المزيد من الأخبار






بلال مرابط يكتب: متلازمة بنكيران.. حين لا يسقط الاسم في الساحة رغم فعله بالمنصب


بلال مرابط يكتب: متلازمة بنكيران.. حين لا يسقط الاسم في الساحة رغم فعله بالمنصب
بقلم: بلال مرابط

يعيش الوضع السياسي الوطني مرحلة جديدة ولعلها بداية لسياسة معاصرة، وجوهر هذه الأخيرة يتمثل في حين يكون زعيمها "الزعيم بمفهوم العرفي لا اللغوي" و الذي تم تجريده من رئاسة ولاية حكومية بعد فشله في تشكيل الإتلاف الحكومي، ثم من الأمانة العامة لحزبه، هو السائد على المشهد السياسي دون زعماء الأحزاب الذين يتقلدون مناصب وزارية وأخرى قريبة من ذلك.

عبد الإله بنكيران الذي تأثر بوالدته الاستقلالية "التي لم تأكل القديد بمكة" رغم ملوحة لسانه التي تحيل على ذلك، وأيضا بوالده المتدين بالغ التأثر، والده الذي وصفه بالحيي والذي لا أعتقد هذا التأثير يمتد لهذه الأخيرة. نجح في أن يفرض اسمه لا على المشهد السياسي فقط بل اسما مميزا يذكره التاريخ السياسي ككل، والتمييز هنا يخولك حرية الاختيار في تكييفها.

أويُعقل أن يهاجم حزب سياسي يمثل أرقى مؤسسات الدولة يكتسح أعضائه كراسي الحكومة، شخصاً يردف حديثه بقهقهة أو "فهمتيني ولا لا"؟

أم يعقل أن تحمرَّ وجنتا إعلامي دون الثالثة، فقط لأنه وصف "بالنكافة" مبنية للمجهول من مصدر ذكرها؟

أم أنه يعقل أن تعالج مشاكل خول حلها قانونا للحكومة، بتحريض الرأي العام على سياساتٍ قد خلت، وتبرير مشاكل الأمة بتصدير الأزمات ؟

كيف نجح بنكيران في ذلك؟

سنة 2013 عرضت حلقة "THE WALDO MOMENT" من مسلسل الخيال العلمي "BLACK MIRROR". الحلقة التي تعرض شخصية دب كرتوني ساخرة، ثم فجأة تترشح للانتخابات البرلمان البريطاني، الدب الذي بدأت مسيرته بنكات وسخرية، لتتحول هذه الأخيرة الى قوة سياسية محضة.

540499370-2506433663045568-506971628186824774-n


استراتيجيه الدب "والدو" كانت تعتمد بالأساس على إهانة منافسيه وتحقيرهم، نهيك عن السخرية من النظام السياسي ككل. انتقاد وإرباك خصومه نجد له قوة وراء شعبية تفرد بها، شعبيه فقدت كل الثقة في المرشحين التقليديين، أهل الخطاب الرسمي وخاصته، أولو البدل المرموقة والخطابات المكتوبة والوعود المدروسة، "فلخر دلعام اتولي تشد 2000 درهم على كل شهر ويلا ماشديتيهاش جري علينا بلحجر"..."اطاگوح الجالية انعذر دخلة نتندينت"..."اذاوم نك انو وغي اسمام"..وعندما يأتي شخص يمكن القول على أنه يشبه عموم الناس، يخاطبهم بأسلوبهم، يشتم هو الأخر أو يتجرأ على ذلك أحيانا، يتكلم بأسلوب سوقي وزنقاوي بين الفينة والأخرى، فتحمله الأكتاف أن هذا رجل بالخير ممطرنا.. بل هو ما استعجلتم به.. هكذا كان الدب والدو، والمفاجأة؟ أنه كسب الانتخابات!!

وبعيدا عن الدب وبالحديث عن بنكيران "وإن كان في بعد الحجم نظر" نجده ينهج النهج ذاته، نكات وسخرية والتقليل من منافسيه ومن بعض القضايا أيضا، قضايا لا يتجرأ السياسي العادي أن يذكرها ولو سهوا، و مازلت أتذكر خطابه ضمن كلمه مهرجان الخطابي لفعاليات الإصلاح الديمقراطي بالرباط في يوليوز 2011 "المناسبة لم أتذكرها بل اليوتيوب فعل"، و أثناء حملة حزبه الانتخابية والذي كان في أمس الحاجة لكل صوت، لم يكترث أن يهاجم حروف التيفيناغ معبر عن ذلك بقوله "شنو كاتفضلو واش الأمازيغية لي مكتوبة بلعربية ولا الأمازيغية المكتوبة بالحروف بحال شينوية" دون خوفه من أن تتأثر حملته بذلك أو أن يكون لتصريحه عواقب على حزبه ككل..لكن المفاجأة أصبح رئيس الحكومة بعد نهاية نفس الحملة.

جرأة بنكيران لم تظل خارج أسوار المؤسسات بل اقتحمتها أيضا، وهي جملة من الخرجات، كقوله لمجلس الأمة داخل قبة البرلمان "قولو الحمد لله ملي خلاتكم الحكومة تبوردو عليها" أو كقوله "گلبيها گلبيها راها مگلوبة عندك" ثم أردفها بضحكته الشريرة التي لا توحي بأن كلامه مذ قليل كان مجرد نصيحة، نهيك عن "بنادم فاش خاصو يهضر خاص يشوف شنو فالقلب ديالو وشنو فالكرش ديالو" وهذا حديث موجه من رئيس الحكومة داخل قبة البرلمان لنائب ادريس الراضي آنذاك و المحكوم بأربع سنوات في ماي المنصرم على خلفية الاستيلاء على الأراضي السلالية.

وفي سياق سخرية بنكيران بمنافسيه وغير منافسيه، وعندما كان رئيسا للحكومة وأثناء الاستعداد للولاية الحكومية الثانية ضمن الحملة الانتخابية في مهرجان خطابي خرج مخاطبا عموم الناس قائلا "حنا ماعندناش لفلوس اللي غنعطيوكم، و واخا غايكونو عندنا لفلوس مغانعطيوهاش ليكم". كيف لهذا الشخص أن يخاطب الناس بهكذا أسلوب ظنا منه أنه سيحافظ على منصبه مجددا..لكن هذه المرة ليست مفاجأة لأنك تعلم علم اليقين أنه فاز في الحملة ذاتها.

وغير بعيدا عن بهرجت سي عبد الإله، انتشر مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع لصحافي حميد المهداوي وهو يحاوره، مستفسرا إياه عن السبب الذي يحمل رجال الحماية على مرافقتك إلى المسجد ليجيبه قائلا "حيت سي عبد الإله بنكيران هادا واش صحابليك المهداوي ولا"، وهذا المقطع بالضبط انتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي بل أصبح مقطع ساخر “Memes” ينسبه الناشر لنفسه معنونا "أنا فاش كايهدر معايا شي واحد"، وهنا بالضبط يبرز الدور الكبير جدا الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي أو الإعلام البديل كما يصطلح عليه وإن كان في المصطلح نظر. لكن وقاحته إن شئنا قلنا وجرأته أيضا في مواقع التواصل خصوصا، لا نجد لها مقابل في باقي السياسيين وقد استطاع ضيف مقالنا أن يثبت مكانته على هذه المواقع أكثر من أي حزب آخر.

في سياق متصل يوجد مصطلح في علم الاقتصاد يسمى "le matraquage publicitaire” ومعنى ذلك باختصار وتفاديا لأي مشاكل مع الزملاء الاقتصاديين، أنك تعرض نفس المنتوج على المتلقي لأكثر من مرة دون كل أو مل، "إشهارات الأفلام نموذج"، فتجد إشهار نفس المنتج يتكرر لأكثر من 6 إلى 10 مرات في الساعة الواحدة على شخص يفترض أنه يتابع الحلقة كاملة، وليس ذلك لجذب مشاهدات إضافية أو احتمالية مشاهدته من طرف فئه لم تحضر العروض المنصرمة، وإنما ذلك ليقر في ذهن المتلقي منتوجه، وبالتالي خلق جانب عاطفي بين المعروض والمتلقي، "الشيء إذا تكرر تقرر"، وعليه فإن حريتك في اختيار المنتوج مقيدة بما شاهدت وذلك حتما سيدفعك لاقتناء المنتوج أ بدل المنتوج ب من نفس البضاعة..( معجون أسنان، مشروب غازي…) ولعل ذلك مايفسر قول أحدهم أحيانا "شريتها ولكن والله ماعرفت علاش شريتها". وبناء على ماسبق، إلا أنه لا يمكنني أن أجزم أن بنكيران يسير على هذا المصطلح، لكن تداول مقاطعه لسخرية أو تداول اسمه لرد عليه واحتقاره من مؤسسات إعلامية، سياسيين وعموم المواطنين، لا ريب أنه وفق المصطلح الاقتصادي فإن الفائز الأول والأخير هو عبد الإله بنكيران. ولعل عودته لترأس أمانة حزبه خير دليل بعد خروجه المنكسر نتيجة عدم تحالف الأحزاب معه للاستمرار في ولاية ثانية.


بنكيران ترامب هذه الأمة.

إن ظاهرة التأثير التي ترافق شخصية بنكيران تجاوزت الخصوم لتصل الأصدقاء أيضا، وبعيدا عن التأثير الإيجابي والمتمثل في صدارة نتائج انتخابات 2016 ب 125 مقعدا من أصل 395، تأثر الحزب أيضا حين وجد نفسه أمام شخصية يصعب الأخذ والرد معها ونتيجة ذلك تولدت خلافات داخل الحزب ذاته، إلا أنه وبالرغم من الاختلافات القائمة لم يتجرأ مجموعة من الوزراء آنذاك على مواجهته، ربما لدرايتهم بتأثرهم المباشر تحت كنف اسم بنكيران وكأنه شعار حزب أو وعد ضمن برنامج انتخابي.

بالموازاة مع ذلك خرج وزير الوظيفة العمومية الأسبق عزيز الرباح في بودكاست على اليوتيوب مؤخرا قائلا: "انا وسي عبد الإله بن كيران كنا مختالفين على مجموعة من الأمور..ولكن راه رئيس حكومة واش ما نخليوهش يقود!"، لكن هل ذلك حقا احترامآ لمنصبه كرئيس؟ أم أن في ذلك مآرب أخرى؟!

وكيف تعتقد أن شخصيته فاعلة بعموم المواطنين إن كانوا سياسي حزبه يخشونه ويشملهم التأثير؟ إن كل هذا الخطاب وأكثر جعل فئة واسعة من المواطنين يرمقونه بنظرة المخلِّص والمخلِص، جاء ليكشفهم "تراه اش كيدير ليهم ولا".

شعبية مكتسبة بعد أن نصب نفسه زعيما للشعب أنا منكم وإليكم انظروا ها أنا حتى أنني أرتدي لباسا غير الذي ألفتموه في السياسيين، وفي الحقيقة إن تمعنا جيدا بين سطور شخصيته نجد أن بنكيران يشبه ترامب لا في حجمه الجسدي فقط بل في وزنه السياسي أيضا، ترامب المثير للجدل الذي وبالرغم من أنه لا يتشارك مع بنكيران في تاريخه السياسي باعتباره رجل أعمال بعيدا عن السياسة، لكن امكانية إثارته للجدل قوية أيضا.

نبدأ الرواية من نهاية الولاية.. حيث ترامب وقبل أن يعود لولايته الحالية خرج من منصبه الرئاسي مكسور الخاطر متشبثا بموقفه المشهور "الانتخابات سرقت" ماجعله يحرض جمهوره على النتائج الانتخابية ونتيجة لذلك، انقلبت هذه الاحتجاجات على رأسه، بعد اقتحام الكونجرس من قبل انصاره ليكون ترامب الرئيس الأمريكي الوحيد الذي تعرض للعزل مرتين خلال ولايته وإن كان بنكيران تعرض لهذه الألية مرة واحده فقط، إضافة لحجبه عن منصات التواصل الاجتماعي أيضا الذي يتشارك فيها مع بنكيران بسبب حجبه من القنوات التلفزية وإن كانت هذه النقاط على سبيل الطرفة وكردود فعل لا كأفعال صادرة منهم، إلا أنه يتشابه بنكيران مع ترامب في تنصيب نفسه زعيما وأن الخلاص بيده ويستطيع ان يجعل النقاش ساريا حتى بعد تركه للمنصب ناهيك عن الإثارة الإعلامية.

إلا أنه بالرغم من هذه الصفات المشتركة وخصوصا في بنكيران، استطاع هذا الأخير أن ينتقل من المعارضة إلى القوة الأولى داخل قبة البرلمان وشعارات محاربة الفساد جذبت له جماهيرية واسعة، لتبدأ في هذه الأخيرة في التراجع بعد إعفائه من تشكيل الحكومة ومما زاد الطين بلة القرار الحكومي بالتطبيع مع اسرائيل لتكون المطرقة لا القشة التي قسمت ظهر البعير، و المفارقة بدأ الحزب يستعيد تدريجيا رونقه خارج المؤسسات بمجرد عودة بنكيران مجددا!! حزب بنكيران للعدالة والتنمية!!!


ما الذي تعنيه هذه الظاهرة للمستقبل السياسي؟

إن شخصية بنكيران لهي شخصية تعدت كل الأساليب التقليدية والشخصيات السياسية المألوفة لتصبح بذلك شخصية معاصرة في بالسياسة، وحتى ترامب نفسه المشابه لشخصية ضيفنا، لم يتقلد منصبه السياسي حتى 2017 وهو تاريخ مرور سنة على انتهاء ولاية بنكيران الحكومية.

وشخصية بنكيران هذه التي أثبتت حضورها بمنصب أو من دون ذلك، أثبتت إلى جانب ذلك أن السياسة ليست فقط مؤسسات أو انتخابات بل أثبتت أنها كاريزما ورمزيات، أثبتت أنه يمكن للسياسي أن يحتظن الحزب لا العكس، أثبتت أن الحملات الانتخابية ليست مطالبة بالبرامج الانتخابية بقدر ما هي مطالبة بسليط اللسان، أثبتت أن الخطاب الرسمي والوعود لم تعد مقنعة بل التهكم وتناول مشاكل المجتمع بسخرية قد يفعل والادهى من ذلك بروز شخصية بنكيران، أثبتت ضعف المنافسة وضعف البدائل وأثبتت ومن دون كلل أو ملل من هذا الإثبات، عن ضعف البدائل السياسية، وعليه "أحب هذه الكلمة لعلاقتي القانونية بها.. لنعيدها" وعليه "تبدوا مثالية أكثر صحيح"، فإن كل ما أثبتته شخصية بنكيران لا قلمي يعكس تحول أعمق في الثقة الشعبية، حيث يبحث المواطن عن وجوه مشابهة له أو قريبه حتى، والتي أكد السيد الأسبق أن السياسة لم تعد أرقام وبلاغات تتلى خلال شاشات التلفاز ببذلات رسمية ولكن بنكيران حولها لخطاب شعبي دون اي رسميات.

وعليه "تتذكر ما قلته بشأن الكلمة صحيح" وإن كان هذا قد يحمل الشباب على الإيمان بأن السياسة ليست نخبوية فقط بل يمكن أن تكون أقرب لناس بلغة "شعبوية" إلا أن الخطر قائم أيضا إذا ركزت الأحزاب على بناء الشخصيات بدل بناء مؤسسة قوية تماما كما يحدث لفريق كرة القدم يعج بالنجوم لكن.. كلٌ في وادٍ يعمه بحثا عن العدسات بدل بناء الهجمات، وذلك يدفع الفريق لدفع ضريبة أنانيتهم نتيجة عدم تناغم الفريق.

فلعلّك باخعٌ نفسك على أن تعرف رأيي الشخصي في بنكيران…لكنك لن تفعل يا عزيزي..


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح