المزيد من الأخبار






القاص محمد بودشيش: الريف في كتاباتي هو الجذر والذاكرة


القاص محمد بودشيش: الريف في كتاباتي هو الجذر والذاكرة
حاوره: سعيد بلغربي

- القاص محمد بودشيش، حدثنا عن البدايات، وكيف ولجت عالم الكتابة، وخاصة القصة القصيرة جدا؟

- بسم الله الرحمان الرحيم. إن الفضل بعد ربنا طبعا يعود لأساتذتنا، الذين غرسوا فينا حب القراءة، فلهم موفور الشكر والإمتنان، وأكن لهم محبة فائقة، وتقديرا جليلا؛ فلقد كانوا حريصين على أن نثابر على القراءة داخل الفصل، وعلى مسامع ذوينا في مساكننا.

كان ذلك الكتاب الذي كنا نسميه التلاوة، والذي ألّفه، وأشرف على إنجازه معلمنا الكبير، أحمد بوكماخ، تجتذبنا إليه صوره الجميلة، ونصوصه التي كنا نحفظها عن ظهر قلب سنة تلو أخرى؛ تلك النصوص التي كانت تحيلنا في آخرها عن صورة الكاتب، وسيرته، وبعض مؤلفاته، وينصح فيها بالبحث عن هذا الكتاب أو ذاك، و مطالعته.

لقد كانت الكتب حينها عملة نادرة، وخصوصا لي وأترابي قاطني البادية؛ فما أن إلتحقت بثانوية محمد عبد الكريم الخطابي بمدينة الناظور، تلك الثانوية التي كان يفد إليها التلاميذ من أقصى نقطة في الإقليم، حتى كانت حينها موهبة القراءة قد انغرست في كياني، فأمُرّ على المكتبة وتجذبني بعض العناوين في واجهتها؛ وفي آخر الموسم الدراسي أقتني كتابا بقروش جمعتها بتقشف، بعد خصمها من مصروفي الجيبي، لألتهمه خلال العطلة الصيفية.

راودتني فكرة الكتابة مرات، فشرعت في كتابة قصائد في الشعر بأمازيغية الريف، إستحسنها الأصدقاء آنذاك، و لم يُكتب لها النشر؛ فإستمر الأمل يراودني، و حب القراءة ينمو ويترعرع في كياني، وأراكم التجارب في الحياة، في المحيط الذي نشأت وترعرعت فيه، وحواليه، ومع ثقافات أخرى خارج الوطن؛ فتمخضت عن الفكرة باكورة أعمالي، المتمثلة في كتاب دونت فيه قطرة من تراثٍ بَحرُه مترامي الأطراف؛ تلك الباكورة التي عنونتها "رسائل من نزيل عرس بآيث سعيذ - عادات وطقوس"، وهي تحكي عن خصوصية العرس الأمازيغي الريفي، بعاداته، وطقوسه في أمجاو؛ تلك المدينة القديمة التي ذكرها محمد حسن الوزان الفاسي المعروف بليون الإفريقي في كتابه وصف إفريقيا قبل خمسة قرون، البلدة التي ولدت فيها، وعدوت بين أطلالها المندثرة، وتمرغت في أتربتها؛ وقد حاولت أن أنقب عن قرب عن تلك العادات، والطقوس في أمجاو قبيلة آيث سعيذ بالذات تجنبا لإختلافات جزئية، في بعضها بين قبائل وأخرى في عموم الريف، محاولا جهد المستطاع تأويل تلك الطقوس؛ وقد ترك الكتاب أصداء جميلة، وإستحسنه القراء؛ كما خصصت له قراءات لنقاد متميزون، لهم وزنهم على الساحة وهم: د. جميل حمداوي، د. أمحمد أمحور، د. جمال الدين الخضيري، د. نور الدين أعراب الطريسي، ذ. جمال أزراغيد؛ كما خصص له الأستاذ علي أزحاف لقاءً أثيريا، خلال حلقة من حلقات البرنامج المتميز "ثوسنا ذ زوران" ( ثقافة وجذور)؛ و قد كان الكتاب من تقديم الأخ والصديق الدكتور أمحمد أمحور، الذي كان له الفضل الكبير ليرى النور.

أما عن القصة القصيرة جدا، فما أن أذكر هذا الجنس الأدبي إلا و تتبادر إلى ذهني سنوات مضت، كنا حينها نتحلق حول أكلة دسمة، و نستمع إلى الأغاني الطويلة، ونتتبع لساعاتٍ أفلاماً، ونتبادل قراءة قصص في مجلدات؛ وبإعتبار أن الأدب، أو أجناسه، وليد حاجة إجتماعية وإنسانية، تخضع ولادته وتطوره وانقراضه، لعوامل ذاتية وموضوعية، فإن التحولات الإجتماعية قد تسارعت بإكتساح العولمة لكل المجتمعات، وتم التأثير المباشر على أنماط العيش، وكانت إحدى الأسباب في تغيير هذا النمط، وفرض نمط عيش آخر، فكانت الأكلة الخفيفة والسريعة الجاهزة، والأغنية الشبابية القصيرة، والقصة القصيرة جدا، فكانت تجربتي في كتابة مجموعة قصصية قصيرة عنونتها: الأسماء تتشابه.

- ما هو نصيب الريف كمجال، في هذا البوح القصصي ؟

- إن المجال هو حيز الإنجازات الوجدانية المحاثية للعلاقات المورفولوجية، للذاكرة والفعل اليومي، والترشيد، والآفاق... المجال هو تراث، مكاسب، مسرح رهانات وحقلها الواقعي، وصراع القوى؛ هو شيء يتغير، يختلف، ينقسم و يتمدد، وهو الهوية والشخصية... وهو بؤرة تقاطع المصالح الدنيوية المتبادلة، وتقاطع الأعراف والتقاليد التي لا تعني الرثية (larchaïsme )، بل الجذر - الذاكرة...

قد نستطيع أن نتنازل عن جزء على حساب أخرى، إلا أنه لا يمكن لنا أن نتناسى هذا الجزء بالمرة، وأن نذهب أبعد من ذلك.

- وما هو تقييمك للمشهد القصصي المحلي، والوطني الحالي من حيث الحركة الإبداعية؟

- إن هذا الجنس الأدبي قد عرف إهتماما كبيرا، وتطورا ملحوظا، رغم أنه لم يعرف البداية الحقيقية، حسب المهتمين إلاّ في بداية التسعينيات؛ وتعرف الجهة تراكما من حيث عدد المجموعات القصصية القصيرة جدا على الصعيد الوطني، بثلث الإنتاج من الإجمالي الصادر بالمغرب و الذي وصل حسب الدارسين إلى 87 مجموعة قصصية قصيرة جدا قبل متم سنة 2013، وأضحت مدينة الناظورعاصمة ثقافية للقصة القصيرة جدا، وتشهد إقامة مهرجانات مهمة تنظمها جمعية جسور للبحث في الثقافة والفنون.

وما تزايد عدد النقاد والمهتمين بهذا الجنس الأدبي، إلا مؤشر لما يشهده من ثبات، رغم أن هناك من يرون بأن فن القصة القصيرة جدا يعاني فوضى التجنيس، بسبب تعدد المفاهيم، والمصطلحات، ومن يرفضون أيضا الإعتراف به، و يدرجونه ضمن خانة القصة القصيرة، أو السرد بصفة عامة.

ثم أن القصة القصيرة جدا محليا ووطنيا، تشق طريقها بثبات، والإبداع في تصاعد مستمر؛ ورغم أن هناك من يرى بأنها مطية القصاصين يمتطيها من هب ودب، وأنها حدث عابر (موضة) لن تعمر وستنتهي، فإنه يتضح جليا بأن هذا الجيل، الذي له أسئلته الخاصة، وهواجسه الفنية، وحساسيته الإبداعية، قد قبل بهذا الجنس الأدبي الجديد؛ وكقاص يحبو ليقف على حافة الطريق، وقارئ عاشق، فإني أضم صوتي إلى الفريق الذي يتوقع لها النجاح، والثبات، والإستمرارية، لكونها قد عرفت حركية، وإبداعا، وحملت في طياتها جمال الكلمات، وسحر المعنى، وتؤشر على مستقبل مطمئن، حيث يتم تداولها بشكل أوسع، ووقع أعمق، ويزداد يوما بعد يوم عدد المهتمين بها كتابة ونقدا وقراءة.

- يبدو أن من مميزات قصص "أزهار وأشواك" تشخيص الواقع بكل تجلياته الدقيقة، لماذا إختار بودشيش الواقعية تيمة مميزة لكتاباته؟

- ليس بالضرورة أن تعيش حياة لهو، أو ترف، أو بؤس، أو تهميش، لتكون لك دراية بالوضع، وترصده بعين حكيمة.

لقد كنت محظوظا أن عشت فترات متباينة، سرت خلالها في دروب بعضها نيّر ليلها كنهارها، وبعضها بهيم أستنير فيه بمشاعل تبزغ في الأفق، وقد حاولت أحيانا أن أكون مع الركب، حاملا لمشعل يستنير به غيري، متلمّسا الأحلام البسيطة؛ تلك الأحلام المشروعة التي ليست صعبة التحقيق والمنال، المؤمّلة في الحق المشروع في العيش الكريم، وإيجاد حيّز في هذا المجال...

- في كلمة أخيرة، كقاص ومهتم بالشأن المحلي، ما هي مشاريعك الإبداعية المستقبلية؟

- لحد الآن لدي مجرد فكرة عن كتابة رواية في المستقبل القريب بحول الله، أرجو الله أن يوفقني، به أستعين وهو ولي التوفيق، وشكرا.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح