المزيد من الأخبار






مُحمّد شُكْرِي.. فِي ذكرَى رَحيل كَاتب فَاتَهُ أَن يَكون مَلاكًا فَصَارَ قدِّيسًا


مُحمّد شُكْرِي.. فِي ذكرَى رَحيل كَاتب فَاتَهُ أَن يَكون مَلاكًا فَصَارَ قدِّيسًا
ناظورسيتي: محمد زاهد

لم يكن محمد حدّو الشكري، وهو ابن هجرة المجاعة الريفية التي حدثت خلال أربعينيات القرن الماضي، يحلم أكثر من الحلم نفسه في أن يبلغ الفردوس المفقود- طنجة، حيث الخبز الوافر، وهو الهارب، مشيا عن الأقدام، من القحط والجوع والحرب، وعانى من لغة الاضطهاد الجسدي واللغوي، مع أولى أيام الارتماء بين أحضان مدينته الأسطورية والانغماس في أحشاء معشوقته طنجيس.

أما الحلم الثاني الذي بدأ يسكن دواخل محمد شكري، المزداد سنة 1935 بآيت شيشار، بعد أن ضاع منه الحلم الأول وَفاتَهُ أن يكون ملاكا، وقد انغمس في دم الحياة البئيسة، فكان يتمثل -كما يقول شكري نفسه- في أن يصبح مجرد كاتب محلي، بعد أن آمن بأن الكتابة أداة للتغيير الاجتماعي و"سلاح جميل" بتعبير كاتب آخر من طينة صديقه محمد خير الدين.

بين الحلمين، ضاعت أحلام كثيرة. هكذا كانت ولادة كاتب مغاربي وعالمي ترجمت أعماله إلى أزيد من 40 لغة، إلا لغته الأصلية. أعمال أدبية مازال حضورها وازنا في المشهد الأدبي العالمي، لكونها ترسم مسار تجربة أدبية إنسانية مميزة، لكاتب وإنسان مميز واستثنائي، هو نفسه شكري يتحدث:

قيل لي بأني ولدت في فصل الشتاء، لكن مزاجي خريفي. وأجمل الأشياء يأتيني أولها في نهايتها إلى ما لا نهاية من الأوائل، ولا أحد يأتي بعد مجيء الأخير. ربما هي السبب في مجيء الأخير. بين الليل والنهار، احتمال مزاج بينهما، هذا لوني الأخير.

ممن آخذ حكمة اليوم؟ الأذكياء جنوا أو هم في الشوارع يَهْذَوْنَ، والأحقون بالبقاء هاجروا أو كَبَّلتْهٌم العزلة بسلاسلها الثقيلة. فأين التي أريد أن أأكل التوت من يديها؟

سلامي إلى ليلى، وقل لها بأني ملعون، إلا إذا كانت متسامحة مع الملاعين. أما أنا، فحينما أمتلئ غضبا، أخرج إلى الشارع، لأبول على نفسي وأتبول على الآخرين، ويتبوّل علي الآخرون. أفعل هذا حتى أعيد للكلبيين زمنهم المنسي. أما حينما تصبح التجربة أقوى من الندم، فينمحي الشعور بالذنب. أين أنا من ذكرياتي وتجاربي الماضية والحاضرة؟

إنني لا أريد أن أسير في الماء. أريد أن أسير حيث أترك أثري. أما عن الناس، فكل الذين أعرفهم، يدافعون عن المكان الذي سيموتون فيه. أما أنا، فلم أدافع بعد حتى عن المكان الذي سأعيش فيه. الثلج يطفئ النار. والنار تذيب الثلج. مَا أنا بثلج وما أنا بِنَارٍ...

هو ذا شكري، وقد صار كاتبا عالميا. ابن الريف ومجنون طنجة الذي عاش متمردا ومات عاقلا. انتمى إلى كل الأزمنة، لكنه لم ينسلخ بجلده عن زمانه.

رحم الله الشحرور الأبيض، العلامة البارزة في المشهد الأدبي المغاربي والعالمي. إنه حقا يستحق لقب شكري بك، أمير الصعاليك، وقد مرّ عن رحيله 10 سنوات، رغم أنه ظل منسيا ومهمشا، لكنه سيبقى دوما عظيما. فلم يكن من طينة الأشياء الصغيرة التي تضيع وسط الأشياء الكبيرة. فهل سيرد الاعتبار لأدب الكاتب الراحل محمد شكري؟ وهل سيحظى بالمكانة التي يستحق كاتبا وإنسانا؟.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح