المزيد من الأخبار






القضاء بين المطرقة والهاشتاج


القضاء بين المطرقة والهاشتاج
ناظورسيتي: بلال مرابط

في قاعات المحكمة، تُرفع الجلسات احترامًا للقانون، وتُنطق الأحكام باسم جلالة الملك. لكن في الخارج، على المنصّات، تُرفع شعارات، وتُنطق اتهامات، ويُحاكِم الرأي العام القضاة قبل أن يحاكِموا المتهمين.

في حالات عديدة، تُصدر المحاكم الابتدائية أحكامًا يُفترض أنها قائمة على أدلة وقرائن. لكن ما إن تُعلن، حتى تنهال التعليقات، وتشتعل الصفحات، ويبدأ جمهور الإنترنت في تقليب الملفات بلغة الغضب، لا بلغة القانون. والغريب أن الحكم في مرحلة الاستئناف، أحيانًا، لا يُعيد فقط النظر، بل يُغيّر وجه القضية بالكامل… كأن القاضي وضع أذنه لا على الأوراق، بل على ضجيج "الترند".

التساؤل هنا لا يمس القضاة بأشخاصهم، بل بالظاهرة ككل:
هل القضاء في مأمن من تأثير الرأي العام؟
هل الأحكام تُبنى في صمت المداولة أم في ضجيج النقاش العام؟

في بلدٍ اختار أن يجعل من القضاء سلطةً مستقلة، وأن يضع القاضي في منأى عن التجاذبات السياسية والإعلامية، تبدو هذه المفارقة مؤلمة. لأننا، شئنا أم أبينا، نلاحظ تكرارًا لحالات تتغير فيها الأحكام استئنافيًا بطريقة يصعب فكّ شيفرتها قانونيًا، لكنها تُفك بسهولة عندما نربطها بالزخم الجماهيري الذي رافق القضية.

من حيث المبدأ، الرأي العام ليس عدوًا للعدالة. بل قد يكون رقيبًا نزيهًا على أداء المؤسسات، وضامنًا للشفافية. لكن حين يتجاوز موقع "الملاحظ" إلى موقع "المؤثر"، يصبح الخطر قائمًا… لأن العدالة لا يُفترض أن تُدار بالضغط، ولا أن تُساق بالانفعال.

لا أحد يُنكر أن للقاضي هامش تقدير، وأن الاستئناف مجال لإصلاح ما قد يُعتبر خللاً في المرحلة الابتدائية. لكن حين يصبح هذا "الإصلاح" مرتبطًا بمدى تفاعل الجمهور مع الحكم، يفقد القضاء جزءًا من هيبته، ويتحوّل إلى سلطة تابعة، لا مستقلة.

ربما لا يطلب المواطن الكثير. لا يريد أن يكون القضاء معزولًا عن واقعه، ولا أن يُحاصَر القضاة في أبراج من العاج. لكنه يريد أن يشعر أن الحكم صدر بناءً على ما في الملف، لا بناءً على ما في "التايملاين".

يريد أن يطمئن أن العدالة لا تُراجع قراراتها خشية هاشتاغ، ولا تُخفف أو تُشدد إلا بميزان القانون.

وقد لا يكون المطلب معقّدًا… فالقاضي لا يُطلب منه أن يصمّ أذنه، بل فقط أن يُبقي قلبه مع النص، لا مع العاصفة.
لأن العدالة، في النهاية، مثل الطريق… لا تُدار بالغضب، بل تُضبط بالاتزان.
والسؤال الذي يظل طارحا نفسه هو: هل بالفعل تتأثر هيئة الحكم بالرأي العام؟ أم أنها مجرد تهيأت.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح