
محمد بوتخريط .
الحي الاداري ، الممر الضيق المسيج!
أو ، حين تتسارع خطواته نحو الانهيار.
كثير من الحبر ...وقليل من الحياء
أوقفتني وانا اتصفح أخبار المدينة عناوين تناولت ما آل اليه حيٌّ يتوسط مدينتي هناك ، الحي الاداري ، انتابني الذهول وانا اقرأ هذه الاخبار واستحضرت في تلك اللحظة الإحصاءات الكثيرة التي تتحدث عنه بصورة تدعو الى القلق.
عناوين أعادت إلى ذهني أشياء كثيرة برزت منذ سنوات قليلة ..
أعادت لي نكبات الحي كلها ، مر شريط طويل في ذاكرتي حافل بالمصاعب والأزمات التي انغمس فيها هذا الحي منذ سنوات، أوصلته إلى هذه الحالة المتردية.
جلست اقلب اوراقي..واوراق الحي و أقلّب العناوين إياها .. تناسلت أسئلة كثيرة بحثا عن أجوبة مقنعة تروي ظمأ التأملات.
جوطية وفرَّاشة ونفايات ... هذا هو حال الحي باختصار؛
و'الجوطيات' والنفايات في مدينتي تحاصرنا من كل جانب، تتربص بنا كأنها وحوش تريد الانقضاض علينا وافتراسنا.
كلمات إستوقفني للحظات رغم أننا اصبحنا نسمعها كثيرا في الآونة الأخيرة وفي كل مكان تقريبا، في البيوت والشارع والمقهى .. داخل الجمعيات ودور الثقافة وحتى في جلسات النقاش . هي ذاتها نسمعها اليوم ، في مرحلة نحاول ان نقول فيها لآلام الناس وداعا.
كثير من الحبر سال...
وقليل من الحياء من كل السؤولين على واقع الحال.
واهل المدينة هناك فقط يبحثون عن مساحات أخرى ليجتازوا بها الصمت إلى الصراخ والى...الكلام ..
الحي الخلفي ، الممر ... الضيق.
عدت اتصفح المقال ، تذكرت هذا الحي ..الحي الإداري حين كان "سجنا" مسيجا بالاسوار بعد ان استولى سماسرة العقار على المكان.. وتذكرته حين تخلص من اسواره ، حين أخذ عامل المدينة ذات مساء قراره الحاسم بان يسقط عن الحي والمدينة كل الاسوار .. فُتحت فيه شوارع واسعة .. وتحررت الادارات من سياجها..واسوارها.
لكن الفرحة لم تكتمل وبقيت بعض المسالك لا تشبه مسالك الاوراق الرسمية بعد أن تحولت بفعل فاعل مستتر الى ممرات ضيقة ، تُشبه ممرات المخيمات بل أضيق.. لتصير بعد ذلك من النقاط السوداء في الحي..منها ممر يفصل بين شركة الكهرباء و مقر مركز تسجيل السيارات الكائن بنفس الحي ، ممر ضيق سرعان ما تحول الى مرتعا للمتشردين وملاذا للمدمنين.. هاجره السكان وكل المارين خوفا من اعتراض سبيلهم على عتبات هؤلاء المتسكعين.
انتظر السكان حملات تمشيطية بالمكان وبكل النقاط السوداء فيه .. لكن لا حياة لمن تنادي;
إنجازات وأخرى شملت قطاعات وأماكن كثيرة في المدينة، غير أن الممر ظل معلقا من سنة إلى أخرى، ظل حلما كلما استبشر السكان خيرا بقرب تحقيقه، كلما تلاشى من جديد، دون أن يجدوا من يكلف نفسه عناء تقديم تفسيرات مقنعة وشفافة لتكرار تمديد أجل حلمهم المشروع؛ ليكتشفوا الصيف الماضي أن هذا الحلم في طريقه ليصبح واقعا، بل أصبح واقعا بالفعل ...كان الحل !!
واستبشر السكان خيرا بعد ان تم تحرير هذا الفضاء من المشردين و مدمني المخدرات ..
لكن....
في الإطار عينه، يأتي السؤال الأكثر أهميةً:
عن أيٍ حلول يتحدثون ؟
طردوا المتشردين ، نظفوا المكان ، (مشكورين طبعاً!!)، لكنهم سيجوا المكان من جديد، وجعلوه ضمن ممتلكاتهم!! لم يعد الممر ممراً ولا طريقا سالكا كما في الاوراق الرسمية...واصبح الممر بين عشية وضحاها من "ممتلكات "مركز تسجيل السيارات !!! وتم إغلاق الممر / الشارع في وجه السكان.
قد يكون الامر من خلال اجتماع ما لمسؤلي المركز ..وآخرون معهم، تم التركيز على مخطط "استعجالي" متعلق بمعالجة الاختلالات التي يعرفها تدبير المكان، فتم التركيز على النقط التي تعتبر سوداء فيما يخص النظافة و الحفاظ على البيئة وسلامة المحيط ....وكان الممر أولى!!!
لكن ، حين تفشل السياسات وتغيب الحلول الصحيحة ، الشاملة و الكاملة ، فعن اي حلول نتحدث والمدينة كلها ومعها ذات الممر تتسارع خطواتها نحو الانهيار؟
يا سادة و ياكرام ، نريد الحل الشامل و الكامل دون تجزئة فالمكان لا يحتمل أنصاف الحلول ولا المماطلة ،والساكنة تتطلع لحل شامل ينهي كل الاشكال وآثاره...
و إذا أردنا التفصيل فان النقط السوداء لا تقتصر على مكان دون أخر، بل تمتد على مدى المدينة بأكملها، فهل ستنظفونها ثم تسيجونها وتضموها لباقي "ممتلكاتكم" ؟
كهوف تملؤها الخفافيش
أغمض عيني لأرى بوضوح.. وأراها .. وأراكم مدينتي هناك .. وانتم تسيجون الاماكن ، مدينة الحزن والألم، مساءات مظلمة في كهوف
تملؤها الخفافيش وضياع الاحلام وصباحات تشبه صباحات نَّاير ، بهمساتها الحزينة.. صمت.. كل شيء صامت متحفز.. عيون الناس.. الاطفال..الشوارع.. المدارس.. الجوامع..
آه ، أسد أذني لأسمع بوضوح صوت المستظعفين المقهورين ..
صٌور أعادت إلى أذهاننا الغائمة صور واقعنا الحزين ، في مدينتي، تقف الكلمات عاجزة أمام دموع أهلها ، وقاطنيها.
لكن ، هل من الضروري أن يأتي يوم كهذا كي نصرخ بذعر:" ماهذا ؟"، ونلتف حول الفضيحة ونشيح بأعيننا باشمئزاز عن واقع ألفناه.
خائفين.. مذعورين.."الجوطية"' تطاردنا من كل صوب..لا ندري إن كنا نهرب منها أم إليها..
نحن امام خرق سافر يديره سماسرة وعصابات عقار..
فهم يتربصون بأي قطعة أرض تخص مصالحنا ، لأن أصحاب المصالح والمنتفعون والمضاربون وسماسرة العقارات والأسواق ، طامعون في كل شبر من أرض المدينة.
من لمسة حزن إلى أخرى، إلى المزابل التي تملآ المدينة ، وبكل "انواعها" ... نلتقيتها على مشارفها وبشائر نتنة تزكم نفوس الاهالي وهم يحملون باياديهم سجونهم.
والابتسامة إذا نحن فقدناها وعشعش الحزن في قلوبنا السقيمة يجلد ظهر اسئلتنا ويرعبنا ... فمن يمنحنا إياها ؟
هي خلاصة الحكاية...
حكاية ممر ضيق مسيج .. تتسارع خطواته نحو الانهيار... ونحن على مسافة خطوات من الألم في ظل صمتنا.
الحي الاداري ، الممر الضيق المسيج!
أو ، حين تتسارع خطواته نحو الانهيار.
كثير من الحبر ...وقليل من الحياء
أوقفتني وانا اتصفح أخبار المدينة عناوين تناولت ما آل اليه حيٌّ يتوسط مدينتي هناك ، الحي الاداري ، انتابني الذهول وانا اقرأ هذه الاخبار واستحضرت في تلك اللحظة الإحصاءات الكثيرة التي تتحدث عنه بصورة تدعو الى القلق.
عناوين أعادت إلى ذهني أشياء كثيرة برزت منذ سنوات قليلة ..
أعادت لي نكبات الحي كلها ، مر شريط طويل في ذاكرتي حافل بالمصاعب والأزمات التي انغمس فيها هذا الحي منذ سنوات، أوصلته إلى هذه الحالة المتردية.
جلست اقلب اوراقي..واوراق الحي و أقلّب العناوين إياها .. تناسلت أسئلة كثيرة بحثا عن أجوبة مقنعة تروي ظمأ التأملات.
جوطية وفرَّاشة ونفايات ... هذا هو حال الحي باختصار؛
و'الجوطيات' والنفايات في مدينتي تحاصرنا من كل جانب، تتربص بنا كأنها وحوش تريد الانقضاض علينا وافتراسنا.
كلمات إستوقفني للحظات رغم أننا اصبحنا نسمعها كثيرا في الآونة الأخيرة وفي كل مكان تقريبا، في البيوت والشارع والمقهى .. داخل الجمعيات ودور الثقافة وحتى في جلسات النقاش . هي ذاتها نسمعها اليوم ، في مرحلة نحاول ان نقول فيها لآلام الناس وداعا.
كثير من الحبر سال...
وقليل من الحياء من كل السؤولين على واقع الحال.
واهل المدينة هناك فقط يبحثون عن مساحات أخرى ليجتازوا بها الصمت إلى الصراخ والى...الكلام ..
الحي الخلفي ، الممر ... الضيق.
عدت اتصفح المقال ، تذكرت هذا الحي ..الحي الإداري حين كان "سجنا" مسيجا بالاسوار بعد ان استولى سماسرة العقار على المكان.. وتذكرته حين تخلص من اسواره ، حين أخذ عامل المدينة ذات مساء قراره الحاسم بان يسقط عن الحي والمدينة كل الاسوار .. فُتحت فيه شوارع واسعة .. وتحررت الادارات من سياجها..واسوارها.
لكن الفرحة لم تكتمل وبقيت بعض المسالك لا تشبه مسالك الاوراق الرسمية بعد أن تحولت بفعل فاعل مستتر الى ممرات ضيقة ، تُشبه ممرات المخيمات بل أضيق.. لتصير بعد ذلك من النقاط السوداء في الحي..منها ممر يفصل بين شركة الكهرباء و مقر مركز تسجيل السيارات الكائن بنفس الحي ، ممر ضيق سرعان ما تحول الى مرتعا للمتشردين وملاذا للمدمنين.. هاجره السكان وكل المارين خوفا من اعتراض سبيلهم على عتبات هؤلاء المتسكعين.
انتظر السكان حملات تمشيطية بالمكان وبكل النقاط السوداء فيه .. لكن لا حياة لمن تنادي;
إنجازات وأخرى شملت قطاعات وأماكن كثيرة في المدينة، غير أن الممر ظل معلقا من سنة إلى أخرى، ظل حلما كلما استبشر السكان خيرا بقرب تحقيقه، كلما تلاشى من جديد، دون أن يجدوا من يكلف نفسه عناء تقديم تفسيرات مقنعة وشفافة لتكرار تمديد أجل حلمهم المشروع؛ ليكتشفوا الصيف الماضي أن هذا الحلم في طريقه ليصبح واقعا، بل أصبح واقعا بالفعل ...كان الحل !!
واستبشر السكان خيرا بعد ان تم تحرير هذا الفضاء من المشردين و مدمني المخدرات ..
لكن....
في الإطار عينه، يأتي السؤال الأكثر أهميةً:
عن أيٍ حلول يتحدثون ؟
طردوا المتشردين ، نظفوا المكان ، (مشكورين طبعاً!!)، لكنهم سيجوا المكان من جديد، وجعلوه ضمن ممتلكاتهم!! لم يعد الممر ممراً ولا طريقا سالكا كما في الاوراق الرسمية...واصبح الممر بين عشية وضحاها من "ممتلكات "مركز تسجيل السيارات !!! وتم إغلاق الممر / الشارع في وجه السكان.
قد يكون الامر من خلال اجتماع ما لمسؤلي المركز ..وآخرون معهم، تم التركيز على مخطط "استعجالي" متعلق بمعالجة الاختلالات التي يعرفها تدبير المكان، فتم التركيز على النقط التي تعتبر سوداء فيما يخص النظافة و الحفاظ على البيئة وسلامة المحيط ....وكان الممر أولى!!!
لكن ، حين تفشل السياسات وتغيب الحلول الصحيحة ، الشاملة و الكاملة ، فعن اي حلول نتحدث والمدينة كلها ومعها ذات الممر تتسارع خطواتها نحو الانهيار؟
يا سادة و ياكرام ، نريد الحل الشامل و الكامل دون تجزئة فالمكان لا يحتمل أنصاف الحلول ولا المماطلة ،والساكنة تتطلع لحل شامل ينهي كل الاشكال وآثاره...
و إذا أردنا التفصيل فان النقط السوداء لا تقتصر على مكان دون أخر، بل تمتد على مدى المدينة بأكملها، فهل ستنظفونها ثم تسيجونها وتضموها لباقي "ممتلكاتكم" ؟
كهوف تملؤها الخفافيش
أغمض عيني لأرى بوضوح.. وأراها .. وأراكم مدينتي هناك .. وانتم تسيجون الاماكن ، مدينة الحزن والألم، مساءات مظلمة في كهوف
تملؤها الخفافيش وضياع الاحلام وصباحات تشبه صباحات نَّاير ، بهمساتها الحزينة.. صمت.. كل شيء صامت متحفز.. عيون الناس.. الاطفال..الشوارع.. المدارس.. الجوامع..
آه ، أسد أذني لأسمع بوضوح صوت المستظعفين المقهورين ..
صٌور أعادت إلى أذهاننا الغائمة صور واقعنا الحزين ، في مدينتي، تقف الكلمات عاجزة أمام دموع أهلها ، وقاطنيها.
لكن ، هل من الضروري أن يأتي يوم كهذا كي نصرخ بذعر:" ماهذا ؟"، ونلتف حول الفضيحة ونشيح بأعيننا باشمئزاز عن واقع ألفناه.
خائفين.. مذعورين.."الجوطية"' تطاردنا من كل صوب..لا ندري إن كنا نهرب منها أم إليها..
نحن امام خرق سافر يديره سماسرة وعصابات عقار..
فهم يتربصون بأي قطعة أرض تخص مصالحنا ، لأن أصحاب المصالح والمنتفعون والمضاربون وسماسرة العقارات والأسواق ، طامعون في كل شبر من أرض المدينة.
من لمسة حزن إلى أخرى، إلى المزابل التي تملآ المدينة ، وبكل "انواعها" ... نلتقيتها على مشارفها وبشائر نتنة تزكم نفوس الاهالي وهم يحملون باياديهم سجونهم.
والابتسامة إذا نحن فقدناها وعشعش الحزن في قلوبنا السقيمة يجلد ظهر اسئلتنا ويرعبنا ... فمن يمنحنا إياها ؟
هي خلاصة الحكاية...
حكاية ممر ضيق مسيج .. تتسارع خطواته نحو الانهيار... ونحن على مسافة خطوات من الألم في ظل صمتنا.










