المزيد من الأخبار






الفنان الريفي "علي أجواو" في حوار شيّق مع ناظورسيتي: هكذا بكى معلمي وأنا أُجوِّد القرآن في المسيد


الفنان الريفي "علي أجواو" في حوار شيّق مع ناظورسيتي: هكذا بكى معلمي وأنا أُجوِّد القرآن في المسيد
ناظورسيتي - حسن الرامي


يستضيف موقع ناظورسيتي، في هذا الحوار الفني، الفنان الريفي علي أجواو سليل بلدة بني أنصار المشتهر بلقبه "ميس ن تمورث"، بحيث يحكي عن مساره الفني كيف كانت إرهاصاته الأولى وبداياته، كما يلقي الحوار الضوء على بعض الجوانب الأخرى التي تقرب القارئ من الفنان الذي استهوته الأغنية الريفية الملتزمة على غرار الرواد الوليد ميمون وخالد إيزري وغيرهم من الفنانين المهجوسين بهمّ الكلمة والأرض والإنسان وكل القيم المثلى.


بدايةً، هلاَّ قدمت نبذة عن نفسك بنفسك؟


بادئ ذي بدء، أوّد أن أشكركم على هذه الدعوة، وعلى هذا اللقاء الحواري.. وكما هو معلوم، اِزددت بمدينة آيث انصار سنة 1965، تابعت دراستي الأولية، والإعدادية، ثم الثانوية بمدينة الناظور إلى غاية سنة 1987. بعد ذلك هاجرت إلى فرنسا، وبالضبظ إلى مدينة "استراسبورغ" حيث أقيم حاليا.

ترعرعت بمدينة الناظور وبالأحياء المجاورة لها، حيث قضيت طفولتي في حي "ايبوحدوثن". هنالك بدأت خطواتي الأولى على درب التعليم العتيق بالكُتَّاب إلى أن ناهزت سنّ السابعة لألج المدرسة العمومية.

مازلت أتذكر معلمي "السي بن عمر" رحمه الله، عندما كنت في السنة الأولى بعد قسم التحضيري وهو جالس أمام مكتبه راخيا أذنيه في هدوء تام، يصغي إلي وأنا أُرتّل القرآن الكريم بطريقة شجية. أخرج المنديل من جيبه، وأخذ يزيل دمعة سالتْ على خده. رمقني بنظرة جياشة من الحب والإعجاب، فأشار عليّ بأن أتابع في التجويد. دقّ الجرس واستعد التلاميذ للخروج من القسم، حينئذ نادني ثم ضمني إلى صدره، وقبّلني بحرارة، قبل أن يمدّ يده إلى جيبه، وأخرج منها صرة من النقود (ثمانية دراهم). أهداني إياها مكافأةً وتحفيزاً.
وفي صبيحة الغد أحضر جهاز أسطوانة (راديو كاسيط) ليسجل إنشادي لأول مرة في حياتي.

حدثنا عن المخاضات والإرهاصات الفنية الأولى التي أنجبت الفنان علي أجواو؟


تابعت دراستي الابتدائية، و الإعدادية إلى غاية سنة 1978 التي صادفت تأسيس جمعية الانطلاقة الثقافية التي كان لها وقع كبير في توعيتي، وزرع الحس النضالي في وجداني. اكتشفت عالما جديدا داخل هذه الجمعية، فأخذت أحضر مجمل الندوات واللقاءات الأدبية، والثقافية والأنشطة الفنية التي أفرزت في نهاية المطاف مجموعة من الفنانين والشعراء والأدباء. فكانت للمجموعات الموسيقية الذائعة الصيت آنذاك، كمجموعة إصفصاون، وإيريزام، وبنعمان، والفنان الكبير الوليد ميمون دور كبير في بناء الفكر المجتمعي، وتوعية الناس. السبب الذي دفعني وشجعني على أن أبدأ تجربتي في الكتابة، والشعر، والرسم، والعزف، والغناء.

"ميس ن تمورث"، لماذا اختيار هذا اللّقب الفني بالضبط؟

"ميس ن تمورث".. آه على هذا الإسم!! هذا الإسم الذي يحمل في طياته الكثير من الدلالات والمعاني.. لقد اخترته، لأحتمي به من وجع الغربة، ومرارة بُعدِ الوطن، ولأحس به بالقرب من موطني، ولأظل متمسكا بالحبل الذي يربطني به لغةً، وثقافة، وحضارة.

إن شئنا تصنيفك؟ هل في خانة فنان ملتزم، أم فنان قضية أم فنان ريفي يمكنه الشدو والغناء بكل الألوان الموسيقية وبأي لغة أخرى غير الأمازيغية؟


منذ أن هاجرت أرض الريف العزيزة، واغتربت إلى الضفة الأخرى، ما فتئت أفكر دوما في هذه الأرض الطيبة، السخية، المعطاء. أين نشأت وترعرعت، تعلمت فيها كل ما هو جميل. أحببت فيها كل شيء. طبيعة تضاريسها، وهوائها النقي، وعذوبة مياهها، ووديانها، وسهولها، وطيبوبة أهاليها، ورونق بحيرتها "مارتشيكا".

ميس نتمورث، إنسان أفرزته بيئته ليعبر من خلال أغانيه عن وجع الحياة، وآلام الضعفاء والمقهورين والمضطهدين. رسالته النبيلة، أن يعمّ الحب والإخاء، والسلام بين الشعوب. عندما اخترت هذا الاتجاه (الفن الملتزم) تيقنت أنه الحل الأنجع في تغيير أخلاق وسلوكيات المجتمعات.. بالنسبة للشدو والغناء، سأكون جد سعيد إذا ما سنحت لي الفرصة أن أغني بلغة أخرى. واعتبره بطبيعة الحال، مكسبا وإثراء لتجربتي الفنية.

يلاحظ أنك غائب عن تأثيث المهرجانات المقامة بالريف.. إلى ما يرجع السبب في نظرك؟


لقد بدأت العزف على آلة القيثارة في سن مبكرة، وكنت أشارك أصدقائي في بعض المناسبات، كنا نتمرّن على مجموعة من الأغاني المعروفة آنذاك. فقد كانت جل انطباعاتهم جدّ إيجابية بكل ما أقوم به. فقد كانوا يشجعونني دائما بإنتاج شريط غنائي ليخوّل لي مكانة في الساحة الفنية بالريف. لكنني كنت دائما أتردد ولم أفعل.

عندما هاجرت إلريف نحو فرنسا في آواخر الثمانينات، اكتشفت حياة أخرى، ونمطا جديدا، وفي رمشة عين تغيّر كل شيء أمامي. لقد تعرفت على عادات وتقاليد الفرنسيين، وعلى طريقة تفكيرهم، كما لمست منهم الحب وفعل الخير، وحسن الأخلاق والمعاملة الطيبة والمساواة، لذا حاولت أن أتأقلم مع هذه الحياة الجديدة، واستطعت أن أندمج بسرعة، إبّانها انكببت على كتابة الشعر والقصة.

وفي سنة 2002 قررت تسجيل أول شريط غنائي، فشددت الرّحال إلى مدينة انفيرس ببلحيكا. هذا الألبوم الذي لم يسعفه الحظ في أن يرى النور بالمغرب. فاقتصر توزيعه فقط في أرجاء بلجيكا والنواحي. أعدت الكرّة من جديد سنة 2007 في إصدار ألبوم غنائي آخر بمدينة الناظور، لكن مع الأسف الشديد مع ظهور تكنولوجيا النّت والقرصنة، بقي عالقا في رفوف النسيان... أعتقد أن هذا هو العامل الأساسي الذي لم يسمح للجمهور بالتعرف عليّ.

ما مشاريعك الفنية المستقبلية؟

.
حاليا إنني بصدد عمل مشترك مع الفنان فهد بوتكونتار المعروف بـ"سيفاكس" بتصوير فيديو كليب. سيكون مفاجأة الموسم الحالي بحول اللـه. وسيكون هذا العمل الفني الجديد مناسبة لكي يتعرف الجمهور عليّ عن قرب. واغتنم الفرصة لأقدم له شكري وتقديري. فهذا الفنان المتألق الخلوق لم يبخل يوما في مساعدتي على تحفيز الذات والوصول إلى طريق النجاح.

هل ترى أي مستقبل يلوح في الأفق للأغنية الملتزمة؟


في الوقت الراهن، تراجعت الأغنية الملتزمة بشكل ملحوظ لتحل محلها ألوان غنائية جديدة. لقد كانت رائدة في بداية السبعينات من القرن الماضي، بحيث جاءت كي تعالج مجموعة من القضايا وترصد هموم الشعب. غير أن الوضع تغيّر تماما خلال السنوات الأخيرة. إذ نلاحظ هيمنة الأشكال الغنائية الجديدة التي يراها البعض مسايرة للعصر. بحيث استفادت من كل أشكال الدعم لفرض وجودها. بخلاف الأغنية الملتزمة التي أضحت في نظر البعض لا تواكب الركب. وهذا في حقيقة الأمر يعتبر حيفا في حقها.. أتمنى من صناع القرار تدارك الموقف، وتصحيح وجهة النظر، وتخطي الهفوات، وتعميق النظرة الشمولية بهدف خلق رؤية صحيحة في توظيف الفن لبناء صرح الإنسان.

ماذا يعني بالنسبة إليك رائد الأغنية الريفية "الوليد ميمون" ونظيره " خالد ايزري"؟


الوليد ميمون، عملاق الأغنية الملتزمة بالريف بدون منازع. فنان موهوب عن فطرة. لقد قدم ثراء من العطاء للريف، وغنّى للكادحين والمعوزين واليتامى والضعفاء والطلبة. كما جاشت قريحته أيضا أن يعبر عن ظلم المرأة، والنظرة الدونية في حقها، وذلك وسط مجتمع تسوده العقلية الذكورية، وتنخره الأعراف والعادات والتقاليد البدائية. ستبقى أغانيه خالدة وراسخة في الأذهـان.

أما بالنسبة للفنان المبدع والمحبوب خالد إيزري، يبقى رصيده أيضا ثريا وحافلا بالعطاء. شقّ طريقه بنفسه ليسطع إسمه في سماء الأغنية الملتزمة بالريف.

كلمة حرة اخيرة تود قولها


أشكركم على هذه الاستضافة، لقد كان حوارا ممتعا وشيقا. تناولنا فيه مرحلة هامة من حياتي ومسيرتي الفنية.. لا يسعني إلا أن أنوّه بطاقم موقع ناظورسيتي على المجهودات المبذولة لإيصال صوت الفنانين إلى الجمهور الكريم.








تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح