
الطاهر الكنوفي
سكن اليهود المغرب الكبير منذ القدم ، واستقر جزء كبير منهم في المغرب الأقصى. وعاش هـؤلاء في المدن الكبرى كفاس وسجلماسة وسوس ، كما سكـن بعضهم البوادي المغربية وجبالها، وتعايشوا مع سكان المغرب الأصليين.وفي نهاية القرن الرابع عشر تعرض اليهود في إسبانيا لاضطهاد العامة، و تمت تصفية الالاف منهم، فلجأت مجموعات منهم الى المغرب أيام الدولة المرينية ، وسكن هؤلاء اللاجئون في المدن الساحلية كتطوان وطنجة والعرائش وأصيلا وأزمور واسفي و سلا والرباط .وبـعد سقوط الأندلس في أيدي النصارى في نهاية القرن الخامس عشر، حدث نزوح جماعي كبير من اليهود الى المغرب هرباً من محاكم التفتيش، واستـقـر النازحون في فاس ومراكش وأزمور كما استقرت جماعة أخرى في شمال المغرب،وعايشت هذه العناصرالجديدة سكان جبال الريف الأصليين وتوالت الهجرات اليهودية الى المغرب في القرن السابع عشر وفي القرون التالية الى ان كانت اخرها في الحرب العالمية الثانية هربـاً من محرقـة هتلـر.
وفي القـرن التاسع عشر تحدث (مولييراس)في كتابه (المغرب المجهول)عن اليهود الذين كانوا يعيشون في منطقة الريف، وذكر في كتابه أن بعض القبائل كانت لا تطيق رؤية اليهود بينها، وقد طاف الفقيه المغفل الذي زوده بالمعلومات في كثير من القبائل، ولم يجدفيها أثراً للجنس العبري الى أن وصل الى مدينة (مسطاسة) في قبيلة بني جميل، فقال:
”في مسطاسة جالية يهودية كبيرة، وهذه هي المرة الأولى منذ خروجنا من(تغزوت)التي نلتقي فيها بممثلين لهذا الجنس الشقي الذي عرف كيف يندسّ في جميع الجهات إلى أن وصل الى أعدائه الألداء من المسلمين،والأمر الملاحظ أن يهود مسطاسة لا يعيشون في ملاح خاص بهم كما نجد في المدن المغربية الأخرى،وبيوتهم لا تتميز في شئ عن بيوت الريفيين ،فهي منتشرة في كل مكان،ولكنها تعود في ملكيتها الى المسلمين لأن اليهودي في الريف بأكمله لا يستطيع أن يملك شبراً واحداً من الأرض أو بناية ، واتجه اليهودي الى الإدخار بدون انقطاع، فكدّس كومات الذهب التي استخرجها من باطن الأرض دون أن يحصل على فائـدة مـن هـذا المعـدن الثمين الذي يـعلم جيداً مـا يجلبه من مال في بلد يسوده الربا، ولم يتعلم اليهودي التسرب فقط الى الوسط الشعبي المغربي المعروف بتعصبه وتعنته في العالم،ولكنه عثر أيضاً على وسيلة جعلته في حمايته،واستعمل من أجل ذلك حيلة ذكية جداً، فقد جعل نفسه مولى للمسلم.‘‘
” أن يصبح اليهودي مولى لمسلم معناه أن يكون تقريباً ملكاً له جسداً و مالاً. وهي حالة وسطيةبين العبودية والتبعية تخول لسيّده الحق في ضرب عبده اليهودي،وقتله أيضاًفي بعض الظروف كالسرقة والتمرد والخيانة وسب الرسول[ص]ومحاولةاغتصاب أو إغواء مسلمة.يمكن له أن يستخدمه في أي عمل يريده، وأن يمنعه من الزواج،وأن يجبره على الطلاق،وأن يفرض عليه الزواج بإمرأة معينة، وأن يغتصب ابنته أو زوجته،وأخيراً أن يبعثه في سفر للقيام بأشغاله الخاصة.وفي مقابل ذلك لليهودي الحق في حماية سيده له في حياته وأمواله، والدفاع عن العلاقة التي تربطه به، وعن عائلته وجميـع الأفـراد التابـعين له ‘‘.
ويبدو أن (مولييراس) كان يجهل نـظام أهل الذمة في الإسلام، رغم علمه بالكثير مـن أمـور المسلمين،ومن هنا جاء تعجبه من هذه التصرفات،فالذمة في اللغة هوالعهد،وأهل الذمة هم الأجانب الذين تربطهم عهود مشتركة مع المسلمين، فهؤلاء يقدمون لمواليهم الحماية، والاخرون يقدمون لهم الخدمات.ولكن الأمر يختلف بالنسبةلليهود المعروفين بالمكائد واحتقار الاسلام والغش والتدليس في الصياغة والسكة والمصارفة والتعامل بالربا وبيع الخمور ، الأمر الذي جعل أهل الريف يقسون عليهم بسبب سوء أفعالهم، فقد فرضت عليهم الدول المتعاقبة على المغرب ألواناً من اللباس،فرض عليهم
المرابطون ارتداء اللون الأزرق ، وفرض عليهم الموحدون اللون الأصفر ، وفرض عليهم بنو مرين وضع شارات خاصة فوق قلانسهم، ولكن في الأرياف لم تكن المسألة مطروحة. ومـع ذلك نجد (مولييراس)
متـفاجـئـاً بوجود اليهود في هـذه الجهات من جبال الريف، فيضيف متعـجباً:
”لقد تفاجأنا بوجود جاليات يهودية في تلك الزوايا الضائعة من المغرب، في وسط شعب مسلم متوحش جداً، لا يقبل بوجود متدينين أجانب ، ومع ذلك دعّم الإتصال مع هؤلاء الساميين المعروفين بالعناد والمكر الغريبين. أحتاج الى مجلد لتفصيل أنواع المذلات التي عانى منها هؤلاء اليهود المغاربة، فالإهانات الجارحة و الشتائم الموجعة الموجهة إليهم في كثير من الأحيان، لا يـعبأ بها أحد . وصبيان المسلمين الوقحين يجدون لذة قاسية عندما يرون العمالقة الإسرائليين الملتحين يفرون أمامهم، فيتبعونهم رمياً بالحجارة. واباء الأطفال لا بمنعونهم بجدّ عن هذا اللعب المتوحش،لذا يعودون إليه مرة أخرى تحت نظرهم. واليهودي يجب عليه أن ينادي المسلم باسم (سيدي) ،كما يجب عليه أن يخلـع نعليه و يمشي منحنياً و بسرعة إذا مـرّ أمام مسجد.‘‘
هكذا كان اليهود يحترمون مساجدنا، واليوم نراهم يدنّسون المسجد الأقصى ولا نحرك ساكناً.
والحق أننا لا ندري مدى صدق(مولييراس)في نقل وضعية اليهود بمنطقة الريف،ولا شك أن في كلامه كثير من المبالغة كما عوّدنا في نقله لعديد من الأمور. و لا غرابة في ذلك عند مؤلف بنى كتابه على الإحتيال في الحصول على المعلومات الواردة فيه . وإذ يتحدث عن معاملة أهل الريف لليهود بهذا الشكل،فانه لا يقصد الدفاع عنهم،بل يهاجم اليهود وأهل الريف معاً، فيصف اليهود -كما رأينا -بالجنس الشقي الذي يندسّ في كل الجهات ويستخدم الحيل و المكائد لخداع المسلمين لأنه من العرق السامي المعروف بالعناد والمكر الغريبين .كما يصف الريفيين بأكبر المتعـصبين والمتعنتين في العالم،
وأنهم شعب متوحش لذا يـسيـؤون الى اليهود. وفي الصفحات التالية يتـحدث (مولييراس) عن مـوتى اليهودوجنائزهم،فيرى أنهم معذبون أيضاًفي مماتهم إذ يمنع عليهم دفن موتاهم قرب مقابرالمسلمين
ولا مقابر خصوصية في القبائل التي يعيشون فيها، بل لهم مقبرة واحدة لكل يهود منطقة الريف،توجد في بلدة (سنادة) بقبيلة بني يطفت، وفي ذلك يقـول:
”في سنادة توجد المقبرة الوحيدة لكل يهود الريف. وتحتل مساحة واسعة في مكان بعيد عن البلدة،وهي مبلطة بأحجار عريضة نقلت بنفقات باهضة من مدينة تطاون. وأحجارها مهيأة للإستعمال بدليل الكتابة العبرية المنقوشةفوقها.ويحمل يهود قبيلة قلعية -وهي على بعد ثلاثة أيام-موتاهم الى سنادة حيث يدفنـون. يحملون النعش فـوق البغل تحت حراسة جنـود المخزن الذين يرافقـون الموكب الجنائزي ، ووراء النعش يسير الوالدان الذكور على الأقدام بثياب مبعثـرة ومظهر حزين، ويمنع عليهم العـويل حينما يمرون بالمداشر حتى لا يـعكروا صفـو المسلمين.‘‘
تلك هي الصورة الحزينة التي يقدمها (مولييراس)عن يهود الريف، ولكننا لا ندري مدى مصداقية هذه الصورة، لأننا نجد المؤلف يناقض نفسه في أماكن متعددة من كتابه ، وخاصة عندما يتحدث عن يـهود قلعيـة الذيـن يعتـرفـون بأن الأمازيـغ لايسيئـون إاليهم،وأن العنصريـة قـد خفـت عند هؤلاء، وفـي هذا الصدد يقـول (مولييراس) :
”يوجداليهود بعدد كبيرفي قبيلة قلعية،فهم يسكنون المداشر،ويحترفون عدة مهن كصانع النعال والإسكافي وضافرالحبال والصيّاغ والنحّاس،ولايوجدبينهم فلاح واحد.وهم يكترون بيوتهم ولايستطيعون امتلاكها.وهناك شرط غريب في عقدالإجار لليهود:إن كراء بيت لليهودي يدوم الى الأبد.وصاحب الملك لايجد في يده إلا حق طرد المكتري من البيت لأنه لايستطيع أن يمنح له عطلة ولا أن يطالبه بالإصلاح البسيط . ولكل يـهودي ولي أمـر من المسلمين.ويـهود قلعية يسافرون من أجل مشاغلهم،يـسافرون الى وهـران ويسافـرون الى طنجة والى إسبانيا، وأينما يريـدون. وهذا دليل أكيد بأنهم يتمتعـون بحرية واسعة. وهم ليسوا بأشقياء بتاتـاً لأنهم يـعودون بأمان الى بيوتهم ، ويعترفـون بأن البربر لا يسيئون معاملتهم إطلاقاً لأن الإتصال القديم بينهم هدأ احقاد الأعراق وجعل المسلمين يتحملون هؤلاء الرحل العالميين الذين يتحدثون بلغتهم ويلبسون تقريباً مثلهم ولايتميزون عنهم إلابالضفيرتين المتدليتين من رؤوسهم‘‘ .
وإذا كان أبناء الريف لا يسمحون لليهود بشراء شبر من الأرض في شمال المغرب، ناهيك عن شراء بيت يسكنونه رغم الأموال والذهب الذي يملكونه،فالسبب في ذلك يعود الى تنبه الريفيين منذ القديم الى حاجة هؤلاء اليهود لبيت يسكنونه في أية بقعة من العالم، والى أرض يملكونها في أي مكان ليؤسسوا فوقها دولة عبرية كما حدث في فلسطين، حيث اشترى كثير من يهود العالم أراض وعقارات في مدينة القدس من عرب فلسطين حتى أصبح اليهود هم أصحاب الأرض والفلسطينيون غرباء عنها ولاجئـون في الدول العربية المجاورة.
غادر بعض اليهود منطقة الريف في الأربعينات من القرن الماضي هربـاً من المجاعة التي حلت
بالريف بأكمله وتـوجهوا الى تطوان وطنجة في البداية ثم غادروا المغرب الى فرنسا وكندا. وبـعد قيـام
دولة إسرائيل عام1948 بدأت الهجرات الجماعية تنطلق اليها عبر البواخر والطائرات. ولا ننسى أن كثيراً
من اليهود الذين كانـوا يعيشون في مدينة الناظور قد هاجروا الى مليلية، ومنها الى الولايات المتحدة
وإسرائيل وفنزويلة، خصوصـاً بعـد رحيل الإسبان عن المدينة إثـر حصول المغـرب على استقلاله، علماً بأن اليهود الذيـن هاجروا الى إسرائيل يتمركزون في شمالها،في مدينة(كريات شمونة)على الخصوص أصبحت اليـوم مدينـة الناظـور خاليـة من اليهـود، ولكن يـهـود مليليـة والدار البيضـاء وإسرائيـل لا زالـوا يحضـرون كل سنة الى ضريح (يوسف سعدية) بحي ترقاع ويقيمون هناك هيلولته ويحتفلون بذكراه.
غرناطة في30 يناير 2014
الهوامش:
1-Mille ans de vie au Maroc par Haim Zafrani pag.11
2-Le Maroc incoonnu par Auguste Moulieras pag.77
3- اللباس المغربي من بداية الدولة المينية الى العصر السعدي للدكتور محمد مقر ص:267
4-Le Maroc inconnu par Auguste Moulieras pag.77
5-Ibidem pag.89
6- Ibidem pag.155
7-Marruecos desconocido por Francisco Codera 1897. Boletin de la Real Academia de la Historia
سكن اليهود المغرب الكبير منذ القدم ، واستقر جزء كبير منهم في المغرب الأقصى. وعاش هـؤلاء في المدن الكبرى كفاس وسجلماسة وسوس ، كما سكـن بعضهم البوادي المغربية وجبالها، وتعايشوا مع سكان المغرب الأصليين.وفي نهاية القرن الرابع عشر تعرض اليهود في إسبانيا لاضطهاد العامة، و تمت تصفية الالاف منهم، فلجأت مجموعات منهم الى المغرب أيام الدولة المرينية ، وسكن هؤلاء اللاجئون في المدن الساحلية كتطوان وطنجة والعرائش وأصيلا وأزمور واسفي و سلا والرباط .وبـعد سقوط الأندلس في أيدي النصارى في نهاية القرن الخامس عشر، حدث نزوح جماعي كبير من اليهود الى المغرب هرباً من محاكم التفتيش، واستـقـر النازحون في فاس ومراكش وأزمور كما استقرت جماعة أخرى في شمال المغرب،وعايشت هذه العناصرالجديدة سكان جبال الريف الأصليين وتوالت الهجرات اليهودية الى المغرب في القرن السابع عشر وفي القرون التالية الى ان كانت اخرها في الحرب العالمية الثانية هربـاً من محرقـة هتلـر.
وفي القـرن التاسع عشر تحدث (مولييراس)في كتابه (المغرب المجهول)عن اليهود الذين كانوا يعيشون في منطقة الريف، وذكر في كتابه أن بعض القبائل كانت لا تطيق رؤية اليهود بينها، وقد طاف الفقيه المغفل الذي زوده بالمعلومات في كثير من القبائل، ولم يجدفيها أثراً للجنس العبري الى أن وصل الى مدينة (مسطاسة) في قبيلة بني جميل، فقال:
”في مسطاسة جالية يهودية كبيرة، وهذه هي المرة الأولى منذ خروجنا من(تغزوت)التي نلتقي فيها بممثلين لهذا الجنس الشقي الذي عرف كيف يندسّ في جميع الجهات إلى أن وصل الى أعدائه الألداء من المسلمين،والأمر الملاحظ أن يهود مسطاسة لا يعيشون في ملاح خاص بهم كما نجد في المدن المغربية الأخرى،وبيوتهم لا تتميز في شئ عن بيوت الريفيين ،فهي منتشرة في كل مكان،ولكنها تعود في ملكيتها الى المسلمين لأن اليهودي في الريف بأكمله لا يستطيع أن يملك شبراً واحداً من الأرض أو بناية ، واتجه اليهودي الى الإدخار بدون انقطاع، فكدّس كومات الذهب التي استخرجها من باطن الأرض دون أن يحصل على فائـدة مـن هـذا المعـدن الثمين الذي يـعلم جيداً مـا يجلبه من مال في بلد يسوده الربا، ولم يتعلم اليهودي التسرب فقط الى الوسط الشعبي المغربي المعروف بتعصبه وتعنته في العالم،ولكنه عثر أيضاً على وسيلة جعلته في حمايته،واستعمل من أجل ذلك حيلة ذكية جداً، فقد جعل نفسه مولى للمسلم.‘‘
” أن يصبح اليهودي مولى لمسلم معناه أن يكون تقريباً ملكاً له جسداً و مالاً. وهي حالة وسطيةبين العبودية والتبعية تخول لسيّده الحق في ضرب عبده اليهودي،وقتله أيضاًفي بعض الظروف كالسرقة والتمرد والخيانة وسب الرسول[ص]ومحاولةاغتصاب أو إغواء مسلمة.يمكن له أن يستخدمه في أي عمل يريده، وأن يمنعه من الزواج،وأن يجبره على الطلاق،وأن يفرض عليه الزواج بإمرأة معينة، وأن يغتصب ابنته أو زوجته،وأخيراً أن يبعثه في سفر للقيام بأشغاله الخاصة.وفي مقابل ذلك لليهودي الحق في حماية سيده له في حياته وأمواله، والدفاع عن العلاقة التي تربطه به، وعن عائلته وجميـع الأفـراد التابـعين له ‘‘.
ويبدو أن (مولييراس) كان يجهل نـظام أهل الذمة في الإسلام، رغم علمه بالكثير مـن أمـور المسلمين،ومن هنا جاء تعجبه من هذه التصرفات،فالذمة في اللغة هوالعهد،وأهل الذمة هم الأجانب الذين تربطهم عهود مشتركة مع المسلمين، فهؤلاء يقدمون لمواليهم الحماية، والاخرون يقدمون لهم الخدمات.ولكن الأمر يختلف بالنسبةلليهود المعروفين بالمكائد واحتقار الاسلام والغش والتدليس في الصياغة والسكة والمصارفة والتعامل بالربا وبيع الخمور ، الأمر الذي جعل أهل الريف يقسون عليهم بسبب سوء أفعالهم، فقد فرضت عليهم الدول المتعاقبة على المغرب ألواناً من اللباس،فرض عليهم
المرابطون ارتداء اللون الأزرق ، وفرض عليهم الموحدون اللون الأصفر ، وفرض عليهم بنو مرين وضع شارات خاصة فوق قلانسهم، ولكن في الأرياف لم تكن المسألة مطروحة. ومـع ذلك نجد (مولييراس)
متـفاجـئـاً بوجود اليهود في هـذه الجهات من جبال الريف، فيضيف متعـجباً:
”لقد تفاجأنا بوجود جاليات يهودية في تلك الزوايا الضائعة من المغرب، في وسط شعب مسلم متوحش جداً، لا يقبل بوجود متدينين أجانب ، ومع ذلك دعّم الإتصال مع هؤلاء الساميين المعروفين بالعناد والمكر الغريبين. أحتاج الى مجلد لتفصيل أنواع المذلات التي عانى منها هؤلاء اليهود المغاربة، فالإهانات الجارحة و الشتائم الموجعة الموجهة إليهم في كثير من الأحيان، لا يـعبأ بها أحد . وصبيان المسلمين الوقحين يجدون لذة قاسية عندما يرون العمالقة الإسرائليين الملتحين يفرون أمامهم، فيتبعونهم رمياً بالحجارة. واباء الأطفال لا بمنعونهم بجدّ عن هذا اللعب المتوحش،لذا يعودون إليه مرة أخرى تحت نظرهم. واليهودي يجب عليه أن ينادي المسلم باسم (سيدي) ،كما يجب عليه أن يخلـع نعليه و يمشي منحنياً و بسرعة إذا مـرّ أمام مسجد.‘‘
هكذا كان اليهود يحترمون مساجدنا، واليوم نراهم يدنّسون المسجد الأقصى ولا نحرك ساكناً.
والحق أننا لا ندري مدى صدق(مولييراس)في نقل وضعية اليهود بمنطقة الريف،ولا شك أن في كلامه كثير من المبالغة كما عوّدنا في نقله لعديد من الأمور. و لا غرابة في ذلك عند مؤلف بنى كتابه على الإحتيال في الحصول على المعلومات الواردة فيه . وإذ يتحدث عن معاملة أهل الريف لليهود بهذا الشكل،فانه لا يقصد الدفاع عنهم،بل يهاجم اليهود وأهل الريف معاً، فيصف اليهود -كما رأينا -بالجنس الشقي الذي يندسّ في كل الجهات ويستخدم الحيل و المكائد لخداع المسلمين لأنه من العرق السامي المعروف بالعناد والمكر الغريبين .كما يصف الريفيين بأكبر المتعـصبين والمتعنتين في العالم،
وأنهم شعب متوحش لذا يـسيـؤون الى اليهود. وفي الصفحات التالية يتـحدث (مولييراس) عن مـوتى اليهودوجنائزهم،فيرى أنهم معذبون أيضاًفي مماتهم إذ يمنع عليهم دفن موتاهم قرب مقابرالمسلمين
ولا مقابر خصوصية في القبائل التي يعيشون فيها، بل لهم مقبرة واحدة لكل يهود منطقة الريف،توجد في بلدة (سنادة) بقبيلة بني يطفت، وفي ذلك يقـول:
”في سنادة توجد المقبرة الوحيدة لكل يهود الريف. وتحتل مساحة واسعة في مكان بعيد عن البلدة،وهي مبلطة بأحجار عريضة نقلت بنفقات باهضة من مدينة تطاون. وأحجارها مهيأة للإستعمال بدليل الكتابة العبرية المنقوشةفوقها.ويحمل يهود قبيلة قلعية -وهي على بعد ثلاثة أيام-موتاهم الى سنادة حيث يدفنـون. يحملون النعش فـوق البغل تحت حراسة جنـود المخزن الذين يرافقـون الموكب الجنائزي ، ووراء النعش يسير الوالدان الذكور على الأقدام بثياب مبعثـرة ومظهر حزين، ويمنع عليهم العـويل حينما يمرون بالمداشر حتى لا يـعكروا صفـو المسلمين.‘‘
تلك هي الصورة الحزينة التي يقدمها (مولييراس)عن يهود الريف، ولكننا لا ندري مدى مصداقية هذه الصورة، لأننا نجد المؤلف يناقض نفسه في أماكن متعددة من كتابه ، وخاصة عندما يتحدث عن يـهود قلعيـة الذيـن يعتـرفـون بأن الأمازيـغ لايسيئـون إاليهم،وأن العنصريـة قـد خفـت عند هؤلاء، وفـي هذا الصدد يقـول (مولييراس) :
”يوجداليهود بعدد كبيرفي قبيلة قلعية،فهم يسكنون المداشر،ويحترفون عدة مهن كصانع النعال والإسكافي وضافرالحبال والصيّاغ والنحّاس،ولايوجدبينهم فلاح واحد.وهم يكترون بيوتهم ولايستطيعون امتلاكها.وهناك شرط غريب في عقدالإجار لليهود:إن كراء بيت لليهودي يدوم الى الأبد.وصاحب الملك لايجد في يده إلا حق طرد المكتري من البيت لأنه لايستطيع أن يمنح له عطلة ولا أن يطالبه بالإصلاح البسيط . ولكل يـهودي ولي أمـر من المسلمين.ويـهود قلعية يسافرون من أجل مشاغلهم،يـسافرون الى وهـران ويسافـرون الى طنجة والى إسبانيا، وأينما يريـدون. وهذا دليل أكيد بأنهم يتمتعـون بحرية واسعة. وهم ليسوا بأشقياء بتاتـاً لأنهم يـعودون بأمان الى بيوتهم ، ويعترفـون بأن البربر لا يسيئون معاملتهم إطلاقاً لأن الإتصال القديم بينهم هدأ احقاد الأعراق وجعل المسلمين يتحملون هؤلاء الرحل العالميين الذين يتحدثون بلغتهم ويلبسون تقريباً مثلهم ولايتميزون عنهم إلابالضفيرتين المتدليتين من رؤوسهم‘‘ .
وإذا كان أبناء الريف لا يسمحون لليهود بشراء شبر من الأرض في شمال المغرب، ناهيك عن شراء بيت يسكنونه رغم الأموال والذهب الذي يملكونه،فالسبب في ذلك يعود الى تنبه الريفيين منذ القديم الى حاجة هؤلاء اليهود لبيت يسكنونه في أية بقعة من العالم، والى أرض يملكونها في أي مكان ليؤسسوا فوقها دولة عبرية كما حدث في فلسطين، حيث اشترى كثير من يهود العالم أراض وعقارات في مدينة القدس من عرب فلسطين حتى أصبح اليهود هم أصحاب الأرض والفلسطينيون غرباء عنها ولاجئـون في الدول العربية المجاورة.
غادر بعض اليهود منطقة الريف في الأربعينات من القرن الماضي هربـاً من المجاعة التي حلت
بالريف بأكمله وتـوجهوا الى تطوان وطنجة في البداية ثم غادروا المغرب الى فرنسا وكندا. وبـعد قيـام
دولة إسرائيل عام1948 بدأت الهجرات الجماعية تنطلق اليها عبر البواخر والطائرات. ولا ننسى أن كثيراً
من اليهود الذين كانـوا يعيشون في مدينة الناظور قد هاجروا الى مليلية، ومنها الى الولايات المتحدة
وإسرائيل وفنزويلة، خصوصـاً بعـد رحيل الإسبان عن المدينة إثـر حصول المغـرب على استقلاله، علماً بأن اليهود الذيـن هاجروا الى إسرائيل يتمركزون في شمالها،في مدينة(كريات شمونة)على الخصوص أصبحت اليـوم مدينـة الناظـور خاليـة من اليهـود، ولكن يـهـود مليليـة والدار البيضـاء وإسرائيـل لا زالـوا يحضـرون كل سنة الى ضريح (يوسف سعدية) بحي ترقاع ويقيمون هناك هيلولته ويحتفلون بذكراه.
غرناطة في30 يناير 2014
الهوامش:
1-Mille ans de vie au Maroc par Haim Zafrani pag.11
2-Le Maroc incoonnu par Auguste Moulieras pag.77
3- اللباس المغربي من بداية الدولة المينية الى العصر السعدي للدكتور محمد مقر ص:267
4-Le Maroc inconnu par Auguste Moulieras pag.77
5-Ibidem pag.89
6- Ibidem pag.155
7-Marruecos desconocido por Francisco Codera 1897. Boletin de la Real Academia de la Historia