المزيد من الأخبار






المصالحة مع الريف: شهداء وضحايا 19 يناير 1984، الموت مرتين والمصير المجهول


المصالحة مع الريف: شهداء وضحايا 19 يناير 1984، الموت مرتين والمصير المجهول
نـاظورسيتي: م. زاهـد

في أقصى مقبرة "سيدي سالم"، المتاخمة لـ "إكَوناف"، يحيط حائط متوسط الإرتفاع بـ "مقبرة" صغيرة موجودة بذات المقبرة التي اعتادها أهل مدينة الناظور دفن ذويهم، وتوجد في الجانب الأيمن المقابل لباب المقبرة – وحمداً أن لها باباً يحميها ويقيها شر الدنيا- تعود لرفات شهداء انتفاضة 1984، من الذين سقطوا برصاص لَعْلَعَ ذات نهار في أحياء متفرقة من الناظور، وانتهت حكايتهم. لكن كيف بدأت هذه الحكاية ذاتها؟

الـ "وفاة" الأولى...

في حفريات الذاكرة، أن مِن بين هؤلاء مَن كان يومها أمام باب منزله يلعب "بُولاَ" غير آبه بما يجري حتى وجد نفسه جثة هامدة وقد اخترقها رصاص القوات النظامية. كما أن من بينهم من خرج ولم يعد إلى منزله منذ تلك اللحظة وظل مجهول المصير، حتى قيل أنه يفترض أن يكون من بين من وُجدت جثته أثناء عملية حفر بكثنة الوقاية المدنيّة. بل، وفيهم من كان يافعا في عمر الزهور أو تلميذا يتلمس طريقه نحو استكمال دراسته وتحقيق حلمه، وفيهم حالات مختلفة هي أقرب إلى قصص مؤثرة منها لحكايات واقعية، لكنها كانت ذات مصير واحد، انتهى بهم الأمر جثثا مجهولة، لكن شاءت الأقدار أن "يُكشف" عنها "صدفة" بثكنة الوقاية المدنية بمدينة الناظور، ذات يوم من ربيع 2008، بعد مرور 24 سنة عن "وفاتهم" الأولى برصاص حي قيل في البدء أن من الذخيرة التي تستعمل في التدريبات أو المناورات، إلى أن بدأت تتساقط ضحايا وشهداء "انتفاضة الخبر"-حيث جاء اليقين-، وهي نفس الأحداث الجماعية التي شهدتها مدن الناظور، والحسيمة، وتطوان، وبركان، ومراكش...

الـ "وفاة" الثانية...

في اليوم الذي "عُثر" فيه على جثث كانت قد دفنت في مقبرة جماعيّة بالمكان المذكور، صدر بلاغ في الموضوع عن الوكيل العام للملك، وهرع بعدها أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان حينها، إلى الناظور. أُخذت الرفات التي "اكتشفت" ذات صدفة إلى المستشفى الإقليمي بالناظور، وقيل أنها تعود لضحايا الأحداث الجماعية لـ 19 يناير 1984، وتنفست الصعداء عائلات هؤلاء، قبل أن توارى الثرى "بقايا" أجساد حية أثخنها رصاص العسكر الذي نزل بثقله ذات "خميس أسود" وأرداها جثثا هامدة، بمقبرة "سيدي سالم"، في انتظار ما ستسفر عنه عملية تحديد هوية الضحايا ونتائج تحليل A.D.N، بعد أن أخذت عينات لعائلاتهم، وهو الأمر الذي طال انتظاره، بعد أن طال انتظار الكشف عن مصير فلذات أكباد هذه العائلات، التي أعيد دفنها في قبور، منها التي لا تحمل أية إشارة إلى صاحبها وهويته، كأنها "الوفاة" الثانية لهؤلاء، وقد ضاع مصيرهم حتى وهم رقود.

وحدها عبارة "وفاة خلال أحداث الناظور الأليمة سنة 1984، إنا لله وإن إليه راجعون"، تلازم اللوحة الرخامية الموضوعة على كل قبر. ووحدها لوحة رخامية أخرى كبيرة الحجم ومؤثثة بعبارات تفيد بسياق "وفاة" هؤلاء الموضوعة رفاتهم بشكل مرتب، وضعت هي الأخرى لتُجاور هذه "القبور"، وانتهى الأمر.

هل انتهى الأمر؟...

هو السؤال الذي تجيب عنه الحالات العالقة والمجهولة المصير لحد الساعة، وهو السؤال الذي يجيب عنه تأكيد فاعلون حقوقيون على وجود مقبرة جماعية أخرى لشهداء وضحايا الأحداث الجماعية سنة 1984، وهو السؤال الذي يجيب عنه تقييمنا لما يسمى ب "جبر الضرر" الجماعي والفردي، وحفظ الذاكرة، وكشف الحقيقة، والمصالحة...















تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح