المزيد من الأخبار






محمد أمزيان يكتب: فليتزوج الوزير ويصوم الفقير


محمد أمزيان يكتب: فليتزوج الوزير ويصوم الفقير
محمد أمزيان

من حق وزير "العلاقات" أن يوسع من شبكة علاقاته، فيتزوج مثنى وثلاث ورباع. ولكونه كذلك في وضعية مادية مريحة، فهو أيضا يستطيع. "من استطاع منكم الباءة فليتزوج (....)، ومن لم يستطع فعليه بالصوم". الصائمون هم الأغلبية في مجتمعنا "العازف" عن كل شيء: عن السياسة، عن الزواج، عن التفكير، عن الحلم.

في "حادثة الإفك" كما وصفها السيد الوزير، استوقفتني جملة اعتراضية مفادها أن سيادته اصطحب معه زوجته الأولى ليطلب يد زميلته. كان حريصا على تنزيل مقتضيات القانون الذي يشترط "موافقة" الزوجة الأولى. أرى أن تُسجل هذه الحادثة السعيدة كأول عملية توفيق ناجحة بين الشرع والقانون الوضعي، تحققها حكومتنا الميمونة.

أعرف في المهجر "داعية" ريفيا كان من عادته أن يطوف على المساجد في كل رمضان ليخطب في الناس، مذكرا إياهم بمكارم الأخلاق وفضائل معاملة أهل البيت (يقصد الزوجة) بالرأفة والحنان. غير أنه في حياته الخاصة لم يلتزم بما كان يعظ به. فبعد أن أنجب من زوجته الأولى ما شاء من الأطفال وشغلها بأمورهم اليومية من تنظيف ومأكل وملبس، طلب منها ذات يوم أن تساعده على تحقيق "سُنة" سار عليها السلف، وهي أن تبحث له عن "زوجة" ثانية صالحة تكون في نفس الوقت سندا لها في شؤون البيت، و"رفيقة" لها في درب "التحصيل" الفقهي، لأنه ينوي أن يتكفل هو شخصيا بتعليمهما معا القراءة في "صحيح البخاري" و"رياض الصالحين" واستظهار "الحزب" كل صباح بعد ذهاب الأطفال للمدرسة.

كادت المسكينة تقع في الفخ، لأنها حرصت على أن تبقى زوجة مطيعة و"مثالية"، امتثالا للأحاديث المختارة التي كان زوجها يحشو بها دماغها على مدى سنوات، إلا أن غريزتها كأنثى استيقظت فجأة فراحت تستشير مع نساء أخريات علها تتوصل إلى حل لا يغضب زوجها فتغضب عنها السماء، وفي الوقت نفسه يضمن كرامتها كامرأة. تنتهي القصة بالطلاق، تتحرر تلك الأم وتشرع شيئا فشيئا في اكتشاف الحياة من جديد.
كيف يجرؤ من يوصي الناس خيرا ب "أهل البيت" على إهانة "أهل بيته" هو، فيطلب من زوجته بلا خجل ولا مروءة أن تبحث له عن زوجة أخرى؟ بعض مزاولي هذا النوع من الرياضة سيجيبون: أليس هذا أفضل من "الزنا" والفساد؟!

في ريف الخمسينات من القرن الماضي كانت عملية البحث عن الزوج أو الزوجة تبدأ يوم انعقاد السوق الأسبوعي، وعادة ما كان الأب يعود إلى البيت عند انفضاض السوق ليبلغ ابنه أو ابنته بالخبر. ولم يكن من مقدور المعني بالأمر الرفض أو المناقشة. تقول مروية شعبية إنه حدث ذات سوق، أن قيل لشخص له ولد في سن الزواج، إن فلانا في مدشر كذا له بنت جميلة تليق بابنه، فقرر الأب أن يبعث رجلا وقورا في البلدة ليفاتح والد البنت في الموضوع. توجه الرجل الوقور إلى هدفه ولم يعد إلا في آخر النهار. قال له والد الشاب: إيه بشّر، خير إن شاء الله! أجابه الرجل الوقور: خير، خير. بالكاد قبل والدها بأن يزوجها لي!!

هذه القصة تؤكد لي ذكاء عريس حكومتنا ونباهته عندما اصطحب معه زوجته ووالدته، عوض رئيسه الوقور في الحزب والحكومة!

هناك من الناس من يدافع عن حق الوزير في الزواج بمن يشاء لأن الأمر شخصي. صحيح، إلا أن العملية ليست شخصية تماما، لا من جهة العريس ولا من جهة العروسة. والأدهى من ذلك أن مكان عملهما في إدارة عامة، مثار شبهة "شرعية" (الاختلاء) و"قانونية" (احتمال سوء استخدام السلطة). فالمعنية بالأمر كانت موظفة في ديوان المعني بالأمر قبل أن تصبح زميلته. وربما حدث ما يسمى بالعلاقة غير المتكافئة بين الرئيس والمرؤوس. وهذا بالضبط ما وقع لوزير سابق في الحكومة الهولندية حينما سقط في حب سكرتيرته الخاصة. علمت الصحافة بالأمر وما كان أمام الوزير إلا أن يستقيل. كان بإمكانه هو أيضا أن يقول: هذه حياتي الخاصة، إلا أنه اختار تحمل المسؤولية والنزول إلى العالم السفلي ليكون كأيها الناس، يحب ويشقى، يطلق ويتزوج.

وزيرنا لن يستقيل كما لن يستقيل زميله الرباح ولا الحكومة، فليس أمامنا إذن إلا أن نتمنى للعريسين أحلاما سعيدة وحياة مديدة.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح