المزيد من الأخبار






عَن الشّفاهِ المَنْفُوخَةِ والحَواجِبِ العَريضَةِ وأشياءَ أُخرى


عَن الشّفاهِ المَنْفُوخَةِ والحَواجِبِ العَريضَةِ وأشياءَ أُخرى
مِمّا لا شكَّ فيه أنّ كلّ امرأة تُحِبُّ أنْ تَبْدُوَ جميلة؛ لِذا فالمرآةُ رفيقة المرأة الدائمة، المرأة تُحِبُّ أنْ تتجمَّلَ لنفسها أوّلًا، وليس بالضرورة لآخَر، وهذه فِطرة لا لَبْسَ فيها ولا خطأ، مَن مِنّا لا يُحِبُّ الجمال؟! مَن مِنّا لا يَسعى للظهور بأفضل صورة؟! ولكنّ الإشكاليَّةَ تكْمُنُ في مقاييس الجمال المُتغيِّرة تِبعًا للزمن، مَن يَضَعُها؟ ولماذا؟ وكيفَ يَتَّبِعُها الجميع وكأنَّها قاموسٌ للجمال لا شكَّ فيه؟

لماذا نَنْفُخُ الشفاهَ حتّى تبرُزَ مِن مسافة بعيدة؟ ما الجميل في الشفاهِ المنفوخة؟ مَن قالَ إنَّ النَّفْخَ يُعطي الشفاهَ جمالًا؟ مَن قالَ إنَّ الحواجب العريضة جميلة؟ ماذا لو كانَ الوجهُ صغيرًا مَثَلًا؟ لَسْتُ بحاجة للتفكير في الإجابة على هذا السؤال، يكفي أنْ تُتابِعَ حلقة مِن مسلسل عربيّ حديثٍ حتّى تَلْعَنَ هذه الاختراعات التي لا نعرف مصدرها، تَحَوَّلَتِ الوجوهُ لشِفاهٍ وحواجبَ، وَفَقَدَ الوجهُ تعابيره، فأَنْتَ لا تعرِفُ إنْ كانَتِ المُمثّلة حزينةً أو فَرِحَةً فَكُلُّهُم سيان، اخْتَفَتْ براءة الوجه الطبيعيّة وحلَّ محلَّها وجهٌ مُصطَنَعٌ هو أقرب للْقُبْحِ منه للجمال، وما يَنطَبِقُ على الوجه ينْطَبِقُ على الجَسَد أيضًا.

هل تَمَشَّيْتِ عزيزتي في إحدى مراكز التّسوُّق الفاخرة يومًا، واسْتَوْقَفَتْكِ إحدى واجهات المَحلّات تضعُ فُستانًا وحيدًا أمام المارّة، هل فاجَأَك ِتصميم الفستان الغريب، ألوانه غير المُحبّبة، وسعرُه المُبالَغ فيه؟ هل حَدَّثَتْكِ نفسُكِ أنَّه قبيح، ولكنَّكِ شَكَكْتِ في حُكمكِ عليه؟ فهو موضوع في واجهة أفضل المَحَلّات، هل غَيَّرْتِ رَأْيَكِ عندما طالَعْتِ المارَّةَ مَبهُورينَ بالفُستان، حتّى تحوَّل الشكُّ بداخِلِكِ إلى يقين، وَكَذَّبْتِ ما تراهُ عيناكِ، فاقْتَنَعْتِ أنّه جميل.

هذا تمامًا ما يحدُثُ لنا معَ كلّ مُوضة جديدة يتمّ تقديمها لنا على طبق مِن الوهم، وليسَ هذا سوى فصل مِن فُصول التبعيّة الجمعيّة التي نُمارِسُها أحيانًا بدون تفكير، فنلْهَثُ خلف موضات موسميّة مُتناسينَ أنَّنا مُختلفونَ في أشكالنا وأحجامنا، وأنّ ما يُناسِبُ غيرَنا قد لا يُناسِبُنا والعكس صحيح.

مَنْ سَوَّقَ لنا القُبْحَ جمالًا؟ مَنْ حَوَّلَ الجمال إلى صناعة وتجارة تعتمد على إيهامنا بما ليس حقيقيًّا؟ مَن جَعَلَ جمال الشكل كالسراب نركُض خلفَه لاهثينَ دُونَ أنْ نَحْصلَ عليه؟ مَنْ أَوْهَمَنا بأنَّ الكمال مُمْكِنٌ والكمال لله وحْدَه؟ هو التاجر الذي يرغب بإنتاج الجديد وبَيْعِه، هي صناعة وتِجارة عالميّة قائمة على إقناعِكَ بغير ما تراه عيناكِ، هم لَيْسُوا مُلامين، فكلُّهم يسعى لمصلحته ورِبْحه، اللوم يعود على مَن يشتري الوهم بأسعار باهظة سعيًا لسعادة، أو رغبةً بكمال لن يُحقِّقَه، المُلامُ هو مَن يَلْبَسُ ما لا يُناسِبُ جِسمه طَمَعًا بثقةٍ لن يحصل عليها إلّا إنْ عَزَّزَ جوهره، وبَنى شخصيّته، فالمظهر مُكَمِّلٌ للجوهر، ليس الأصل، ما أجملَ أنْ يَتَجَمَّلَ الوَجْهُ بضحكة حقيقيّة تخرُج مِن الأعماق! ما أجملَ أنْ نَتَصَرَّفَ بعفويّة وتلقائيّة ونلبَس ما يُناسب أجسامنا وإمكانيّاتنا! ما أجملَ أنْ نكونَ نحنُ! كما نُريد، لا كما يُريدُ الآخَرُون.

أمل الحارثي

محررة ملتقى المرأة العربية


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح