراضي على منصات التواصل الاجتماعي التي تعد أرضا لا نملكها.

وذكر مدير صوت المغرب،أنه من أبرز العقبات التي تواجه المؤسسات الإعلامية أيضا، الفوضى التي يعرفها تدبير زمن العمل، بحيث لم يعد هناك بداية أو نهاية ليوم العمل الرقمي، الأمر الذي يخلق استنزافا بشريا وصفه بالكبير، وكذا ضغوط غير مرئية على الفرق التحريرية، ذلك أن المشكلة لا تكمن بالنسبة إلى مسكين، في تحول المقاولات الإعلامية إلى الرقمي، بل في انتقالها إليه بأدوات الصحافة الورقية وبعقليات الإدارة البيروقراطية.

نقص مزمن في المهارات الرقمية

وأقر المصرح عينه، بوجود نقص في المهارات الرقمية داخل المؤسسات الإعلامية، معتبرا إياه نقصا مزمنا لا يقف عند حدود المهارات التقنية فقط، بل يتجاوز كل ما يتعلق بالتعامل مع أدوات إدارة المحتوى و السيو وأدوات التحليل البياني، إلى الافتقار إلى الوعي بوظيفة هذه الأدوات داخل المشروع الإعلامي.

ويعتقد المصدر، أن نقص المهارات الرقمية يعني بالضرورة وجود صحافيين يشتغلون في غرفة مظلمة لا يرون فيها قراءهم، ولا يعرفون كيف يُقيَّم عملهم، ولا أين ينتشر محتواهم ولا كيف يُستَقبَل.

كما يعني هذا النقص أيضا، بحسب مسكين، أن المؤسسات تظل رهينة إما للمنصات الكبرى، أو لموظفين تقنيين يتحولون من شركاء إلى "معقدّي أزرار"، لأنهم الوحيدون الذين يملكون مفاتيح العمل الرقمي.

وخلص المتحدث، إلى أن أسوأ ما في الأمر أن النقص في المهارات الرقمية لا يُقابله تواضع في الخطاب المهني، منبها إلى أنه كثيرا ما يتحول هذا النقص إلى تعال على الواقع، وحنين لزمن الطبع والتوزيع، وكأن العصر سيتوقف في انتظارنا.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح