المزيد من الأخبار






طبيب ريفي يُبهر أوروبا بلعبة فيديو تُعلم الطب بطريقة غير مسبوقة


ناظورسيتي: بتصرف عن elfarodemelilla:

في سابقة لافتة في مجال التعليم الطبي، نجح الطبيب منير محمد ميمون، المنحدر من أبوين من مدينة مليلية، في خطف الأنظار خلال المؤتمر الأوروبي الثالث والعشرين للطب الداخلي الذي احتضنته مدينة فلورنسا الإيطالية، بعد أن قدّم مشروعًا مبتكرًا عبارة عن لعبة فيديو تعليمية موجهة للأطباء والممرضين، حصد بها الجائزة الأولى في فئة “المسار المهني المبكر”.

يهدف هذا المشروع الفريد إلى تسهيل تكوين المهنيين الصحيين بطريقة ممتعة وتفاعلية، من خلال محاكاة مواقف حقيقية يتعرض لها العاملون في قطاعي الطب والتمريض. وتعتمد اللعبة على تبسيط المعلومة وتعزيز الفهم من خلال الترفيه، حيث تساعد المستخدم على تعلم كيفية تشخيص الأزمات الصحية، وقراءة صور الأشعة، والتصرف في حالات معقدة كالنوبات القلبية أو فشل القلب، وحتى تحسين مهارات التواصل مع المرضى وأسرهم.

قصة منير: من مليلية إلى مالقة… ثم إلى برشلونة وفلورنسا

وُلد منير محمد في مدينة مالقة عام 1993، لكن جذوره العائلية تمتد إلى مدينة مليلية، حيث اعتاد زيارة عائلته هناك كل صيف. يقول: “منذ طفولتي، كنت أزور مليلية كل سنة. إنها مدينة جزء من هويتي، بل حتى أحد أول أعمالي كان هناك في مكتبة خالتي مينا، مكتبة ماتيو، حيث عملت خلال صيف صعب بعد أن لم أستطع ولوج كلية الطب مباشرة رغم درجاتي الجيدة، وبدأت أجمع المال لدراسة الطب في جامعة خاصة، لكن التكاليف كانت باهظة”.

لم يستسلم منير، بل اختار أن يبدأ مسيرته بدراسة تكوين مهني عالي في التشريح المرضي، وهناك بدأ في سن العشرين بإجراء تشريحات لجثث، ما مكنه لاحقًا من دخول كلية الطب في مالقة. وبعد نيله الشهادة، انتقل إلى برشلونة لاجتياز امتحان MIR (امتحان التخصص)، واختار التخصص في الطب الداخلي ضمن هيئة الصحة “Consorci Sanitari de Terrassa”.

كيف وُلدت فكرة اللعبة؟

بدأت فكرة تطوير اللعبة تراود منير عندما لاحظ، أثناء فترة دراسته، أن العديد من الطلاب يواجهون صعوبات في فهم المفاهيم الطبية المعقدة. واستعاد تجربة شبابه عندما تعلّم البرمجة بشكل بدائي وهو في عمر 16 عامًا باستخدام JavaScript، وكذلك تجربته في تدريس طلاب آخرين بأساليب ممتعة ومرحة. يقول: “لاحظت أن من يواجهون صعوبات في الفهم، إذا جعلتهم يستمتعون بما يتعلمونه، فإنهم يتقدمون أكثر بكثير.”

لكن الانطلاقة الحقيقية كانت في ربيع 2023، عندما تعرّض منير لإصابة في الكتف “تمزق في الشفا الحقاني”، ما جعله عاجزًا عن العمل، وأمامه الكثير من وقت الفراغ. وبينما كان يتابع بعض الكتب والمسلسلات، شعر أن ذلك غير كاف، فبدأ بتطوير فكرته، يبرمج اللعبة باستخدام يد واحدة فقط، بينما كانت الأخرى في حمّالة. واستغرق تطوير النسخة الأولى حوالي شهرين من العمل المكثف، بمعدل 12 إلى 13 ساعة يوميًا.

رئيسة قسم البحث الذي يعمل فيه أعربت عن إعجابها بالفكرة، وقالت له: “هذا المشروع قد يكون ثوريًا فعلاً”.

بماذا تتميز اللعبة؟

اعتمد منير في تصميم لعبته على رسومات مستوحاة من ألعاب Pokémon الكلاسيكية، حيث يتحرك اللاعب داخل قسم الطوارئ ويواجه مواقف سريرية حقيقية. تقدم اللعبة سيناريوهات مثل:
• كيفية التعامل مع حالات الأزمة القلبية.
• كيفية قراءة أشعة الصدر والتعرف على علامات تفاقم حالة المريض.
• تدريب الممرضين على التصرف مع مرضى الفشل القلبي أو الانسداد الرئوي المزمن.
• تمارين على كيفية التواصل مع المرضى وأهاليهم بأسلوب مهني وإنساني.

يقول منير: “الأهم بالنسبة لي هو الجانب الإنساني. الطب ليس تحاليل ولا صور أشعة، بل بشر أمامك.”

ويضيف أن اللعبة قابلة للتوسعة، إذ يمكن للاعب لاحقًا الانتقال إلى أقسام أخرى مثل أمراض الجهاز الهضمي، أمراض الرئة، العناية المركزة، أو حتى ركوب سيارة إسعاف كمشهد افتراضي لتدريب ميداني.

من الجمهور المستهدف؟

رغم أن اللعبة صُممت أساسًا لطلاب الطب والتمريض أو المهنيين الصحيين، إلا أن منير يوضح أن أي شخص يمكنه الاستفادة منها. يقول: “لا يجب أن تكون لاعب كرة لتستمتع بـ FIFA، ولا رجل أعمال لتلعب Monopoly. الكثير من الناس ليسوا أطباء لكنهم يرغبون في لعب هذه اللعبة.”

كما أكد أن اللعبة لن تكون مخصصة لاتخاذ قرارات طبية حقيقية، لكنها ستمنح المستخدمين فهمًا أفضل للقطاع الصحي وكيفية عمله.

ماذا بعد؟

حالياً، يعمل منير على إطلاق اللعبة عبر منصة إلكترونية مخصصة، ويأمل أن تعتمدها المستشفيات، كليات الطب، والمراكز الصحية كأداة تعليمية. وتربطه اتصالات حالياً بعدة مؤسسات داخل إسبانيا، كما يأمل أن تصل اللعبة إلى مليلية تحديدًا، حيث لا يزال مرتبطًا بعائلته هناك. يقول: “خالتي، التي تقاعدت السنة الماضية، كانت من أنبل الناس بين مساعدات التمريض في مليلية. أتمنى أن تصل هذه اللعبة للمدينة ليستفيد منها المهنيون الشباب هناك.”

في ختام حديثه، لم ينسَ منير فضل والديه، حفيظة وحسن، اللذين عملا بكل ما يملكان ليتمكن من دراسة الطب وتطوير مشروعه. ويقول ضاحكًا عن مشاركته في المؤتمر الأوروبي: “لم أكن أدري حتى لماذا أنا موجود هناك وسط كل هذه الأسماء الكبيرة، لكن قدمت مشروعي… وأحبوه… وأعطوني الجائزة!”

بالنسبة له، أكبر إنجاز لم يكن الجائزة بحد ذاتها، بل أن يرى والداه ثمرة جهودهما تتحقق أمام أعينهما. يختم منير قائلاً: “هذا هو النجاح الحقيقي في نظري.”


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح