المزيد من الأخبار






الذكرى 104 لملحمة أنوال.. حين قلب الريف الموازين وألهم الخطابي ثورات التحرر في العالم


الذكرى 104 لملحمة أنوال.. حين قلب الريف الموازين وألهم الخطابي ثورات التحرر في العالم
ناظورسيتي: متابعة

في كل عام، يعود المغاربة بذاكرتهم إلى ملحمة أنوال، التي لم تكن فقط انتصارا عسكريا حاسما، بل تحولت إلى أيقونة للمقاومة والتحدي. الذكرى الرابعة بعد المائة لمعركة أنوال المجيدة، تضع من جديد اسم البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي في صدارة صفحات التاريخ الوطني، ليس كرمز للبطولة فحسب، بل كاستثناء في قيادة الثورات التحررية بأسلوبه الاستراتيجي المتقدم.

منذ بداية القرن العشرين، ومناطق الريف تعرف حركات مقاومة عنيفة ضد الأطماع الاستعمارية. وكان المقاوم محمد أمزيان من أوائل الذين تصدوا للغزو، فخاض بين عامي 1907 و1912 معارك شرسة ضد القوات الأجنبية، مكبدا إياها خسائر متتالية، حتى استشهد في 15 ماي 1912، ليترك وراءه جذوة مشتعلة من الصمود الوطني.


وما لبث أن جاء محمد بن عبد الكريم الخطابي ليحمل تلك الشعلة، مستفيدا من إرث أمزيان، ومحولا المقاومة إلى مشروع متكامل سياسيا وعسكريا. بفضل دهائه وحنكته، نجح في تنظيم صفوف المجاهدين، وابتكار أساليب في حرب العصابات سبقت عصرها، معتمدا على التخطيط والتنسيق والضربات المباغتة التي أربكت جيوش الاحتلال.

وفي صيف 1921، وقعت المعركة التي زلزلت الأرض تحت أقدام الاستعمار: معركة أنوال. قوات الاحتلال، بقيادة الجنرال سيلفستر، لم تصمد أمام ضربات الريفيين، فاضطرت إلى التراجع نحو مليلية، لكن المقاومين واصلوا الضغط، ما أدى إلى هزيمة مدوية للعدو. آلاف القتلى من الجنود الإسبان، ومقتل قائدهم الميداني نفسه، في وقت غنم فيه المقاومون أسلحة متطورة، عززت من قدراتهم الميدانية.

ما ميز هذه المعركة ليس فقط حجم الخسائر البشرية والمادية التي مني بها الاحتلال، بل الرسالة السياسية التي بعثتها للعالم: لم تعد التفوق العسكري مضمونًا، ولا الهيمنة الاستعمارية قدرا لا يرد. فقد أصبحت تجربة أنوال مرجعًا لحركات التحرر في آسيا وإفريقيا، ودرسا عمليا في كيف يمكن لقوة شعبية منظمة أن تنتصر على جيوش مدربة.

رغم ذلك، لم تقف الدول الاستعمارية مكتوفة الأيدي، إذ سارعت إلى توحيد جهودها. وبالرغم من التحالف العسكري الفرنسي الإسباني، قاوم الخطابي وأنصاره طيلة عام كامل، تمكنوا خلاله من فرض شروطهم، حيث قبلت القوى الاستعمارية وقف الحرب دون نزع سلاح المقاومة.

وفي 26 ماي 1926، ومع اختلال موازين القوة، فضل الخطابي أن يسلم نفسه للفرنسيين، حقنا للدماء، دون أن يتخلى عن مبدأه. فكان خروجه من الريف نهاية جولة، لكن روحه الثورية ظلت تلهم الأحرار إلى ما بعد الاستقلال.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح