المزيد من الأخبار






بلال مرابط يكتب: تمويل الحملات الانتخابية الأمريكية..كيف تصنع القرار وتعيد تشكيل العالم؟ “ج1”


بلال مرابط يكتب: تمويل الحملات الانتخابية الأمريكية..كيف تصنع القرار وتعيد تشكيل العالم؟ “ج1”
بقلم: بلال مرابط

في هذا الموضوع، سنحاول أن نفهم سبب متابعة العالم للانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومن يمول هذه الحملات الانتخابية وما يترتب عليها، ثم هل يؤثر تمويل الحملات على صنع القرار، وبالتالي على العالم بأسره؟ ولأن الموضوع واسع ومتشعب، فقد قررت أن أقسمه لخمسة محاور، على أن أنشر محور من هذه الخمسة كل أسبوع إن قدر الله ذلك. وهي على الشكل التالي:

  • لماذا الانتخابات الأمريكية مهمة عالمية؟
  • من يمول الحملات؟ ولماذا؟
  • العلاقة بين التمويل وتمرير القوانين؟
  • ما تأثير تمرير القوانين الأمريكية على العالم؟
  • هل التمويل يوجه السياسة أم أن السياسة هي من تجذب التمويل؟

والآن لنبدأ.


لماذا الانتخابات الأمريكية مهمة عالمية؟


إن الانتخابات الأمريكية ليست مجرد حدث عابر أو نشاط لا يهمنا، بل إن أهمية هذا الحدث تصل حد التأثير المباشر عليك عزيزي القارئ، فالولايات المتحدة هي دولة محورية، ولهذا التأثير فإن أنظار العالم تتجه لبلاد العم سام، لأن سياسات الرئيس والقرارات التي يحملها المشروع الرئاسي لها وزن كبير، لا على أمريكا فقط، بل على العالم ككل.

ومن أبرز أمثلة هذا التأثير، الاتفاق النووي الإيراني (JCPOA)، وهو اتفاق دولي تم توقيعه في عهد الرئيس باراك أوباما سنة 2015 بين إيران ودول عدة، ضمنها الولايات المتحدة.

وببساطة شديدة، يهدف الاتفاق إلى تقيد إيران لبرنامجها النووي.. ومقابل ذلك ترفع عنها العقوبات، ليأتي ترامب في ولايته الأولى ويعلن انسحاب بلاده من الاتفاقية في مايو من سنة 2018، كون هذا الأخير يرى أن هذه الاتفاقية ليست كافية لتجعل إيران لن تصنع سلاحا نوويا.

وبهذا الانسحاب أعاد ترامب فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، غير أن هذا الضغط الاقتصادي لم يؤثر على بلاد فارس وحدها، بل على مشارق الأرض ومغاربها.

فقد ارتفع سعر النفط عالمياً نتيجة انخفاض صادرات إيران، من حوالي 2.5 مليون برميل يوميًا في 2017 إلى حوالي 300 ألف برميل فقط بحلول منتصف 2019، وفق مقال تحليلي لهنري روم، بعنوان "العقوبات: تأثيرها على صادرات النفط الإيرانية" والمنشور بموقع "ذا إيران برايمر" التابع للمعهد الأمريكي للسلام. بينما قفز سعر برميل برنت من 45 دولارًا إلى أكثر من 86 بنفس التاريخ.

وبناء عليه، فقد انخفض العرض العالمي ليرتفع سعر النفط، وبالتالي ارتفاع لاحق في سعر الوقود عالميا، ورغم أن المغرب لا تعتمد على النفط الإيراني لكن نتيجة تأثر السوق العالمية تأثر هو الآخر، ليرتفع سعر البنزين – الذي تعبئه بشكل يومي في سيارتك من محطات الوقود بالناظور مثلا – من 7 دراهم مطلع 2017 إلى 10 دراهم للتر الواحد في 2018 وفقا للمندوب السامي للتخطيط، موضحا أن هذا الارتفاع جاء نتيجة تغيرات أسعار النفط الدولية.

إن قوة التأثير هذه التي تحظى بها الولايات المتحدة، تستمدها بالدرجة الأولى من اقتصادها القوي، وأي تغير في اقتصادها، يؤثر على صادرات وواردات الدول الأخرى، ويكفيك عزيزي القارئ لتستوعب ضخامة هذا الاقتصاد أن تعرف أن ولاية كاليفورنيا —وهي ضمن 50 ولاية — تتموقع ضمن أفضل 5 اقتصادات في العالم بحجم اقتصاد بلغ 4.08 تريليون دولار في 2024، لتحتل المرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة والصين وألمانيا. اقتصاد ولاية واحدة يفوق معظم دول العالم.

أما آلية العقوبات، فتعتمد على هيمنة الدولار، إذ أنه أكثر من 88% من المعاملات التجارية العابرة للحدود تتم به. أي بنك عالمي يتعامل بالدولار – حتى بين دولتين غير أمريكيتين – يمر عبر النظام المالي الأمريكي، مما يمنح واشنطن القدرة على معاقبة المخالفين عبر عقوبات ثانوية.

ومثال ذلك، دفع بنك BNP Paribas الفرنسي مبلغ 8.9 مليار دولار غرامة في 2014 لانتهاكه عقوبات على إيران والسودان، مما منع العمل في السوق الأمريكي وحرم الوصول إلى الدولار. وبالتالي، خسائر إضافية علاوة على الغرامة.

وعلاوة على اقتصادها، نجد الولايات المتحدة تمتلك قوة عسكرية ونفوذ سياسي ودبلوماسي واسع، كحق الفيتو في مجلس الأمن، إذ من خلاله تستطيع نقض أي قرار دولي، حتى وإن كانت كل دول المجلس صوتت لصالح القرار، كما فعلت مرارا مع مقترح وقف إطلاق النار في غزة.

ونتيجة لكل ماسبق، فإن البنوك عادة ما تلتزم بالقواعد الأمريكية تلقائيًا، سمعنا وأطعنا، مما يجعل أي دولة مستهدفة تجد صعوبة كبيرة في استخدام الدولار للتجارة الدولية حتى لو استطاعت جمعه، ويظهر هذا بوضوح في قضية انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات، حيث أُجبرت إيران على التكيف مع ضغوط اقتصادية وسياسية كبيرة انعكست على الأسواق العالمية كما أشرنا لذلك.

وكمثال إضافي وحديث على حجم النفوذ الأمريكي، فقد أعلن ترامب قبل أيام قليلة قرارًا يقضي بإغلاق المجال الجوي أمام فنزويلا. ورغم أن فنزويلا دولة ذات سيادة ولا تخضع إداريا للولايات المتحدة، إلا أن معظم شركات الطيران العالمية سارعت إلى الالتزام بالقرار، خشية التعرض لعقوبات أمريكية قد تطال نشاطها الدولي.

ووحدها الطائرات الكولومبية إضافة لبنما، واصلت عبور المجال الجوي الفنزويلي، علما أن علاقاتها مع واشنطن ليست في أفضل حالاتها، وهو ما يعكس حقيقة بسيطة: مخالفة أي قرار صادر عن الولايات المتحدة يعني تكلفة باهظة.

بل أن ترامب ذهب أبعد من ذلك، إذ طلب من نظيره الفنزويلي الاستقالة وترك البلاد، وفق ما أفادت به صحيفة "ميامي هيرالد" الأمريكية، وتبرر الإدارة الأميركية الخطوة بأنها إجراء ضمن حملتها على تهريب المخدرات والجريمة المنظمة، وتقديمها باعتبارها مسعى لضبط الأمن في المنطقة.

ولكل هذه الأسباب، تخشى الدول من مخالفة قرارات الولايات المتحدة، خشية فرض عقوبات، أو توقيف امتيازات، لتجد نفسها بمعزل عن أي نمو اقتصادي، وقل مانجد دول تحافظ على مكاسبها من رئيس لآخر، كما فعلت المغرب تماما في ملف الصحراء المغربية إذ وحدت مواقف إدارة الرئيس السابق جو بايدن وإدارة ترامب باعترافهم بالصحراء المغربية، مثال عن القوة الناعمة للدبلوماسية المغربية.

وبعد أن فهمنا مدى تأثير سياسات الرئيس الأمريكي على العالم، تبرز أهمية السؤال التالي: من يمول هذه الحملات الانتخابية التي تمكن المرشح من الوصول إلى السلطة لممارسة هذه السياسات؟ ولماذا؟”

يتبع…



تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح