المزيد من الأخبار






"ترند" يهز الوقار.. رقص فتيات أمام مسجد بالناظور يضع "الحرية الرقمية" في مواجهة "المقدس"


"ترند" يهز الوقار.. رقص فتيات أمام مسجد بالناظور يضع "الحرية الرقمية" في مواجهة "المقدس"
ناظورسيتي: أيوب الصابري

لم تكن بضع ثوان من الرقص والغناء أمام سيارة فارهة، كافية لمرورها مرور الكرام عبر منصة "تيك توك"، حين اختارت ثلاث فتيات بمدينة الناظور اتخاذ مسجد محمد السادس خلفية لمشهد "استعراضي". هذا الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم، لم يكن مجرد محتوى رقمي عابر، بل تحول إلى فتيل أشعل نقاشا محليا حول حدود الجرأة الرقمية وحرمة الأماكن المقدسة.

فور انتشار المقطع، اجتاحت موجة من الاستنكار العارم منصات التواصل الاجتماعي. اعتبر الكثير من الرواد أن اختيار "خلفية المسجد" لممارسة الرقص والغناء يمثل إساءة مباشرة لحرمة بيوت الله وتحديا لمشاعر الساكنة المحافظة. وتوالت التعليقات المطالبة بضرورة تدخل السلطات لردع ما وصف بـ"التسيب القيمي"، معتبرين أن السعي وراء "اللايكات" و"الترند" لا يبرر استباحة فضاءات لها رمزية روحية ووقار خاص.


في المقابل، برزت أصوات - وإن كانت محدودة- تحاول تهدئة حدة الغضب. أصحاب هذا الطرح اعتبروا أن الفتيات كن يتواجدن في "فضاء عام" وليس داخل باحة المسجد أو حرمه المباشر، وأن وجود الصومعة في الخلفية قد يكون عفويا أو ناتجا عن جمالية معمارية لا غير. وحسب هؤلاء، فإن الأمر "لا يستدعي كل هذا الغضب أو التهويل"، محذرين من السقوط في فخ "محاكم التفتيش" الرقمية التي قد تضخم أحداثا بسيطة.

المعضلة الكبرى: الحرية في مواجهة المحافظة
تضعنا هذه الحادثة أمام "المعضلة المغربية" المتجددة: أين تنتهي حرية الفرد وتبدأ خصوصية المجتمع؟ في المغرب، يجد مفهوم الحرية نفسه دائما في مواجهة مباشرة مع جدار "المحافظة" المتين. مما يخلق نوعا من الصدام القيمي المستمر بين الرغبة في التحرر والتمسك بالمقدس.

ويرى الخبراء أن خطورة مثل هذه السلوكيات تكمن في تحويل الفضاء الرقمي إلى منصة لتطبيع المشاهد المستفزة للمقدسات تحت مسمى العصرنة ومواكبة الحداثة، وهو ما يؤدي تدريجيا إلى تآكل الهيبة والوقار اللذين يحيطان بالمؤسسات الدينية والاجتماعية في الوجدان الشعبي.

إن الحرية في الفضاء العام المغربي ليست مطلقة، سواء من الناحية القانونية أو العرفية، بل تظل محكومة بمبدأ عدم الإخلال بالحياء العام وضرورة احترام المعتقدات الدينية، ولهذا فإن ما يعتبره جيل "تيك توك" مجرد ممارسة لحق التعبير، يصنفه حراس القيم والتقاليد كخرق سافر للتعاقد الاجتماعي الأخلاقي الذي يضمن تماسك المجتمع وسكينته.


بين الزجر والتربية.. أي مخرج؟
لم تتوقف المطالب عند الاستنكار الرقمي، بل تعالت أصوات تنادي بتطبيق القوانين الجاري بها العمل في ما يخص المس بالمقدسات أو الإخلال بالآداب العامة. لكن، وبعيدا عن المقاربة الزجرية، يبقى السؤال الجوهري حول دور المؤسسات التنشئوية.

إن مواجهة هذه الظواهر تتطلب تكاتفا بين الأسرة، المدرسة، والإعلام، ليس فقط للمنع، بل لترسيخ قيم "المواطنة الرقمية" والمسؤولية. فالحرية دون وعي بالوقار والرمزية تتحول إلى فوضى، والاحترام لا يعني الانغلاق، بل يعني إدراك أن لكل مقام مقالا.. ولكل مكان قدسية لا تذوب في "فلترات" تطبيقات التواصل.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح