المزيد من الأخبار






السنة الأمازيغية الجديدة بين الحدث التاريخي ودلالاته وضرورة الاعتراف السياسي


السنة الأمازيغية الجديدة بين الحدث التاريخي ودلالاته وضرورة الاعتراف السياسي

بقلم: وكيم الزياني

لا شك أن وقوفنا إلى هذه المحطة يعود بالأساس إلى ما تحمله من دلالات وقيم رمزية مترسخة في ذهنية المخيال الجماعي للإنسان الأمازيغي وما تشكله من حمولات دلالية في تاريخه وثقافته، واستقرائنا البسيط لتشكل المخيال الجماعي لدا الشعوب والمجموعات البشرية وحتى عند الأفراد في علاقته بتقويمهم الوجودي الحضاري والثقافي التاريخي والحياتي اليومي، دائما ما نجد هناك حدث معين تؤرخ من خلاله لصيرورتها التاريخية، ومنه كذلك تستقي تقويمها الزمكاني، وهذه الأحداث قد تكون تعبر عن نكسات الشعوب وانكساراتها وعن مآسيها، كما قد تكون تعبر عن انتصاراتها وتحولات مفصلية في تاريخها.

فمثلا إلى عهد قريب كان الريفيين يؤرخون لحياتهم اليومية نسبة لأحداث كبرى عرفها الريف، حيث نجد من كان يؤرخ لما عرف ب "عام الجوع" أي عام المجاعة الذي عرفته الريف وذلك نظرا لما شكلت هذه السنة من لحظات مأساوية لا تنسى لدا الريفيين، وهكذا نجد اليوم أن فلان ولد أو توفي قبل أو بعد سنتين –أو أكثر أو أقل- من "عام الجوع"، وقد نسمع عند الريفيين أنفسهم تأريخا آخرا، يعود لما عرف في المخيال التاريخي الريفي ب "ثارزيت أورومي" التي يقد بها معركة أنوال، حيث نسمع عند الريفيين، أن فلان تزوج بعد سنتان من "ثارزيث أورومي" ونفس الشيء مع الأحدات التاريخية التي عرفها الريف مثل "عام ن اقبارن" انتفاضة الريف وغيرها من الأحداث التي عرفها الريف، وهذه السمة في التأريخ توجد عند جميع المجموعات البشرية وذلك طبقا للأحداث التي تعرفها في صيرورتها التاريخية.

فتأريخ الشعوب لنفسها ينطبق عليها نفس الشيء، حيث نجدها تؤرخ لتقويمها الزمني من خلال أبرز حدث تاريخي أو ديني عرفته، فمثلا السنة الهجرية أو التقويم العربي يعود إلى حدث مفصلي في تاريخ نبي الاسلام ذو دلالة دينية ألا وهو هجرة الرسول (ص) من مكة للمدينة، ونفس الشيء ينطبق على السنة الميلادية أو التقويم المسيحي، الذي يؤرخ لحدث ديني كذلك يعود إلى يوم ميلاد المسيح عليه السلام، كذلك نجد نفس الشيء مع السنة العبرية أو التقويم اليهودي الذي يعود إلى ظهور أول نسخة من كتاب لتوراث، فاذا كانت هذه التقويمات التي ذكرناها معروفة للجميع من حيث دلالاتها والأحداث الدينية التي تعود إليها وما تحملها من قيم ثقافية في مخيال شعوبها، فماذا عن السنة الأمازيغية التي تخلدها وتحتفل بها غالبية سكان روبع تامازغا –شمال افريقيا- مع بلوغ كل يوم 13 يناير من كل سنة –ميلادية- الكل حسب تقاليده وطقوسه التي ورثوها عن أجدادهم وآبائهم رغم أن الكثير منهم يجهلون قيمة هذه المحطة التاريخية الموشومة في ذاكرة الانسان الأمازيغي ودلالاتها؟

التقويم الأمازيغي حدث ودلالات لتاريخ عريق في عرضة تكالب التاريخ الرسمي

تختلف تسمية هذه المحطة من رواية تاريخية إلى أخرى، كما تختلف تسميتها من منطقة لأخرى من داخل شمال افريقيا، وهذا يعود بالأساس إلى تكالب وزيف التاريخ الرسمي عن تاريخ شمال افريقيا عامة، حيث تذهب الرواية الرسمية إلى تسمية هذه السنة ب "السنة الفلاحية" من خلال ادعائها أن هذا اليوم يوافق تحول النمطين الشمسيين هما، الانقلاب الشمسي الشتوي أو الصيفي والاعتدال الربيعي أو الخريفي، وهي الفترات التي توافق انطلاق جملة من الأعمال الزراعية والفلاحية في منطقة تامازغا، لهذا كان الامازيغ يعتقدون أن 13 يناير مناسبة لتجديد القوى الروحية للأرض من خلال ممارسة بعض الطقوس يرجى منها إبعاد شبح الجوع والتماس أسباب الخير والسعادة التي لا تكون بالنسبة للإنسان الامازيغي إلا بوفرة المحاصيل، فبداية هذا العام تشكل نهاية وخاتمة للمؤونة الماضية أو بداية التحضير للمحصول القادم. فلو أخذنا بهذه الرواية واعتبرنا هذه التسمية صحيحة، لماذا يعود تأريخ لهذا الحدث إلى سنة 950 قبل الميلاد؟ هل حدث تغير وتحول مناخي في شمال افريقيا في سنة 950 ق.م؟ لنفترض حدث تغير مناخي معين، لماذا اختصر هذا التحول المناخي على منطقة شمال افريقيا وحدها؟ مع العلم أن المناخ السائد حاليا هو نفس المناخ الذي يسود جنوب كل أوروبا؟ ولماذا لم يحدث تحول مناخي في دول جنوب الصحراء؟ إذن هذا الإدعاء وهذه التسمية لا أساس له من العلمية والموضوعية التي من الممكن أن تسمي التسميات بأسمائها الحقيقية وبكل ما تحمله من معاني ودلالات في تاريخ الشعب الأمازيغي ومخياله القيمي والأنتروبولوجي.

يطلق على تسمية هذه المحطة تسميات مختلفة حسب اختلاف المناطق، ففي الريف مثلا يسمى هذا اليوم ب "أمغار" ويذكر في مناطق أخرى بليلة "الناير" أو يناير، وهناك من يطلق عليه "إض – سكاس" أو رأس السنة دون أي إشارة إلى السنة المقصودة ونجد البعض الآخر يسميه "حكوزة"، وهناك من يسمي هذا اليوم ب "ينير" وهي عبارة أمازيغية مركبة من كلمتين وهما "يان" التي تعني الأول ، و"أيور" التي تعني الشهر، بمعنى "الشهر الأول"، ويطلق البعض على هذه المناسبة "تاكورت أوسوكاس" وتعني "باب السنة"، لذلك يعتبر"ينير" الشهر الأول في اللغة الأمازيغية وأول الشهور في التقويم الأمازيغي، ونجد أمازيغ ليبيا يطلقون على هذه المحطة "ئخف ؤسوكاس" التي تعني بالعربية رأس السنة ونجد كذلك أن الليلة التي تسبق 13 يناير -12 يناير- تسمى "ئض ؤفرعون" التي تعني بالعربية "ليلة الفرعون" التي اعتلى فيها الملك الأمازيغي "شيشنق" عرش الفراعنة وغيرها من التسميات التي تختلف من مكان إلى آخر في شمال إفريقيا، لكن رغم هذا الاختلاف في التسمية نجد أن سكان شمال إفريقيا لديهم شبه اتفاق على طبيعة الاحتفال وتشابه بين وفي الطقوس والوصفات المعدة لهذا الحدث.

قبل الحديث عن طبيعة المأكولات والوصفات التي يعدها سكان شمال افريقيا خصيصا لهذا اليوم لا بد من الوقوف إلى الحدث التاريخي الذي تعود إليه هذه المناسبة، والتي تؤرخ لهذا التقويم الأمازيغي، حتى نربط طبيعة هذه الوصفات والمأكولات التي تحضر في هذه المناسبة بدلالاتها التاريخية والثقافية الرمزية بما تعنيه في ذاكرة الانسان الأمازيغي، فالكل يعلم أن الحدث يعود إلى اعتلاء الأمازيغ عشر الفراعنة سنة 950 ق.م، إلا أنه هناك روايتين تاريخيتين لكيفية وصول الأمازيغي اعتلاء عشر الفراعنة، الأولى تقول أن شيشنق أو شيشونغ هو الحفيد الثالث للأسرة الأمازيغية الليبية بويوواوا التي انتقلت للعيش في الدلتا المصرية سنة 1227 ق.م في فترة حكم الملك الفرعوني مينبتاخ Miniptah وكان والد شيشونغ كاهنا في أشهر معبد في مصر، وأن وصوله إلى اعتلاء عشر الفراعنة كان بطريقة سلمية عن طريق الترقي في المناسب السياسية والعسكرية بدون أي حرب بين الأمازيغ والفراعنة، والرواية التاريخية الثانية تقول أن شيشونغ وصل إلى عرش الفراعنة بعد حرب دار بين الأمازيغ بقيادة الزعيم الأمازيغي شيشونغ من أصول ليبية "قبيلة المشواش" والفراعنة، فعليما وموضوعيا أعتبر الرواية الثانية هي الأرجح والأقرب لصواب، لأنه لو كان شيشونغ اعتلى عرش الفراعنة بطريقة سلمية لما كان سيشكل هذا الحدث أي نصر عند الأمازيغ ولما كان يخلد مع مرور كل سنة من سكان شمال افريقيا، والروايات التاريخية تذكر أن وصول الزعيم الأمازيغي شيشونغ إلى عرش الفراعنة لم يكون إلى بعد حروب عمرت طويلا بين الأمازيغ والفراعنة وبالتحديد في عهد الأسرة الواحد والعشرون التي كان يقودها الملك الفرعوني " رمسيس الثالث" والمعركة التي تؤرخ لهذا الحدث التاريخي دارت رحابها في منطقة "بني سنوس" قرب تلمسان الجزائر، حيث يقام سنويا وإلى حد الآن "كرنفال إيرار" والذي يعني الأسد، وذلك تكريما واستحضارا لأمجاد ولقوة ملك "شيشنق" وسلطانه، كما توثق إلى حد الآن النقوش التاريخية المحفورة على عدد من الأعمدة في معبد "الكرنك" في مدينة الأقصر بمصر لهذا النصر العسكري وتتحدث تلك الآثار بالتفصيل عن الأسرة الأمازيغية الثانية والعشرين الأمازيغية التي حكمت مصر منذ سنة 950 ق.م ودام حكم شيشونغ 21 سنة، وحكمة أسرته المكونة من 9 ملوك من فترة 950 إلى 817 ق.م.

الحرب الطويلة التي عمرت لسنين بين الأمازيغ والفراعنة، كانت سببه هجمات وتمردات تنظمها الجيوس الفرعونية على الأراضي الأمازيغية، وذلك باجتياح أراضيهم التي كان يمارسون عليها أعمالهم الفلاحية وأنشطتهم الزراعية من الحرث الغرس وتربية المواشي وغيرها، وهكذا يقوم الفراعنة بإتلاف هذه المحاصيل والأخذ ما يحتاجون منها إلى بلادهم وبالتالي يترك الأمازيغ بدون هذه الغلة التي ينتزعها منهم الفراعنة بقوة جيوشهم الضخمة، وأكثر من ذلك لم يكن الفراعنة يأخذون الغلة التي تنتجها هذه الأرض من الحبوب والقطاني والخضر والفواكه والمواشي وفقط بل كانوا يأخذون معهم حتى البشر لكي يستخدموهم كعبيد لديهم، لذلك كانت الحرب كما تذكرنا بعض الروايات التاريخية مثل أحاديث هيرودوت حول الليبيين مفتوحة بين الطرفين، انهزم فيها الأمازيغ عده مرات، وهذا ما جعل الأمازيغ يوحدوا صفوفهم بقيادة الزعيم الأمازيغي "شيشنق" من أجل إعادة الاعتبار لأنفسهم وكرامتهم ولأرضهم وهويتهم، وبالفعل تمكنوا من الانتصار على الفراعنة بعد حروب دامت لسنين، وبالتالي بقي هذا الحدث موشوم في ذاكرة الإنسان الأمازيغي، ونظرا لما يحمله هذا الحدث التاريخي البارز في تاريخ إمازيغن سيتخذ هذا اليوم كبداية للتقويم الأمازيغي وذلك احتفالا باسترجاع كرامتهم أولا ثم احتفالا باسترجاع أرضهم وكل ما كانت تنتجه من المحاصيل والتي من خلالها تستمد هذه الوصفات والمأكولات التي تقوم الأسر بتحضيرها في هذا اليوم من كل سنة رمزيتها، وتخليدا كذلك لدماء الشهداء الذين سقطوا في أرض المعركة دفاعا عن كرامتهم وأرضهم التي تعتبر لدى إمازيغن رمزا للهوية والعطاء والخصوبة.

ليكن في علم القارئ أن الأمازيغ عند اعتلائهم عرش الفراعنة سنة 950 ق.م وذلك بتأسيس الأسرة 22 بقيادة الملك الأمازيغي "شيشنق" وواصلوا أسرته حكمها لأزيد من قرنين من الزمن، ونقلوا عاصمة البلاد اٍلى ( تانيس) لم يكونوا أبدا كمستعمرين لمصر بل انصهروا في الدولة الفرعونية وحكموها باسمها وليس باسم الدولة الأمازيغية في مصر، وهكذا فالإنجازات التي حققوها تحسب للفراعنة المصريين بقيادة الأسرة الحاكمة الأمازيغية، وتعتبر انجازات الملك الأمازيغي العسكرية ذات أهمية كبيرة لفائدة مصر أنذاك، إذ تمكن من توحيد البلاد وكسب ود الشعب المصري بالحفاظ على موروثهم الحضاري ومعتقدهم الديني، وتمكن من تغيير الكثير من مناحي الحياة أيام حكمه، حيث استطاع أن يتصدى ويقهر التمردات التي كانت تأتي في أيام الأسرة 21 من أورشليم (فلسطين) والحبشة واليمن.

احتفال الأمازيغ بهذه المناسبة يدل عن مدى تشبثهم بالأرض وخيراتها، وهذا الاحتفال يتم ذلك بطرق مختلفة ومتنوعة من حيث المأكولات والوجبات التي تحضرها الأسر من داخل بيوتهم أو عن طريق الاحتفالات الجماعية، حيث نجد في منطقة الريف يقمن العائلات في هذا اليوم بتحضير ما يسمى ب "ثغواوين" أو "ثيموياز" وهي عبارة عن مأكولات جافة تحضر من الحبوب والقطاني، ونفس الشيء بالنسبة للسكان الجهة الشرقية ففي مدينة وجدة نجد في أسواقهم قبل أسبوع عن هذا الحدث وجبات مختلفة من المأكولات الجافة تحضر خصيصا لهذا اليوم، أما في الأطلسين الصغير والكبير فيتبادل السكان خلال هذا اليوم التهاني والتحيات وغالبا ما يكون الاحتفال مشترك بين الأقارب والجيران الذين يمارسون بشكل جماعي فقرات من الرقص والغناء، وتطبخ النساء أطباق من القمح والفول الجاف المطبوخين على شكل حساء وتعرف هذه الوجبة ب "إركمن" أو "أركمين" هذه الأكلة أوردها المختار السوسي في الجزء الأول من المعسول ص:54، وهناك من يحضر طبقا من "المحمصة" مع السمن، أما في الجنوب الشرقي نجد أن الأسر يقمن بالإعداد طبق خاص للمناسبة عبارة "كسكس" بعديد من الخضر والقطاني مما يفسر التسمية التي نسمعها (سبع خضار) في الإشارة إلى تنوع الخضر في طبق هذه المناسبة ، وتوضع نواة التمرة "إغس" في الطعام ومن يجد هذه النواة يعتبر شخصا "مباركا" طيلة تلك السنة، كما أن مؤخرا بدأت الأسر يعدن خلال هذه المناسبة أطباق من اللحوم والدجاج وغيرها، وهذا الاحتفال يخلده حتى المعربون بالمغرب -الناطقون بالدارجة- وهو ما يدل على أنهم سكان أمازيغ أصليون.

السنة الأمازيغية وضرورة الاعتراف السياسي من دول شمال افريقيا

تطالب الحركة الأمازيغية وإيمازغن عامة دول شمال افريقيا باعتبار السنة الأمازيغية عيدا وطنيا ويوم عطلة دافعة الأجر، وذلك حتى يتم ربط الشعب الأمازيغي بعمقه التاريخي والحضاري والهوياتي، وبذاكرة مخياله الجمعي الممتد في أغوار التاريخ القديم، من منطلق فهمها الشامل لإعادة الاعتبار لقيم الانسان الأمازيغي واعترافا بأمجاده وملاحمه التاريخية الكبرى التي صنعها من يوم تواجده فوق هذه الأرض التي تمسى بتامازغا أو شمال افريقيا –باستثناء مصر- حتى يتم التصالح مع عمق تاريخنا الممتد إلى ما قبل التاريخ، بدل تقزيم هذا الجانب وشخصيتنا الوطنية في قراءات سياسية مأدلجة تدعي أن تاريخ المغرب وشمال افريقيا عامة يبتدئ مع مجيء المسمى إدريس الأول هاربا من معركة "فخ" لشمال افريقيا، وبالتالي القول باثنى عشر قرنا من تأسيس الدولة في المغرب، فهذه من القراءات الايديولوجية التي لا أساس لها من الموضوعية والعلمية في الشيء، فالعلمية والموضوعية تستدعى من الباحث التاريخي اعتماد منهجية البحث العلمية التي تعتمد النص والوثيقة التاريخيين، وهذا ما تفتقده القراءة التاريخية الرسمية في تناولها لتاريخ شمال افريقيا عامة، فالقارئ لهذا التاريخ سيستخلص من الوهلة الأولى أن التاريخ الرسمي لا يعكس بالبث والمطلق ما عايشه الانسان الأمازيغي منذ تواجده على هذه الرقعة الجغرافية.

فإلحاحنا على ضرورة الاعتراف بهذه المحطة عيدا وطنيا يأتي من منطلق فهمنا الشامل لإعادة كتابة وقراءة تاريخينا قراءة علمية وموضوعية بعيدا عن القراءات المأسطرة والإيديولوجية، حتى لا تكون هذه المناسبة لحظة عابرة بدون أية دلالات تاريخية وثقافية متجذرة في ذاكرة تاريخ الانسان الأمازيغي منذ القدم، وحتى لا تقزم هذه المناسبة كذلك في احتفالات فولكلورية من منطلقات ثقافوية ضيقة الأفق والمعنى التي لا نكاد نسمع عنها إلا مع اقتراب تاريخ الاحتفال بها –المناسبة- ثم تنسى حتى نفس الموعد في السنة الموالية، يجب أن يعي من يقزم السنة الأمازيغية في هكذا جانب، أن فهمنا لهذه الأخيرة مرتبطة بالمشروع الفكري والثقافي التصحيحي والتجديدي الذي تبنتها الحركة الأمازيغية، هي مرتبطة بفهمنا لتصحيح التاريخ من العصر القديم مرور بالوسيط وصولا إلى تاريخينا المعاصر، حتى لا يقزم تاريخ شخصيتنا الوطنية في قراءات سلطوية ضيقة، وهذا التاريخ لا يبتدئ من 950 ق.م كما قد يفهم البعض، بل أكثروا عمقا من ذلك، كما أن تصحيح هذا التاريخ لا نطالب به ليتم ثم يركن في زوايا الخزانات والمكتبات، بل نريده أن يدرس من داخل منظوماتنا التربوية حتى نربط شعوبنا بأعماقه التاريخية والثقافية والهوياتية ويعي بها.

كما أن وقوفنا لهذه المحطة لا يجب أن يختصر في الحدث الحربي الذي يؤرخ لها بل يجب أن يمتد لما هو ثقافي قيمي رمزي وهوياتي، وذلك من خلال ما تشكله هذه الوصفات والمأكولات والطقوس الاحتفالية في ذاكرة الانسان الأمازيغي، حتى يتم الحفاظ على هذا الموروث الثقافي الأمازيغي وإشعاعه عالميا باعتباره من خصوصياتنا الثقافية، لأن مشروعنا الفكري والثقافي بني أصلا على ركيزة الوعي بالذات في بعدها الشمولي، وتجديدنا لهذا الموروث الثقافي بما يحمله من دلالات في المخيال الجمعي الأمازيغي هو في حد ذاته رد الاعتبار لخصوصياتنا الرمزية من أجل توظيفها بنفس حضاري يتماشى مع قيمتها التاريخية والهوياتية وحاجياتنا اليومية، فشعوب العالم اليوم تبحث عن بصيص ضوء من حضاراتها القديمة لكي تقوم بإحيائها وتجديدها حتى تبني عمق وطنيتها لتقدمها للعالم، كما يحدث اليوم في مصر مع الحضارة الفرعونية، وفي العراق مع الحضارة البابيلية، أو في أوربا مع الحضارة الرومانية واليونانية القديمة، لهذا فالأبناء الشعب الأمازيغي مطالبين بالبحث في تاريخهم القديم وحضارتهم ومن أجل احيائها وتقديمها للعالم هذا الرغم المحاولات التي تقدم عليها الحكومات العروبية لطمس تاريخنا العريق وحضارتنا المتجذرة في القدم، وما محطة السنة الأمازيغية لا جزء من هذا الكل التاريخي والحضاري الأمازيغي.

واعتماد الرأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا سيشكل على الأقل نوع من المصالحة مع ماضي تاريخينا العريق، ثم ربط شعبنا بذاكرته الأصيلة، فالشعب بدون ذاكرة هو الشعب الميت كما يقال، هذا بعيدا عن تقزيم الانسية المغاربية في أعياد متجاوزة قد تسيء إلى كل ما هو وطني حقيقي وتحمل في طياتها حمولات ايديولوجية ضيقة محتقرة للإنسان والتاريخ والثقافة والأرض.
وفي ختامي لهذا المقالة المتواضع أتمنى لكم سنة أمازيغية سعيدة مباركة مليئة بكل المسرات والأفراح، وبالأمازيغية نقول لكم asaggwas dhamaynu dhaghudan 2965


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح