المزيد من الأخبار






فرح الشاوي من نوابغ الريف التي حصلت على الرتبة الأولى بالجهة الشرقية


فرح الشاوي من نوابغ الريف التي حصلت على الرتبة الأولى بالجهة الشرقية
بقلم عثمان أحرميم

لم تعد نظريات التنمية في زماننا ، ترتكز على حيازة الثروة المادية وحدها ، بل توسع أفقها النظري لتشمل الإنسان نفسه ، بما يملكه من نبوغ علمي تشاد به صروح الأمم المتمدنة المتقدمة ، والمدرسة بما تختنزه من رأسمال بشري كبير ، تعد رافعة كل نهضة منشودة ، وعماد أي نموذج تنموي ناجح ، شرط أن يحظى نوابغها بعناية رسمية ومواكبة متصلة وخطة بناءة متقنة الرؤية .

وقد أحببت التمهيد لمقالتي بهذه التوطئة ، وغرضي تقريظ نبوغ تلميذة ريفية ، والإلماع إلى ما به قوام نبوغها إلماعا موجزا ، وأعني فرحا الشاوي ، ابنة الرابعة عشر ربيعا ، المتحدرة من بلدة القرمود المطلة على فرخانة ومليلية المحتلة ، والتي تفوقت في درجاتها على كافة تلامذة شرق المغرب ، ورشحت عن جدارة لبرلمان الطفل في الرباط ، في دورته الحالية .
فما سر نبوغ هذه التلميذة النجيبة ؟ وكيف السبيل لجعلها قدوة لغيرها ؟ وكيف نسقي بذرة النبوغ فلا تذبل ؟..

لقد شرفت بتدريس هذه الصبية الأريبة النجيبة ثلاثة أعوام ، في مؤسسة المنطق الخصوصية ببني أنصار ، ورأيت من أحوالها ما فتح لي مغاليق الفهم ، وبصرني بالنبوغ ولوازمه ، وكيلا يكون حديثا طويل الذيل فيه إملال ، أوجزه في نقاط سراع فأقول :
يرجع نبوغ التلميذة فرح إلى ما يلي :

_ اتصال الحضور الذهني : لم أرها يوما شاردة الذهن ، لا في أول الحصة ولا في آخرها ، فهي شديدة التركيز في الدرس ، وكثيرا ما استدركت علي بعض الهفوات ، أو صوبت بعض الأغلاط ، مما لا ينفك عنه حال المدرس في الموسم المديد ، وأما صويحباتها _ ومنهن من أوتين ذكاء وبعض نبوغ _ فإنهن يشردن ويعتريهن فتور في الطلب في بعض الأحايين.
_ الاستعداد الدراسي : تعد فرح درس غدها في أمسها ، فكلما بدأ الدرس ، كانت على علم بما فيه ، قد تجهزت له بالأسئلة والفهم ، فكأنما تطلب الاستزادة فقط من الأستاذ ، لا بداية الدرس ، وهذه حال كاملة في التعلم ، لا يطيقها إلا أفذاذ المتعلمين وأولوا العزم منهم .

_ كمال الأدب : لم أرها يوما ، في أعوام ثلاثة ، تسيء الفعل في الفصل ، أو يصدر عنها من سفه الخلق ما هو معلوم الصدور من أترابها وأقرانها ، أو تنظر شزرا أو تغمز أو تهمز أو تسخر من جواب تلميذ قصر عنه الفهم ، أو ترفع صوتها صارخة ، ويشهد الله أني لم أطلبها يوما في موطن شغب فوجدتها فيه ، فهي كاملة الأدب وافرة العقل ، وقورة في ميعة ربيعها ، أوتيت حكمة وعقلا وفطرة سوية من العوارض والخوارم .

_ علو الهمة : لفرح همة سنية شموخ ، لا ترضى كحال بعض النجباء ، أن تبرز في مواد بعينها ، ولكنها كأبي فراس شاعر حلب ، لها الصدر في كل شيء ، قد نبغت في المواد كلها ، عربيها وأجنبيها ، نقليها وعقليها ، بما فيها تربية البدن ، لا تهمل مادتها ولا تستصغر علامتها .

ولقد أورثتها هذه الصفات فصاحة في لسانها ، وسلاسة في حديثها ، وصفاء في فكرها ، وكم قد طلبتها في عروض صفية موازية ، فبرزت تستقبل التلاميذ بوجهها ، وينطلق لسانها بحديث فصيح مليح منظوم الأفكار ، كأنها خطبة الحجاج في أهل العراق ، لا تلعثم فيها ولا فهاهة ، ولا لحن ولا ركاكة ، وعلى منوال علامتنا ابن خلدون في مقدمته ، لما تحدث عن نبوغ أرسطو اليوناني ، أقول معه : فسبحان من جعله / ها من نوابغ النوع الإنساني .

إن أمثال فرح الشاوي من نوابغ الطلاب ، هم ملح البلدان وكنوز الأمم ، لا ينبغي أن يتركوا بلا عناية متصلة ورعاية شديدة ، وواجبنا تجاههم أن يكون احتفاؤنا بهم دائما ، ليس بالجوائز المالية وحدها ، ولكن برعايتهم في مسيرتهم الدراسية ، إلى أن يتخرجوا من معاهدهم وجامعاتهم ، أطرا عالمة تنتفع الدولة بهم .

والذي يتوجب في حق النيابات والأكاديميات والوزارة الوصية ، أن تجمع شتات هؤلاء النوابغ ، في مدارس مستقلة ، فلا يضيع نبوغهم في زحمة فصول بها شغب وفتور درس ، وتتعهدهم بمنح مالية متصلة ، ولو عدنا إلى عهد البعثات الطلابية الخارجية ، كحالنا في زمن الحسن الأول ، لكان خير مسد وأقوم تخطيط ، ولن يكلف هذا مالا كثيرا ، فبعثة طائفة من النوابغ بضع سنين ، تعود على البلاد بعدها بنفع عميم ، وقد رأينا كيف عاد الحكم في بلادنا بعد انتخابات شتنبر الفائتة ، إلى الخبرة المتخرجة من جامعات غربية مرموقة ، بعيدا عن ساسة التهريج من غوغاء الحلقيات الجامعية الفارغة .

نسأل الله التوفيق والسداد لنابغتنا الأريبة ، ولكل نوابغ بلادنا العزيزة


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح