المزيد من الأخبار






علي كراجي: خلصونا من هذا الإمساك


علي كراجي: خلصونا من هذا الإمساك
علي كراجي

قد يتبادر الى الاذهان، بأن العنوان يحيل على وصفة طبية او طبيعية لتخليص الأمعاء من الكسل، ولكل الباحثين عن العلاج ما عليهم سوى زيارة اقرب طبيب او عشاب فالدواء من هذا النوع غير موجود البتة في هذه المقالة، وان توفر من منطلق التجارب الشخصية فالبوح به يؤدي الى نتائج وخيمة. إن الإمساك المقصود في هذا الصدد سياسي ابتلت به مدينة الناظور إلى أن أصبحت بفعلة فاعل غير قادرة على التخلص من فضلاتها والالقاء بها في المكان الطبيعي المخصص لها قبل ان تتحول الى قنبلة يعكر انفجارها السلامة البيئية للساكنة المغلوب على امرها.

الناظور، ذلك الجزء الكائن في الشمال الشرقي للمملكة، والذي حباه الله بمؤهلات طبيعية وسياحية تسيل لعاب المستثمرين، وكان في الامس القريب مدينة مغرية بمفاتنها كشقراء تسقط الناظرين، تحولت اليوم الى صحراء قاحلة يبحث القاطنون بها عن منفذ ينجيهم من جحيمها، وربما سألام لأنني ارسم صورة قاتمة عن المنطقة، الا ان هذه اللوحة وان حاولت تزيينها فان نتائج النخبة السياسية وما يدور في فلكها لن تمكن الريشة من اختيار الالوان الناصعة باستثناء الاسود لاكمال ما تبقى من ملامح جماعة أهلكتها القرارات اللامسؤولة للمنتخبين و قذفت بها في براكين الضياع.

لطالما قلنا في الماضي القريب ان الناظور الجميلة المحتفظة بذكريات اجيال مضت وجيل جديد لا يزال يعتز بجزء من هذا الجمال، سترتقي يوما لمصاف المدن الكبرى وتتحول إلى قطب يضاهي باقي المناطق التي استفادت من التنمية لعقود طويلة، إلا أن تعاقب الفاشلين على تدبير شؤونها جعلها تتقهقر إلى أن أضحت عبارة عن بلدة أنهكها القصف العشوائي وحولها لأكوام من الدمار المنتشر في كافة أرجائها وأزقتها، لتكمل الدور نخبة جديدة أغلبها من الشباب أخفقوا في أول امتحانين الأول يتعلق بالتدبير والذي انتهى به الأمر في ردهات المحاكم، والثاني بإتمام المرحلة حيث طغت فيه الأنانية وعدم التوافق والبحث عن جزء من المصلحة الذاتية حتى وإن تعلق الامر بوجبة عشاء في إحدى المطاعم بحي المطار.

حدثني صديق وقال لي ساخرا، إن الفائدة الوحيدة من عزل سليمان حوليش وإعادة انتخاب مكتب جماعي لمدينة الناظور، تتمثل في عودة الأمل لأعضاء المجلس وشعورهم بتقلص المسافة التي تربطهم بالسلطة والنفوذ بعدما ودعوها في سنة 2015، محاولا لفت الانتباه إلي بأن الاستفادة من المرحلة والتعثرات التي تعيشها المدينة هي الشغل الشاغل بالنسبة لأغلب ممثلي الساكنة، وهذه النتيجة تحظى بإجماع المهتمين بل وحتى غير المهتمين بالشأن السياسي، ولو كان العكس لحضر على الأٌقل ربع أو نصف عدد أعضاء المجلس الجماعي في الجلستين الماضيتين لانتخاب الرئيس وقدموا أراءهم أو احتجاجهم أو على الأقل لملء كراسيهم الفارغة لهنيهة ثم الانصراف.

فأن يتحمل مواطنون بسطاء عبء التنقل إلى بناية الجماعة لحضور مراسيم انتخاب الرئيس الجديد، ثم يتفاجؤون في مناسبتين بغياب جميع ممثليهم، فإن ذلك يعكس بالملموس مدى الاستهتار الذي يتعامل به المنتخبون مع عقول المواطنين، وكأنهم يحاولون بعث رسالة مشفرة مضمونها ’’لا أحد يهمنا سوانا، الجماعة لنا لا لغيرنا‘‘، ناسين أو متناسين أن المكانة التي يفتخرون بها اليوم صنعتها أصوات ناخبين اعتقدوا سلك طريق الخيار الصحيح، قبل أن يصدمهم واقع أفقد الحاضر والمستقبل نوره بسبب تصرفات غريبة أبطالها مغرورون جدا لم يسبق للحقل السياسي أن انتج أمثالهم في السابق.

إن السعي الدائم وراء السلطة للظفر بالنعم والامتيازات، أمر ألفته الأغلبية الساحقة من الشعب، وأصبح النقاش حوله متجاوزا ليس من باب الإباحة بل لكونه مرهق وممل والزجر القانوني هو الوحيد الكفيل بتقليصه وإنهائه، لكن تعليق المصلحة العامة وكبح حركية مرفق وجد لخدمة المواطنين فخطورته تتجاوز الظاهرة الأولى، وقد صرنا نتخيل أن الجماعة في يد قمارين يراهنون فيما بينهم على من يفوز بها، فيتدخل محترف في آخر لحظة لإيقاف اللعبة رافعا شعار ’’نلعب ولا نحرم‘‘، ليحاول الجميع إرضاءه والتنازل لمبتغاه كما كنا نخضع في الصغر لابن الجيران المالك للكرة فنصنع منه نجما ومهاجما كل أهدافه صحيحة ومطالبه لا يسمح بانتقادها، ليس لشيء سوى لنستفيد معه من اللعبة.

وحتى لا نظلم شباب اليوم الذي صار يسخر بكل أريحية من مدينته ومنطقته أمام الملأ، فهذا ليس كرها لمسقط الرأس، بل يعد من أرقى تعابير الاحتجاج، آملين أن تتوغل هذه السخرية في ضمائر الماسكين بزمام الأمور فيحرجون يوما أمام أقرناهم من المناطق الأخرى، ويكون ذلك دواء لعلاج الإمساك والتخلص من الفضلات العالقة في بطن باب أوروبا، أو تخليصنا ان اقتضى الامر من الذين كانوا سببا في ذلك.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح