المزيد من الأخبار






ميمون أمسبريذ يكتب.. المجلس الجماعي للناظور والأمازيغية


ميمون أمسبريذ

غَيْرَ بعيد عن "الفندق المُصَنَّف" (العُهْدَةُ على الرُّواة) الذي كانت جهاتٌ حكومية وحزبية وجَمْعَوية تتداول فيه موضوعَ "تنزيل مُقْتَضيات القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية" (العهدة على المُنَظِّمين)، وفي نفس الوقت، كان مجلس جماعة الناظور يناقش مواضيع تتعلق بالماء والضوء والعقار والنفايات...

عَلِمتُ بهذا لِأن الموقع الإخباري "ناظور سيتي" يقوم بنقل جلسات المجلس بالصوت والصورة. وبالمِثْل عمِل الموقع المذكور على نقل بعض ما كان يَروجُ في "الفندق المصنف" ذاك من أحاديثَ كلُّها عزْمٌ وحزْمٌ وإرادةٌ عن "تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية"...

تاريخيا، وإلى وقت قريب، كانت مدينة الناظور عاصمة إقليم واسع يُعْرَف عن سكانه أنهم أمازيغيّو اللسان أحادِيّوه في الغالب. ولا يتكلم متعلموهم الدارجة إلا مُصْطَبِغَةً بما تعلموه في المدرسة من عربية كتابية. أما الذين ليس لهم نصيب من التعليم أو كان نصيبهم منه ضئيلا، فإن ارْتِقاءَ جبلٍ من جبال الريف أهون عليهم من النطق بجملة من الدارجة.

بناء على هذا الواقع الذي لا يزال قائما الى حد بعيد، كان من المنطقي أن نتوقع أن تكون جماعة الناظور أسرعَ جماعات المملكة إلى "تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية"، ولو في صيغته الدنيا المتمثلة في "القانون التنظيمي" ذي الصِّلَة. ذلك بِأن كون اللغة الأمازيغية صارت لغة رسمية، مع وجود قانون يُفَعِّل رسميتها تلك في المرافق العامة، كان من شأنه أن يرفع الحرج عن أعضاء المجلس الجماعي، من جهة، ويُخَلِّصَهم من العذاب الأليم الذي يُقاسونه وهم يقومون، ذِهْنِيّا، بالترجمة الحرفية الفورية للغتهم الأمازيغية إلى "دارجة" متفاصِحة، بِلَكْنَةٍ ريفية طاغية.


لكن ما كان منتَظَرا لم يقع؛ واستمر أعضاء المجلس في تعذيب أنفسهم وناخبيهم بِ"سادومازيشية" غريبة، معَرِّضين أنفسَهم للسخرية في نفس الوقت (انظروا الفيديوهات ذات الصلة في الموقع)، أقول: استمَروا في ترجمة الماء والضوء والأراضي والأزبال (شرَّف الله قدركم) الى "دارجة" لا هي بالعربية ولا الأمازيغية ولا الدارجة. يفعلون ذلك وكأن آباءهم وأجدادَهم وأسلافهم من الأمازيغيين لم يتداولوا بأمازيغية بليغة فصحى عبر القرون شؤونَ الماء والأرض والمسالك والمزابل، ولم يتخاصموا ويتلاسنوا ويتنابزوا حولها بلسان أمازيغي مبين (بمناسبة التلاسن والتنابز اللذين شكلا جدول الأعمال الحقيقي للجلسة، فإن ما يزيد من حدتها هو استعمالُ لغة غير لغة الأم: فمن المعروف استعارةُ الناس كلماتِ لغة غير لغتهم عندما يريدون تسمية ما يخل بالحياء. ذلك بأنهم إِذْ يفعلون يمارسون نوعا من التوْرِية تمكنهم من أن يقولوا من دون حرج. وعليه نستطيع أن نجزِم مطمئنين بأنه لو اختار السادة أعضاء المجلس إجراء مناقشاتهم بلغتهم الأم لكانوا أكثر احترازا واحتراما لبعضهم البعض، خلافا لما يحدث بسبب حجاب "اللغة" التي اختاروها... ولو لم يكن للأمازيغية من نفع غير هذا لَكفى).

كنا نعتقد أن عقدة الأمازيغية صارت في خبر كان بفضل الحَراك الأمازيغي الذي استطاع أن يبوئها المكانة التي تتمتع بها الآن قانونيا ورمزيا، وأن الجيل الجديد من المنتَخبين قد تخلصوا من تلك العقدة التي لازمت الأجيال السابقة لِأسباب موضوعية... لكن شيئا من ذلك لم يقع.

وها نحن أوْلاءِ نرى شبابا ناظوريين، منهم من سمّى حزبه أو جمعيته تسمية أمازيغية (واه نْزمّا[ٌر])، انتخبهم ناظوريون أمازغيو اللسان مثلهم، يخونون لغة وهوية ناخبيهم، مخالفين دستور البلاد الذي يجعلهما في صلب هوية المغاربة. وهم الشباب الذين كان يُعَوَّل عليهم أن يكونوا في طليعة من سيعيد الاعتبار للأمازيغية والناطقين بها؛ فيخلصون هؤلاء مما عَلِقَ بهم من كليشيهات ومستنسخات سلبية تجعل منهم قاصرين أبديّين... وبدلاٌ من ذلك فضّلوا، بدون سبب موضوعي، أن يسترسلوا في احتقار الذات؛ فَحُقَّ لهم أن ينالوا وسام "المُسْتَلَب السعيد" الذي يحتقر ذاته بكل افتخار...

لقد سبقني الكاتب والسينمائي محمد بوزكو الى التنديد في بعض تدويناته بهذا السلوك اللغوي المَرَضي لأعضاء جماعة الناظور. والمطلوب أن تنخرط كل الأصوات والأقلام الغيورة على هويتنا الأمازيغية – واللغة عنوانُها – في التنديد به في جميع الجماعات الترابية أمازيغية اللغة حتى نُلزِمَ مجالسها بالرجوع الى سواءَ السبيل، احتراما للغة ناخبيها وتطبيقا لدستور البلاد.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح