د. عيسى الـدودي*
(لأن البدانة ليست موضة، ولأن القارئ النهم والأكول الشره في طريقهما إلى الانقراض كما الديناصورات. تتبعت نظام حمية صارم:
تناولت وجبة خفيفة جدا..
كتبت قصة قصيرة جدا..
فأصبحنا رشيقين جدا..)
تقـــــديم:
استهل الكاتب والباحث جمال الدين الخضيري باكورة أعماله بعمل إبداعي ينتمي لجنس القصة القصيرة جدا، بعنوان "فقاقيع"، دشن به مشروعه الإبداعي في مجال السرد القصصي. وحتى وإن كان هذا هو أول أعماله فإن المتصفح لهذه المجموعة القصصية يدرك منذ الوهلة الأولى أنه أمام كاتب متمرس، يملك ناصية اللغة، يجعلها مطواعة بين يديه، يصوغ منها نصوصا محكمة البناء قائمة على التناغم الداخلي والترابط المتين بين مكونات المادة القصصية، مع امتلاك قدرة فائقة على اقتناص وانتقاء اللحظات المؤثرة والمتوترة من الواقع الاجتماعي والحياة اليومية. وهكذا فقد دخل غمار هذا الجنس الأدبي وهو متمكن من تقنياته وخباياه الفنية والجمالية، ضمن رؤية جمالية واضحة، لهذا جاءت نصوصه غاية في المتعة والجاذبية، يجد القارئ متعة كبيرة في قراءتها والإبحار في عالمها.
ونظرا لأهمية هذا العمل الإبداعي، والإضافة النوعية التي يقدمها في الساحة الأدبية ـ على الأقل في مجال اختصاصه ـ فإننا ارتأينا أن نتناوله من زاوية الانفتاح الأجناسي والمعرفي، ورصد التقاطعات داخله. فكما هو معلوم فإن القصة القصيرة جدا جنس أدبي يتميز بالانفتاح على الفنون والمعارف والأجناس الأدبية الأخرى، فيمكنه أن يوظف الحكي المشهدي أو السرد بعين الكاميرا، والسرد القصصي والروائي، والمحكي الشعري، والمثل، والحكاية، والخرافة، والنكتة، والصورة التشكيلية، والصراع الدرامي..وحسب الدكتور جميل حمداوي فإن: القصة القصيرة جدا تتخذ عدة أشكال وأنماط كالخاطرة والأقصوصة واللوحة الشعرية واللغز والحكمة والمشهد الدرامي وطابع الحبكة السردية المقولبة في رؤوس أقلام . كل ذلك يجعل منها لوحة فنية تتعدد فيها الألوان والبصمات، وتتقاطع فيها الرؤى والأجناس الأدبية.
1 ـ المحكي الشعري:
الأمر الذي يلفت النظر ـ بشكل بارز ـ في هذه المجموعة القصصية، هو تقاطع السرد مع الشعر، فالكاتب يكتب بلغة قريبة من دائرة الشعر، تستمد منه الشاعرية والشعرية معا، في إطار ما يسمى بالشاعرية السردية أو المحكي الشاعري، حيث تكون لغة النص السردي كثيفة ورمزية ومجازية وإيحائية تتجاوز اللغة المعيارية والتقريرية والإنشائية، وعلى حد تعبير جاسم خلف الياس: «هي لغة شعرية تستعير من النص الشعري إمكاناته التي تجعل القارئ يتعامل مع تلك الموجودات النصية (الكلمات/ العلائق) تعاملا شعريا يمنح القصة غنائية مميزة يعلو فيها البوح الشعري الوجداني والمناجاة» . ويضيف عبد الدائم السلامي مؤكدا على الشعرية في تناول الواقع داخل النص القصصي: «فإنه يصح القول إن القصة القصيرة جدا هي النمط الأدبي الأكثر قدرة على تقطيع الواقع وتَمَثُّلِ تفاصيله لبناء معناه الشعري..» . أما سعاد مسكين فعلاقة القصة القصيرة جدا بالشعر تعني عندها بشكل من الأشكال قصيدة النثر، وترى أن: «..تداخل الشعري بالسردي في المتن القصصي القصير جدا عند المبدعين الذين نزحوا من الشعر للكتابة في هذا النوع السردي، ولم يستطيعوا التخلص من إيحائية اللغة وشعريتها» ، وهذا الربط وإن كان صحيحا في بعض جوانبه ويمكن أن نسم به بعض المبدعين، فإنه لا يمكن أن نعممه على كافة المبدعين في مجال القصة القصيرة جدا، لأن شقا مهما منهم اختار أن يحصر اهتمامه داخل مجال السردات فقط، وتراوح إبداعه بين الرواية والقصة والقصة القصيرة ثم القصة القصيرة جدا دون تحريك قلمه وقريحته في مجال الشعر.
والشاعرية من هذا الجانب لا يجب أن تهيمن على النص القصصي وتحرفه عن مساره القصصي، بل المطلوب هو أن تتماهى لغة السرد القصصي مع لغة الشعر، دون الإفراط في هذه الأخيرة والمبالغة فيها. وعليه فإن اللغة الشعرية يمكن إدراكها في المفردات والتراكيب والصور، والغنائية التي هي من أركان الخطاب الشعري، والغموض الذي يعد من الركائز الأساسية للشعر، والإيقاع الداخلي الذي يهيمن عليه التوازي والتكرار والمقابلة...
فمن ناحية اللغة، فإنه تكاد تكون كل العناصر المكونة لفن القصة القصيرة جدا والمتحكمة في مفاصله، تستمد ماهيتها ووجودها من اللغة، وتتكئ عليها في مراحل تكونها وتشكلها، فهي التي تحدد ـ في المقام الأول ـ سر نجاح الكاتب أو فشله، وهي التي تكشف الفروق بين كاتب وآخر، وعلى العموم فهي أساس العمل الإبداعي ومفتاحه السري. وهكذا فإن اللغة في هذه المجموعة القصصية زئبقية إلى أبعد الحدود، مكثفة بالحمولات النحوية والتركيبة والبلاغية والإيقاعية.
وأول ما يمكن أن يستوقفنا في هذه المجموعة القصصية من زاوية اللغة، هو أنها ـ في كثير من جوانبها ـ تميل إلى الكلام الحوشي والغريب والمعقد، الذي يحتاج فيه القارئ إلى وقفات للتمعن في الكلمات ومحاولة فك ألغازها وطلاسمها ورموزها، ولعل هذا يدفعنا إلى القول أن هذه المجموعة تحتاج لقارئ متمرس في اللغة عارف بخباياها ودروبها، والغموض كما هو معروف يبقى أولا وأخيرا مزية من مزايا الشعر مادام يخدم مقصدية النص وأغراضه. وهذه بعض هذه المفردات المستعصية الواردة في أماكن متناثرة من المجموعة القصصية: (دبق، الرهز، النهز، رِبْكًا...).
ومن ناحية خلق إيقاع موسيقي جذاب وعذب داخل النصوص، فإنه ـ على ما يبدو ـ حاول الكاتب جاهدا أن يكثر من الجناس ويتلاعب باللغة لموسقة مقاطع من قصصه، والأمثلة كثيرة في هذا العمل الإبداعي، مثل: [قصف، قطف/رحلة، نِحْلة/ عفس، عسف/ الرهز، النهز/ يتمطى، يتخطى/ يَعُضُّنِي، يَعِظُنِي/ شيح، ريح/ نفخا، نفحا، نفجا/ إحصاء، إخصاء/ تسعى، أفعى/تتوسل، تتسول..]. ويمكننا هنا أن نضيف مثالا آخر في سياقه النصي من قصة [من مشاهدات الرائي اللامرئي]: "أرى البيداء ترعفني، لا ترفعني، لا تعرفني من غير قرطاس ولا قلم".
وفي محاولة منه لتوليد التوازي، نلاحظ أن كثيرا من النصوص تخترقها الازدواجية والثنائية في الخطاب والتقابلات أو الثنائيات الضدية، والأمثلة على ذلك كثيرة من ذلك، قوله في قصة [صراخ مركب]: "الإنسان سيد ما هو خارجه، وعبد لما هو داخله"، وفي قصة [ربوتان]: "كانت فتاة فارعة الطول، هضيمة الكشح..أما هو فكان قصيرا"، أضف إلى ذلك الكلمات المتقابلة التي جاءت على غرار الطباق: (قبل≠ دبر/ تروح≠ تغدو/ صيف≠ شتاء..). ويحضر كذلك بشكل ملفت للنظر التكرار الذي يضفني على النصوص جرسا موسيقيا متناغما كما في قصة [حمية]:
"تناولت وجبة خفيفة جدا..
كتبت قصة قصيرة جدا..
فأصبحنا رشيقين جدا.."
وكذلك في قصة [العتـَّال]:
"ـ الحمال أرسلناه إلى المهجر
ـ الحمال موجود في المتجر
ـ الحمال غادر المتجر".
ولتغذية النصوص السردية بالخيال الشعري، فإنه يوظف كل الأشكال الفنية التي تعزز هذا الجانب، كالتشبيه والاستعارة والتورية والانزياح والرمز والعلامات، وذلك بأسلوب شاعري تتأجج فيه العاطفة الجياشة وتبلغ أقصى مداها، كقوله في قصة [كلمات]: "أرى البحر يطل من عينيك، وشعرك جواد جامح"، وفي موضع آخر يقول: "أرى البيداء ترعفني، لا ترفعني، لا تعرفني من غير قرطاس ولا قلم. أراها تسربلت عارية عاوية، تحفل بالقفار والآبار، تقتلعني، تبتلعني، في كل ثقب باب، أو خرمة خيمة تلتقي العيون بالعيون، تَتَسَقَّطُ الثنايا والزوايا، لا هسيس ولا جليس...".
كل هذه الخصائص وغيرها من خصائص فن الشعر التي تخترق النصوص السردية، هي اختيار للقاص يستجيب فيها لصيغة الكتابة الحديثة وتقنياتها، يقول خليفة ببا هواري عن هذا التوجه في المزج بين ما هو سردي وما هو شاعري: «ثم إن هذا الاختيار يساهم في صنع شاعرية وشعرية هذا الجنس، من خلال البحث عن أسلوب تعبيري سلس يساهم في تأطير النصوص، ضمن رغبة الكاتب في جعل النص القصير نصا للاستماع أكثر منه للقراءة. وهو ما يبحث عنه كتاب القصة القصيرة جدا عندما يؤكدون على أن هذا النوع من الكتابة هو استجابة لمطلب العصرنة في زمن السرعة» .
2 ـ الانفتاح على المسرح والتوتر الدرامي:
المتصفح لهذه المجموعة القصصية تطالعه كثير من النصوص التي تتقاطع مع الفن المسرحي، أو تخترقها على الأقل بعض خصائصه ومميزاته. وبذلك تستوقفنا في هذه الأضمومة عدة نصوص ذات طابع درامي، يغلب عليها التوتر، وتميل إلى الصراع وكشف التناقضات بين الأفكار والمبادئ والتصورات، وتدخل فيها الشخصيات في صدام مع بعضها بعضا، مما يضفي على هذه النصوص زخما من الحيوية والحركة والدينامية التي تساهم بشكل وافر في خلق التشويق وإثارة انتباه القارئ. ولعل توظيف جوانب من تقنيات الفن المسرحي هنا ليس غريبا أو بعيدا عن كاتبنا جمال الدين الخضيري الذي يدخل المسرح في مجال اهتماماته وأبحاثه، إذ إلى جانب كتاباته القصصية يعد من النقاد المسرحيين الذين لهم دراية واسعة بهذا الفن.
وفي هذا الإطار فإن هذا العمل الإبداعي الذي بين أيدينا يتضمن عدة شواهد تؤكد حقيقة سعيه لخلق تقاطعات وتداخلات بين هذه الفنين. من ذلك القصة المعنونة ب [قناع] التي جاءت على شاكلة الحوار المسرحي الذي ساهم في بناء أحداثها، بالإضافة إلى توظيفه فيها معجما جاء من عالم المسرح مثل (قناع، مسرح، تُمَثِّــل):
"هو: أود أن أشتري قناعا يا حبيبتي.
هي: لِمَ، أتنوي أن تمثل في مسرح؟
هو: لا، لكن حتى يبدو وجهي محايدا وأنا أغازلكِ، و...
هي: أتضع قناعا على قناع؟!
صفقت في وجهه الباب وهي تقول:
ـ في الوقت الذي كنت أنتظر أن تتجرد من أصباغك، تتمترس في قلاعك".
لكن الاستفادة من المسرح بشكل ظاهر وجلي تبدو واضحة في قصة [من مشاهدات الرائي اللامرئي]، التي جاءت في بنائها وهيكلها الخارجي على شكل مسرحية، مكونة من تمهيد وثلاثة مشاهد وخاتمة؛ وهكذا فقد مَهَّدَ لها بمدخل على لسان الراوي بدأه هكذا: «مَشاهد قد تكون شَهَادة ومُشاهَدة...»، ثم توالت بعدها المشاهد التي قسمها إلى ثلاثة:
المشهد الأول: أراهم في الميترو، في حمام السباحة، في كوكب ما، في اللامكان،...
المشهد الثاني: أرى البيداء ترعفني، لا ترفعني، لا تعرفني من غير قرطاس ولا قلم...
المشهد الثالث: أرى الميترو نفسه يشق البيداء. تمتد "البركة الحسناء، كالفسائل تُسْتورد بنادلاتها ومرتاديها الأسواق...
وفي الأخير أنهى هذه القصة بخاتمة على هذا النحو: (كم كنت هائجا في فلوات ذاتي تطوقني طاقية إخفاء، يتخطاني مراقب التذاكر، وأنا أمتطي ميترو الأنفاق!!).
ما قلناه عن حضور المسرح في إعمال الكاتب يقودنا إلى الحديث عن ركيزة أساسية يقوم عليها المسرح وهي بنية الصراع التي تهيمن على جل النصوص التي اشتغل عليها الكاتب، فالشخصيات تجد نفسها باستمرار في صدام ومواجهة مع ذوات أخرى، والمبادئ والتصورات تتقاطع وتتنافر، والمصالح تتضارب بين الأطراف المختلفة، والأمر ونقيضه هو السائد والمتحكم في متن النصوص. يؤكد هذه الحقيقة عبد العاطي الزياني في محور سماه "جدل النقائض" من كتابه (الماكروتخييل في القصة القصيرة جدا بالمغرب)، إذ يقول: «..فالنقيض يستمد حضوره الملح من صراعه مع الآخر المختلف الذي أوجدته صيرورة الحياة، ومن ثم فالصراع والتدافع يتماثل وجوده في الواقع وفي السرد، ومن ثم ستكون الشخصيات حاملة قيما مخالفة لغيرها» .
وهكذا فقد عالج بهذا الصدد التناقضات الاجتماعية للإنسان المعاصر، إذ في الوقت الذي يوجد هناك من يموت جوعا، هناك من يموت بالتخمة، والصراع مع المدنية التي تحرم الإنسان الراحة وهدوء البال. وتمتد المواجهة والصراع إلى المظاهر والسلوكيات السلبية كالرشوة والنفاق والأنانية والتجسس، ولنتابع مع الكاتب ما يلي في قصة [الغانية والملتحي]: "قالت وهي تضج بالمساحيق:
ـ عِظْنِي يا شيخ.
ظل محدقا فيها مأسورا بجمالها الوحشي الصاعق، حتى اعتقدت أنه تاهت منه لفظة البدء. فقال:
ـ تساوينا في هذا، أحتاج اللحظة إلى من يَعُضُّنِي، عفوا، إلى من يَعِظُنِي مثلك.
عَضَّتْ شفتيها، وانصرفت متمايلة، ثانية أعطافها".
ثم إن هذا الصراع يرد في بعض الأحايين على شكل صراع داخلي يتم التعبير عنه على شكل مونولوج يخاطب فيه الكاتب نفسه، كما في قصة [فراق] التي جسدت الحرب المستعرة والمعاناة الشديدة للتخلي عن التدخين، إذ عمد في هذه القصة إلى شخصنة السيجارة التي تحولت إلى إمرة فاتنة تملك كل مقومات الإغراء والإثارة، لكنه استطاع مقاومة فتنتها: "أخيرا قررت أن أتخلى عنها ولا أولي وجهي شطر مضانها يكفي ما مضى..مع ذلك كانت تتقاسم معي ميزانيتي الضئيلة..وكانت لا ترفض أن نتناوب عليها أنا وصديق لي..كم كان يحلو لها أن ترمي بثقلها على صدري أو على صدورنا وتغرقنا بأريجها المميز..أما هذه المرة فلا، فإن إرادتي من حديد، فها أنا ذا أرميها إلى الأبد غير آسف..إلى الجحيم سيجارتي."
3 ـ المستنسخات النصية:
العنصر الآخر المساهم في انفتاح النص، هو التناص والمستنسخات النصية، إذ يقوم النص الأدبي بعملية امتصاص للغات، والخطابات الشفهية أو المكتوبة، والنصوص الشعبية أو العالمة، سواء كانت تاريخية أم فلسفية أم دينية، قديمة أم حديثة. أي إن هذه النصوص تكون: «مفتوحة على الحمولات الثقافية والواقعية والمستنسخات الإحالية والمرجعيات التراثية في إطار التناص، فيغدو النص القصصي في هذه الحالة متفاعلا في حاجة إلى القراءة وقراءة القراءة حسب اختلاف القراء وسياق النص المقروء» ، ويصبح قادرا على استيعاب شتى الخطابات والأفكار، وبذلك فإن :«ميدان عمله ميدان واسع، يشمل كل ما أنتجته الحضارة الإنسانية» . فهذه الإحالات المعرفية تقحم النص الأدبي في حوارية مع النصوص والمرجعيات الفكرية الأخرى. فيغدو النص من هذه الناحية متعدد الأصوات، ومفتوحا ومتداخلا ومتفاعلا مع النصوص الأخرى التي يدخل معها في علاقات، فيؤسس بذلك للاختلاف والتنوع والتداخل الإيجابي. وكلما كان النص يتميز بتعدد المراجع التي يحيل عليها، واختراقه من طرف الذاكرة التراثية والشعبية، فإنه يكون غنيا ودسما وجذابا. وهذا ما يمكن ملاحظته في قصص جمال الدين الخصيري التي جاءت حبلى بهذه المستنسخات والتناصات، وهنا سنحاول رصد أنواع من المتناصات، من قبيل:
أ ـ المتناص الديني: يتعلق الأمر بالإحالات الكثيرة على القرآن الكريم، وتوظيفه بشكل يخدم المتن القصصي ومقصديته، مثل: "هم بها وهمت به..تحسس قميصه في ذهول فلم ير أنه قُدَّ من قُبُلٍ ولا دُبُرٍ" في قصة [حالة طوارئ]، وقوله في قصة [اختراع] : "فيخيل إليه أنه أصبح قاعا صفصفا، تذروه الرياح.."، وكذلك في قصة "التنين الفارغ فاه": "في المطعم الشرقي، انتبذت مكانا غير شرقي، تتناول طعامها في تأنق".
ب ـ المتناص الفلسفي: الذي يحيلنا على شخصيات ورؤى فلسفية، كما هو الشأن مع الفيلسوف داروين ونظريته حول النشوء والارتقاء التي ترجع أصل الإنسان إلى القرد، لكن الكاتب وظف هذا المعطى الفلسفي دون أن ينساق مع هذه النظرية، وذلك بكشف جوانب من طبيعة الإنسان المعاصر الذي تخلى عن إنسانيته وانحدر إلى مستوى الحيوان. جاء في قصة [قرد..قرد]:
"في حديقة (داروين) القائمة في ضواحي المدينة سرعان ما وقف الطفل عند أحد الأقفاص وقال صائحا:
ـ أهذا هو القرد يا جدي؟
ـ قال الجد: نعم يا حفيدي..
ـ قال القرد: نعم يا حفيدي.."
وكذلك فعل مع ديكارت في قصة [مسح الطاولة]، وبودلير في قصة [الأزهار المندغمة].
ج ـ المتناص التاريخي: إذ يقوم الكاتب باستحضار شخصيات وأحداث تاريخية، مثل شخصية عباس بن فرناس، وحرب داحس والغبراء، والفتنة الكبرى..ويقوم بتطويعها وتوظيفها في المحكي السردي، بعد أن يبعدها عن سياقها التاريخي، ثم يعمل على تحيينها وإقحامها في الواقع الاجتماعي لخدمة القضايا والهموم الراهنة.
د ـ المتناص الأدبي والفني: لا يفوت الكاتب الاستفادة من التراث الأدبي والفني بكل ألوانه، فقد رأينا آنفا كيف أن الفن المسرحي يخترق عددا من قصصه، ثم الفن التشكيلي الذي يستوقفنا في قصة [بورتريه] عندما يقول: "أراد أن يختزل ملامح مدينته في لوحة تشكيلية على شكل بورتريه لامرأة تغزوها ضحكة جوكاندية"، ونجد كذلك في موضع آخر من هذه المجموعة، وبالضبط في قصة [لوحة]: "زرت معرضا للفن التشكيلي، فجذبتني لوحة تتشابك فيها الخطوط والألوان، ويتخاصم على أديمها الغموض والفصاحة. قرأت فيها كل شيء ولم أستوعب أي شيء". وللفن السينمائي كذلك حَيِّزُهُ من خلال توظيف الرسوم المتحركة خاصة "توم جيري"، جاء في قصة [سباق تسلح]: "لجأ القط إلى كوخ العم (توم). استعار منه وسائل حربية تعينه على الإغارة والمطاردة.
اضطر الفأر بدون أن يجاريه ويستعين بالحليف (جيري) وتجريب أشكال غير مسبوقة من التخفي والهروب". أما الشعر فهو كذلك له حصته ونصيبه كما هو الحال في قصة [حب على شاكلة البعير] التي جاء فيها: "زارتني خليلتي كعادتها في غرفتي نهاية هذا الأسبوع. وما طفقنا في عزف وصلة غرامية رائقة حتى بدأ كلبي المدلل يضايقني ويهش وينبح ويلح علي إلحاحا أن أكلم فتاتي في أمره. سرعان ما عربد التجهم على وجهها وساحتها فقالت:
ـ ما به؟
ـ يريد أن تجلبي له كلبتك. له حاجياته الغريزية مثلنا، أليس كذلك..
ـ لكن الأمر لا يستقيم...
ـ لا يستقيم !! ولم؟
ـ لو كان الأمر يتعلق بحيوانات أخرى ربما..أما أن نتساوى مع الكلاب فلا..
ـ ومع أي الحيوانات تريدين أن نتساوى؟
ـ ألم تسمع قول الشاعر: (وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري)".
الملاحظ هنا في ذيل هذه القصة التوظيف الذي يصل حد الاقتباس من شاعر آخر هو المنخل اليشكري، الذي قال بيته الذي صار أشهر من نار على علم: (ما شف جسمي غير وجدك فاهدئي عني وسيري/ وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري)، لكن الكاتب قام بمحو النص الأصلي، أو على الأقل إظهاره في صورة باهتة، وفي المقابل أضفى عليه سمات وخصوصيات ذاتية نزعت منه جانبه التاريخي والماضوي، وجعلته ماثلا أمامنا في الواقع يعبر عن المرحلة واللحظة الراهنة والحياة الواقعية والاجتماعية. وفي نموذج آخر من النص يقول: "أرى البيداء ترعفني، لا ترفعني، لا تعرفني من غير قرطاس ولا قلم"، ويبدو التصرف هنا واضحا في البيت الشعري المشهور للمتنبي الذي يقول فيه: (الخيل والليل والبيداء تعرفني/والسيف والرمح والقرطاس والقلم).
هـ ـ المتناص الشعبي: يتكئ الكاتب في هذه المجموعة على كثير من الأمثال والنكت والمسكوكات، وهي في مجملها أقوال سائرة تتناقلها الألسنة في التداول اليومي، مثل: (ليس في القنافذ أملس/ زوبعة في فنجان/"إن وراء البغلين ما وراءهما" صيغت العبارة هنا على غرار المثل القائل: "إن وراء الأكمة ما وراءها"/ ضربوا الأخماس في الأسداس/ السندباد/ التبركيك..). والتناص من هذه الناحية يتقاسمه ما هو شرقي ينتمي للثقافة الشرقية، وما هو محلي يرجع للبيئة المغربية.
وفي الأخير نخلص أن الكاتب جمال الدين الخضيري في هذه المجموعة القصصية استطاع أن يمنح للسرد القصصي بالمغرب قيمة مضافة، من خلال التقنيات التي أودعها عمله الإبداعي، وعلى رأسها قدرته على السعي لتهميش فكرة الصفاء الأجناسي، وتعزيزه الانفتاح والحوارية، وتأكيده على تعدد الأصوات وخلق التقاطعات ومواطن الالتقاء داخل مجموعته "فقاقيع". وما قلناه حول هذه المجموعة يحتاج إلى مزيد من الأضواء التي ستكشف الأسرار الفنية التي تخترق هذا العمل الإبداعي.
الهوامش:
1 ـ فقاقيع: قصص قصيرة جدا، جمال الدين الخضيري، التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع/ الرباط، طبعة 2010، ص: 44.
2 ـ القصة القصيرة جدا في المغرب: قراءات في المتون، د. جميل حمداوي، منشورات مقاربات (مجلة العلوم الإنسانية)، الطبعة الأولى 2009، ص: 12.
3ـ القصة القصيرة جدا نوعا أدبيا، جاسم خلف الياس، مجرة: فصلية إبداعية نقدية، عدد ممتاز حول القصة القصيرة جدا، العدد: 13، خريف: 2008، ص: 30.
4 ـ شعرية الواقع في القصة القصيرة جدا (قصص عبد الله المتقي ومصطفى لغتيري أنموذجا)، عبد الدائم السلامي، منشورات أجراس، المطبعة: دار القرويين، الطبعة الأولى: 2007، ص: 6.
5ـ القصة القصيرة جدا في المغرب: تصورات ومقاربات، د. سعاد مسكين، التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع/ الرباط، الطبعة الأولى: 2011، ص: 21.
6 ـ بنيات الصراع في "مضلة في قبر" لمصطفى لغتيري، خليفة ببا هواري، المنعطف الثقافي، العدد: 211، السبت/الأحد 20/21 شتنبر 2008، ص: 6.
7 ـ الماكروتخييل في القصة القصيرة جدا بالمغرب، د. عبد العاطي الزياني، منشورات مقاربات: سلسلة بحوث المجلة، الطبعة الأولى يناير 2009، ص: 28.
8 ـ المقاربة النقدية للقصة القصيرة جدا بالمغرب: الدكتور جميل حمداوي نموذجا، عيسى الدودي، الراوي: دورية تعنى بالسرديات العربية، العدد: 22، ربيع الأول 1431هـ/ مارس 2010م، ص: 73.
9 ـ نحو تحديد المصطلحات: التناص..الأدب المقارن..السرقات الأدبية، إبراهيم نمر موسى، علامات في النقد: المجلد 16، الجزء: 64، صفر 1429هـ/ فبراير 2008، ص: 68.
نبذة عن الكاتب:
ـ عيسى الدودي.
ـ من مواليد:26-06-1973.
ـ مزداد: بفرخانة/الناظور/المغرب.
ـ متزوج، أب لثلاثة أطفال.
ـ أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي/ مقر الطلبة المغاربة المسلمين بمليلية: نيابة الناظور.
ـ أستاذ زائر بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور.
ـ حاصل على دبلوم الدراسات العليا المعمقة عام 2000 في موضوع: "ابن قزمان في كتابات المستعربين الإسبان".
ـ حاصل على الدكتوراه عام 2006 في موضوع: "ابن قزمان: جسر بين الشرق والغرب"
ـ باحث في الثقافة والأدب.
ـ نشرت له مقالات في مجلات مغربية وعربية ورقية ورقمية.
ـ صدر له كتاب "فضاءات الأدب المقارن" سنة 2007.
(لأن البدانة ليست موضة، ولأن القارئ النهم والأكول الشره في طريقهما إلى الانقراض كما الديناصورات. تتبعت نظام حمية صارم:
تناولت وجبة خفيفة جدا..
كتبت قصة قصيرة جدا..
فأصبحنا رشيقين جدا..)
تقـــــديم:
استهل الكاتب والباحث جمال الدين الخضيري باكورة أعماله بعمل إبداعي ينتمي لجنس القصة القصيرة جدا، بعنوان "فقاقيع"، دشن به مشروعه الإبداعي في مجال السرد القصصي. وحتى وإن كان هذا هو أول أعماله فإن المتصفح لهذه المجموعة القصصية يدرك منذ الوهلة الأولى أنه أمام كاتب متمرس، يملك ناصية اللغة، يجعلها مطواعة بين يديه، يصوغ منها نصوصا محكمة البناء قائمة على التناغم الداخلي والترابط المتين بين مكونات المادة القصصية، مع امتلاك قدرة فائقة على اقتناص وانتقاء اللحظات المؤثرة والمتوترة من الواقع الاجتماعي والحياة اليومية. وهكذا فقد دخل غمار هذا الجنس الأدبي وهو متمكن من تقنياته وخباياه الفنية والجمالية، ضمن رؤية جمالية واضحة، لهذا جاءت نصوصه غاية في المتعة والجاذبية، يجد القارئ متعة كبيرة في قراءتها والإبحار في عالمها.
ونظرا لأهمية هذا العمل الإبداعي، والإضافة النوعية التي يقدمها في الساحة الأدبية ـ على الأقل في مجال اختصاصه ـ فإننا ارتأينا أن نتناوله من زاوية الانفتاح الأجناسي والمعرفي، ورصد التقاطعات داخله. فكما هو معلوم فإن القصة القصيرة جدا جنس أدبي يتميز بالانفتاح على الفنون والمعارف والأجناس الأدبية الأخرى، فيمكنه أن يوظف الحكي المشهدي أو السرد بعين الكاميرا، والسرد القصصي والروائي، والمحكي الشعري، والمثل، والحكاية، والخرافة، والنكتة، والصورة التشكيلية، والصراع الدرامي..وحسب الدكتور جميل حمداوي فإن: القصة القصيرة جدا تتخذ عدة أشكال وأنماط كالخاطرة والأقصوصة واللوحة الشعرية واللغز والحكمة والمشهد الدرامي وطابع الحبكة السردية المقولبة في رؤوس أقلام . كل ذلك يجعل منها لوحة فنية تتعدد فيها الألوان والبصمات، وتتقاطع فيها الرؤى والأجناس الأدبية.
1 ـ المحكي الشعري:
الأمر الذي يلفت النظر ـ بشكل بارز ـ في هذه المجموعة القصصية، هو تقاطع السرد مع الشعر، فالكاتب يكتب بلغة قريبة من دائرة الشعر، تستمد منه الشاعرية والشعرية معا، في إطار ما يسمى بالشاعرية السردية أو المحكي الشاعري، حيث تكون لغة النص السردي كثيفة ورمزية ومجازية وإيحائية تتجاوز اللغة المعيارية والتقريرية والإنشائية، وعلى حد تعبير جاسم خلف الياس: «هي لغة شعرية تستعير من النص الشعري إمكاناته التي تجعل القارئ يتعامل مع تلك الموجودات النصية (الكلمات/ العلائق) تعاملا شعريا يمنح القصة غنائية مميزة يعلو فيها البوح الشعري الوجداني والمناجاة» . ويضيف عبد الدائم السلامي مؤكدا على الشعرية في تناول الواقع داخل النص القصصي: «فإنه يصح القول إن القصة القصيرة جدا هي النمط الأدبي الأكثر قدرة على تقطيع الواقع وتَمَثُّلِ تفاصيله لبناء معناه الشعري..» . أما سعاد مسكين فعلاقة القصة القصيرة جدا بالشعر تعني عندها بشكل من الأشكال قصيدة النثر، وترى أن: «..تداخل الشعري بالسردي في المتن القصصي القصير جدا عند المبدعين الذين نزحوا من الشعر للكتابة في هذا النوع السردي، ولم يستطيعوا التخلص من إيحائية اللغة وشعريتها» ، وهذا الربط وإن كان صحيحا في بعض جوانبه ويمكن أن نسم به بعض المبدعين، فإنه لا يمكن أن نعممه على كافة المبدعين في مجال القصة القصيرة جدا، لأن شقا مهما منهم اختار أن يحصر اهتمامه داخل مجال السردات فقط، وتراوح إبداعه بين الرواية والقصة والقصة القصيرة ثم القصة القصيرة جدا دون تحريك قلمه وقريحته في مجال الشعر.
والشاعرية من هذا الجانب لا يجب أن تهيمن على النص القصصي وتحرفه عن مساره القصصي، بل المطلوب هو أن تتماهى لغة السرد القصصي مع لغة الشعر، دون الإفراط في هذه الأخيرة والمبالغة فيها. وعليه فإن اللغة الشعرية يمكن إدراكها في المفردات والتراكيب والصور، والغنائية التي هي من أركان الخطاب الشعري، والغموض الذي يعد من الركائز الأساسية للشعر، والإيقاع الداخلي الذي يهيمن عليه التوازي والتكرار والمقابلة...
فمن ناحية اللغة، فإنه تكاد تكون كل العناصر المكونة لفن القصة القصيرة جدا والمتحكمة في مفاصله، تستمد ماهيتها ووجودها من اللغة، وتتكئ عليها في مراحل تكونها وتشكلها، فهي التي تحدد ـ في المقام الأول ـ سر نجاح الكاتب أو فشله، وهي التي تكشف الفروق بين كاتب وآخر، وعلى العموم فهي أساس العمل الإبداعي ومفتاحه السري. وهكذا فإن اللغة في هذه المجموعة القصصية زئبقية إلى أبعد الحدود، مكثفة بالحمولات النحوية والتركيبة والبلاغية والإيقاعية.
وأول ما يمكن أن يستوقفنا في هذه المجموعة القصصية من زاوية اللغة، هو أنها ـ في كثير من جوانبها ـ تميل إلى الكلام الحوشي والغريب والمعقد، الذي يحتاج فيه القارئ إلى وقفات للتمعن في الكلمات ومحاولة فك ألغازها وطلاسمها ورموزها، ولعل هذا يدفعنا إلى القول أن هذه المجموعة تحتاج لقارئ متمرس في اللغة عارف بخباياها ودروبها، والغموض كما هو معروف يبقى أولا وأخيرا مزية من مزايا الشعر مادام يخدم مقصدية النص وأغراضه. وهذه بعض هذه المفردات المستعصية الواردة في أماكن متناثرة من المجموعة القصصية: (دبق، الرهز، النهز، رِبْكًا...).
ومن ناحية خلق إيقاع موسيقي جذاب وعذب داخل النصوص، فإنه ـ على ما يبدو ـ حاول الكاتب جاهدا أن يكثر من الجناس ويتلاعب باللغة لموسقة مقاطع من قصصه، والأمثلة كثيرة في هذا العمل الإبداعي، مثل: [قصف، قطف/رحلة، نِحْلة/ عفس، عسف/ الرهز، النهز/ يتمطى، يتخطى/ يَعُضُّنِي، يَعِظُنِي/ شيح، ريح/ نفخا، نفحا، نفجا/ إحصاء، إخصاء/ تسعى، أفعى/تتوسل، تتسول..]. ويمكننا هنا أن نضيف مثالا آخر في سياقه النصي من قصة [من مشاهدات الرائي اللامرئي]: "أرى البيداء ترعفني، لا ترفعني، لا تعرفني من غير قرطاس ولا قلم".
وفي محاولة منه لتوليد التوازي، نلاحظ أن كثيرا من النصوص تخترقها الازدواجية والثنائية في الخطاب والتقابلات أو الثنائيات الضدية، والأمثلة على ذلك كثيرة من ذلك، قوله في قصة [صراخ مركب]: "الإنسان سيد ما هو خارجه، وعبد لما هو داخله"، وفي قصة [ربوتان]: "كانت فتاة فارعة الطول، هضيمة الكشح..أما هو فكان قصيرا"، أضف إلى ذلك الكلمات المتقابلة التي جاءت على غرار الطباق: (قبل≠ دبر/ تروح≠ تغدو/ صيف≠ شتاء..). ويحضر كذلك بشكل ملفت للنظر التكرار الذي يضفني على النصوص جرسا موسيقيا متناغما كما في قصة [حمية]:
"تناولت وجبة خفيفة جدا..
كتبت قصة قصيرة جدا..
فأصبحنا رشيقين جدا.."
وكذلك في قصة [العتـَّال]:
"ـ الحمال أرسلناه إلى المهجر
ـ الحمال موجود في المتجر
ـ الحمال غادر المتجر".
ولتغذية النصوص السردية بالخيال الشعري، فإنه يوظف كل الأشكال الفنية التي تعزز هذا الجانب، كالتشبيه والاستعارة والتورية والانزياح والرمز والعلامات، وذلك بأسلوب شاعري تتأجج فيه العاطفة الجياشة وتبلغ أقصى مداها، كقوله في قصة [كلمات]: "أرى البحر يطل من عينيك، وشعرك جواد جامح"، وفي موضع آخر يقول: "أرى البيداء ترعفني، لا ترفعني، لا تعرفني من غير قرطاس ولا قلم. أراها تسربلت عارية عاوية، تحفل بالقفار والآبار، تقتلعني، تبتلعني، في كل ثقب باب، أو خرمة خيمة تلتقي العيون بالعيون، تَتَسَقَّطُ الثنايا والزوايا، لا هسيس ولا جليس...".
كل هذه الخصائص وغيرها من خصائص فن الشعر التي تخترق النصوص السردية، هي اختيار للقاص يستجيب فيها لصيغة الكتابة الحديثة وتقنياتها، يقول خليفة ببا هواري عن هذا التوجه في المزج بين ما هو سردي وما هو شاعري: «ثم إن هذا الاختيار يساهم في صنع شاعرية وشعرية هذا الجنس، من خلال البحث عن أسلوب تعبيري سلس يساهم في تأطير النصوص، ضمن رغبة الكاتب في جعل النص القصير نصا للاستماع أكثر منه للقراءة. وهو ما يبحث عنه كتاب القصة القصيرة جدا عندما يؤكدون على أن هذا النوع من الكتابة هو استجابة لمطلب العصرنة في زمن السرعة» .
2 ـ الانفتاح على المسرح والتوتر الدرامي:
المتصفح لهذه المجموعة القصصية تطالعه كثير من النصوص التي تتقاطع مع الفن المسرحي، أو تخترقها على الأقل بعض خصائصه ومميزاته. وبذلك تستوقفنا في هذه الأضمومة عدة نصوص ذات طابع درامي، يغلب عليها التوتر، وتميل إلى الصراع وكشف التناقضات بين الأفكار والمبادئ والتصورات، وتدخل فيها الشخصيات في صدام مع بعضها بعضا، مما يضفي على هذه النصوص زخما من الحيوية والحركة والدينامية التي تساهم بشكل وافر في خلق التشويق وإثارة انتباه القارئ. ولعل توظيف جوانب من تقنيات الفن المسرحي هنا ليس غريبا أو بعيدا عن كاتبنا جمال الدين الخضيري الذي يدخل المسرح في مجال اهتماماته وأبحاثه، إذ إلى جانب كتاباته القصصية يعد من النقاد المسرحيين الذين لهم دراية واسعة بهذا الفن.
وفي هذا الإطار فإن هذا العمل الإبداعي الذي بين أيدينا يتضمن عدة شواهد تؤكد حقيقة سعيه لخلق تقاطعات وتداخلات بين هذه الفنين. من ذلك القصة المعنونة ب [قناع] التي جاءت على شاكلة الحوار المسرحي الذي ساهم في بناء أحداثها، بالإضافة إلى توظيفه فيها معجما جاء من عالم المسرح مثل (قناع، مسرح، تُمَثِّــل):
"هو: أود أن أشتري قناعا يا حبيبتي.
هي: لِمَ، أتنوي أن تمثل في مسرح؟
هو: لا، لكن حتى يبدو وجهي محايدا وأنا أغازلكِ، و...
هي: أتضع قناعا على قناع؟!
صفقت في وجهه الباب وهي تقول:
ـ في الوقت الذي كنت أنتظر أن تتجرد من أصباغك، تتمترس في قلاعك".
لكن الاستفادة من المسرح بشكل ظاهر وجلي تبدو واضحة في قصة [من مشاهدات الرائي اللامرئي]، التي جاءت في بنائها وهيكلها الخارجي على شكل مسرحية، مكونة من تمهيد وثلاثة مشاهد وخاتمة؛ وهكذا فقد مَهَّدَ لها بمدخل على لسان الراوي بدأه هكذا: «مَشاهد قد تكون شَهَادة ومُشاهَدة...»، ثم توالت بعدها المشاهد التي قسمها إلى ثلاثة:
المشهد الأول: أراهم في الميترو، في حمام السباحة، في كوكب ما، في اللامكان،...
المشهد الثاني: أرى البيداء ترعفني، لا ترفعني، لا تعرفني من غير قرطاس ولا قلم...
المشهد الثالث: أرى الميترو نفسه يشق البيداء. تمتد "البركة الحسناء، كالفسائل تُسْتورد بنادلاتها ومرتاديها الأسواق...
وفي الأخير أنهى هذه القصة بخاتمة على هذا النحو: (كم كنت هائجا في فلوات ذاتي تطوقني طاقية إخفاء، يتخطاني مراقب التذاكر، وأنا أمتطي ميترو الأنفاق!!).
ما قلناه عن حضور المسرح في إعمال الكاتب يقودنا إلى الحديث عن ركيزة أساسية يقوم عليها المسرح وهي بنية الصراع التي تهيمن على جل النصوص التي اشتغل عليها الكاتب، فالشخصيات تجد نفسها باستمرار في صدام ومواجهة مع ذوات أخرى، والمبادئ والتصورات تتقاطع وتتنافر، والمصالح تتضارب بين الأطراف المختلفة، والأمر ونقيضه هو السائد والمتحكم في متن النصوص. يؤكد هذه الحقيقة عبد العاطي الزياني في محور سماه "جدل النقائض" من كتابه (الماكروتخييل في القصة القصيرة جدا بالمغرب)، إذ يقول: «..فالنقيض يستمد حضوره الملح من صراعه مع الآخر المختلف الذي أوجدته صيرورة الحياة، ومن ثم فالصراع والتدافع يتماثل وجوده في الواقع وفي السرد، ومن ثم ستكون الشخصيات حاملة قيما مخالفة لغيرها» .
وهكذا فقد عالج بهذا الصدد التناقضات الاجتماعية للإنسان المعاصر، إذ في الوقت الذي يوجد هناك من يموت جوعا، هناك من يموت بالتخمة، والصراع مع المدنية التي تحرم الإنسان الراحة وهدوء البال. وتمتد المواجهة والصراع إلى المظاهر والسلوكيات السلبية كالرشوة والنفاق والأنانية والتجسس، ولنتابع مع الكاتب ما يلي في قصة [الغانية والملتحي]: "قالت وهي تضج بالمساحيق:
ـ عِظْنِي يا شيخ.
ظل محدقا فيها مأسورا بجمالها الوحشي الصاعق، حتى اعتقدت أنه تاهت منه لفظة البدء. فقال:
ـ تساوينا في هذا، أحتاج اللحظة إلى من يَعُضُّنِي، عفوا، إلى من يَعِظُنِي مثلك.
عَضَّتْ شفتيها، وانصرفت متمايلة، ثانية أعطافها".
ثم إن هذا الصراع يرد في بعض الأحايين على شكل صراع داخلي يتم التعبير عنه على شكل مونولوج يخاطب فيه الكاتب نفسه، كما في قصة [فراق] التي جسدت الحرب المستعرة والمعاناة الشديدة للتخلي عن التدخين، إذ عمد في هذه القصة إلى شخصنة السيجارة التي تحولت إلى إمرة فاتنة تملك كل مقومات الإغراء والإثارة، لكنه استطاع مقاومة فتنتها: "أخيرا قررت أن أتخلى عنها ولا أولي وجهي شطر مضانها يكفي ما مضى..مع ذلك كانت تتقاسم معي ميزانيتي الضئيلة..وكانت لا ترفض أن نتناوب عليها أنا وصديق لي..كم كان يحلو لها أن ترمي بثقلها على صدري أو على صدورنا وتغرقنا بأريجها المميز..أما هذه المرة فلا، فإن إرادتي من حديد، فها أنا ذا أرميها إلى الأبد غير آسف..إلى الجحيم سيجارتي."
3 ـ المستنسخات النصية:
العنصر الآخر المساهم في انفتاح النص، هو التناص والمستنسخات النصية، إذ يقوم النص الأدبي بعملية امتصاص للغات، والخطابات الشفهية أو المكتوبة، والنصوص الشعبية أو العالمة، سواء كانت تاريخية أم فلسفية أم دينية، قديمة أم حديثة. أي إن هذه النصوص تكون: «مفتوحة على الحمولات الثقافية والواقعية والمستنسخات الإحالية والمرجعيات التراثية في إطار التناص، فيغدو النص القصصي في هذه الحالة متفاعلا في حاجة إلى القراءة وقراءة القراءة حسب اختلاف القراء وسياق النص المقروء» ، ويصبح قادرا على استيعاب شتى الخطابات والأفكار، وبذلك فإن :«ميدان عمله ميدان واسع، يشمل كل ما أنتجته الحضارة الإنسانية» . فهذه الإحالات المعرفية تقحم النص الأدبي في حوارية مع النصوص والمرجعيات الفكرية الأخرى. فيغدو النص من هذه الناحية متعدد الأصوات، ومفتوحا ومتداخلا ومتفاعلا مع النصوص الأخرى التي يدخل معها في علاقات، فيؤسس بذلك للاختلاف والتنوع والتداخل الإيجابي. وكلما كان النص يتميز بتعدد المراجع التي يحيل عليها، واختراقه من طرف الذاكرة التراثية والشعبية، فإنه يكون غنيا ودسما وجذابا. وهذا ما يمكن ملاحظته في قصص جمال الدين الخصيري التي جاءت حبلى بهذه المستنسخات والتناصات، وهنا سنحاول رصد أنواع من المتناصات، من قبيل:
أ ـ المتناص الديني: يتعلق الأمر بالإحالات الكثيرة على القرآن الكريم، وتوظيفه بشكل يخدم المتن القصصي ومقصديته، مثل: "هم بها وهمت به..تحسس قميصه في ذهول فلم ير أنه قُدَّ من قُبُلٍ ولا دُبُرٍ" في قصة [حالة طوارئ]، وقوله في قصة [اختراع] : "فيخيل إليه أنه أصبح قاعا صفصفا، تذروه الرياح.."، وكذلك في قصة "التنين الفارغ فاه": "في المطعم الشرقي، انتبذت مكانا غير شرقي، تتناول طعامها في تأنق".
ب ـ المتناص الفلسفي: الذي يحيلنا على شخصيات ورؤى فلسفية، كما هو الشأن مع الفيلسوف داروين ونظريته حول النشوء والارتقاء التي ترجع أصل الإنسان إلى القرد، لكن الكاتب وظف هذا المعطى الفلسفي دون أن ينساق مع هذه النظرية، وذلك بكشف جوانب من طبيعة الإنسان المعاصر الذي تخلى عن إنسانيته وانحدر إلى مستوى الحيوان. جاء في قصة [قرد..قرد]:
"في حديقة (داروين) القائمة في ضواحي المدينة سرعان ما وقف الطفل عند أحد الأقفاص وقال صائحا:
ـ أهذا هو القرد يا جدي؟
ـ قال الجد: نعم يا حفيدي..
ـ قال القرد: نعم يا حفيدي.."
وكذلك فعل مع ديكارت في قصة [مسح الطاولة]، وبودلير في قصة [الأزهار المندغمة].
ج ـ المتناص التاريخي: إذ يقوم الكاتب باستحضار شخصيات وأحداث تاريخية، مثل شخصية عباس بن فرناس، وحرب داحس والغبراء، والفتنة الكبرى..ويقوم بتطويعها وتوظيفها في المحكي السردي، بعد أن يبعدها عن سياقها التاريخي، ثم يعمل على تحيينها وإقحامها في الواقع الاجتماعي لخدمة القضايا والهموم الراهنة.
د ـ المتناص الأدبي والفني: لا يفوت الكاتب الاستفادة من التراث الأدبي والفني بكل ألوانه، فقد رأينا آنفا كيف أن الفن المسرحي يخترق عددا من قصصه، ثم الفن التشكيلي الذي يستوقفنا في قصة [بورتريه] عندما يقول: "أراد أن يختزل ملامح مدينته في لوحة تشكيلية على شكل بورتريه لامرأة تغزوها ضحكة جوكاندية"، ونجد كذلك في موضع آخر من هذه المجموعة، وبالضبط في قصة [لوحة]: "زرت معرضا للفن التشكيلي، فجذبتني لوحة تتشابك فيها الخطوط والألوان، ويتخاصم على أديمها الغموض والفصاحة. قرأت فيها كل شيء ولم أستوعب أي شيء". وللفن السينمائي كذلك حَيِّزُهُ من خلال توظيف الرسوم المتحركة خاصة "توم جيري"، جاء في قصة [سباق تسلح]: "لجأ القط إلى كوخ العم (توم). استعار منه وسائل حربية تعينه على الإغارة والمطاردة.
اضطر الفأر بدون أن يجاريه ويستعين بالحليف (جيري) وتجريب أشكال غير مسبوقة من التخفي والهروب". أما الشعر فهو كذلك له حصته ونصيبه كما هو الحال في قصة [حب على شاكلة البعير] التي جاء فيها: "زارتني خليلتي كعادتها في غرفتي نهاية هذا الأسبوع. وما طفقنا في عزف وصلة غرامية رائقة حتى بدأ كلبي المدلل يضايقني ويهش وينبح ويلح علي إلحاحا أن أكلم فتاتي في أمره. سرعان ما عربد التجهم على وجهها وساحتها فقالت:
ـ ما به؟
ـ يريد أن تجلبي له كلبتك. له حاجياته الغريزية مثلنا، أليس كذلك..
ـ لكن الأمر لا يستقيم...
ـ لا يستقيم !! ولم؟
ـ لو كان الأمر يتعلق بحيوانات أخرى ربما..أما أن نتساوى مع الكلاب فلا..
ـ ومع أي الحيوانات تريدين أن نتساوى؟
ـ ألم تسمع قول الشاعر: (وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري)".
الملاحظ هنا في ذيل هذه القصة التوظيف الذي يصل حد الاقتباس من شاعر آخر هو المنخل اليشكري، الذي قال بيته الذي صار أشهر من نار على علم: (ما شف جسمي غير وجدك فاهدئي عني وسيري/ وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري)، لكن الكاتب قام بمحو النص الأصلي، أو على الأقل إظهاره في صورة باهتة، وفي المقابل أضفى عليه سمات وخصوصيات ذاتية نزعت منه جانبه التاريخي والماضوي، وجعلته ماثلا أمامنا في الواقع يعبر عن المرحلة واللحظة الراهنة والحياة الواقعية والاجتماعية. وفي نموذج آخر من النص يقول: "أرى البيداء ترعفني، لا ترفعني، لا تعرفني من غير قرطاس ولا قلم"، ويبدو التصرف هنا واضحا في البيت الشعري المشهور للمتنبي الذي يقول فيه: (الخيل والليل والبيداء تعرفني/والسيف والرمح والقرطاس والقلم).
هـ ـ المتناص الشعبي: يتكئ الكاتب في هذه المجموعة على كثير من الأمثال والنكت والمسكوكات، وهي في مجملها أقوال سائرة تتناقلها الألسنة في التداول اليومي، مثل: (ليس في القنافذ أملس/ زوبعة في فنجان/"إن وراء البغلين ما وراءهما" صيغت العبارة هنا على غرار المثل القائل: "إن وراء الأكمة ما وراءها"/ ضربوا الأخماس في الأسداس/ السندباد/ التبركيك..). والتناص من هذه الناحية يتقاسمه ما هو شرقي ينتمي للثقافة الشرقية، وما هو محلي يرجع للبيئة المغربية.
وفي الأخير نخلص أن الكاتب جمال الدين الخضيري في هذه المجموعة القصصية استطاع أن يمنح للسرد القصصي بالمغرب قيمة مضافة، من خلال التقنيات التي أودعها عمله الإبداعي، وعلى رأسها قدرته على السعي لتهميش فكرة الصفاء الأجناسي، وتعزيزه الانفتاح والحوارية، وتأكيده على تعدد الأصوات وخلق التقاطعات ومواطن الالتقاء داخل مجموعته "فقاقيع". وما قلناه حول هذه المجموعة يحتاج إلى مزيد من الأضواء التي ستكشف الأسرار الفنية التي تخترق هذا العمل الإبداعي.
الهوامش:
1 ـ فقاقيع: قصص قصيرة جدا، جمال الدين الخضيري، التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع/ الرباط، طبعة 2010، ص: 44.
2 ـ القصة القصيرة جدا في المغرب: قراءات في المتون، د. جميل حمداوي، منشورات مقاربات (مجلة العلوم الإنسانية)، الطبعة الأولى 2009، ص: 12.
3ـ القصة القصيرة جدا نوعا أدبيا، جاسم خلف الياس، مجرة: فصلية إبداعية نقدية، عدد ممتاز حول القصة القصيرة جدا، العدد: 13، خريف: 2008، ص: 30.
4 ـ شعرية الواقع في القصة القصيرة جدا (قصص عبد الله المتقي ومصطفى لغتيري أنموذجا)، عبد الدائم السلامي، منشورات أجراس، المطبعة: دار القرويين، الطبعة الأولى: 2007، ص: 6.
5ـ القصة القصيرة جدا في المغرب: تصورات ومقاربات، د. سعاد مسكين، التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع/ الرباط، الطبعة الأولى: 2011، ص: 21.
6 ـ بنيات الصراع في "مضلة في قبر" لمصطفى لغتيري، خليفة ببا هواري، المنعطف الثقافي، العدد: 211، السبت/الأحد 20/21 شتنبر 2008، ص: 6.
7 ـ الماكروتخييل في القصة القصيرة جدا بالمغرب، د. عبد العاطي الزياني، منشورات مقاربات: سلسلة بحوث المجلة، الطبعة الأولى يناير 2009، ص: 28.
8 ـ المقاربة النقدية للقصة القصيرة جدا بالمغرب: الدكتور جميل حمداوي نموذجا، عيسى الدودي، الراوي: دورية تعنى بالسرديات العربية، العدد: 22، ربيع الأول 1431هـ/ مارس 2010م، ص: 73.
9 ـ نحو تحديد المصطلحات: التناص..الأدب المقارن..السرقات الأدبية، إبراهيم نمر موسى، علامات في النقد: المجلد 16، الجزء: 64، صفر 1429هـ/ فبراير 2008، ص: 68.
نبذة عن الكاتب:
ـ عيسى الدودي.
ـ من مواليد:26-06-1973.
ـ مزداد: بفرخانة/الناظور/المغرب.
ـ متزوج، أب لثلاثة أطفال.
ـ أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي/ مقر الطلبة المغاربة المسلمين بمليلية: نيابة الناظور.
ـ أستاذ زائر بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور.
ـ حاصل على دبلوم الدراسات العليا المعمقة عام 2000 في موضوع: "ابن قزمان في كتابات المستعربين الإسبان".
ـ حاصل على الدكتوراه عام 2006 في موضوع: "ابن قزمان: جسر بين الشرق والغرب"
ـ باحث في الثقافة والأدب.
ـ نشرت له مقالات في مجلات مغربية وعربية ورقية ورقمية.
ـ صدر له كتاب "فضاءات الأدب المقارن" سنة 2007.