المزيد من الأخبار






عبد الله بوصوف يتوّج بجائزة التميز الثقافي في لقاء دولي حول بناء الإنسان


في أجواء فكرية راقية، احتضنت المكتبة الوسائطية بمدينة مراكش فعاليات “أيام الكتاب”، حيث شارك المفكر عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، في لقاء ثقافي مميز قدّم خلاله مؤلفاته الفكرية أمام جمهور من القرّاء والمهتمين بالشأن الثقافي. اللقاء، الذي نُظم يوم السبت 17 ماي، كان مناسبة لتقاسم لحظات عميقة حول قضايا الهوية والدين والثقافة، من خلال قراءة شاملة لمضامين كتبه التي تُبرز النموذج المغربي في التدين، وتعدد روافد الهوية الوطنية. وقد تُوّج هذا الحضور الفكري بتكريم خاص من طرف الأكاديمية الدولية للتكوين والمواكبة، التي منحته “جائزة المحور للتميز الثقافي”، اعترافًا بإسهاماته المتميزة في تعزيز ثقافة الاعتدال وترسيخ قيم المعرفة

مقدمة:

يشكّل الإنسان محور كل مشروع حضاري، وتُعدّ الثقافة والقراءة أداتين مركزيتين في صناعة الوعي، وتكوين الشخصية، وتنمية الحس النقدي لدى الأفراد والمجتمعات. وفي إطار اللقاء الدولي حول الثقافة والقراءة ودورهما في بناء الإنسان، شارك السيد عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، بمداخلة تمحورت حول إبراز أبعاد الهوية المغربية وتعدد روافدها، من خلال تقديم مؤلفاته التي تعالج قضايا تتقاطع فيها الأبعاد التاريخية والدينية والسياسية والاجتماعية والأنثروبولوجية. وقد تخللت هذه المشاركة لحظة توقيع الكتب، أعقبتها فقرة تكريمية من طرف الأكاديمية الدولية للتكوين والمواكبة، إضافة إلى نيله "جائزة المحور للتميز الثقافي".

أولًا: عرض موجز للأعمال الفكرية المقدمة

إمارة المؤمنين: المرجعية الروحية لوسطية الإسلام
يعرض هذا الكتاب ملامح النموذج المغربي في تدبير العلاقة بين الدين والسياسة، حيث تمثل إمارة المؤمنين المرجعية الدينية العليا التي تضمن استقرار المجتمع، وتُرسي توازنًا فريدًا بين الشرعية الدينية والحكم السياسي. ويبرز المؤلِّف اعتماد النموذج المغربي على ثلاث ركائز: العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف السني، مما أسفر عن نموذج تدين وسطي معتدل، قادر على مواجهة تطرف الفكر أو انحراف السلوك، في انسجام مع متطلبات العصر وروح التجديد.

تمغربيت

يتناول هذا الكتاب الهوية المغربية من خلال مفهوم "تمغربيت"، كصيغة ثقافية وتاريخية تمثل خلاصة تفاعل قرون من التعدد والانفتاح والتلاقح الحضاري. ويؤكد المؤلِّف مرونة الثقافة المغربية وقدرتها على استيعاب الاختلاف وتوليد الوحدة من التعدد، بما يضمن الاستقرار المجتمعي والتماثل الرمزي حول قيم العيش المشترك.

جوانب من تاريخ إمارة النكور

يشكل هذا المؤلَّف قراءة في واحدة من أقدم الكيانات الإسلامية في شمال المغرب، وهي إمارة النكور، التي تأسست في القرن الثامن الميلادي بمنطقة الريف. يرصد الكتاب نشأة الإمارة في سياق الفتح الإسلامي، وجهودها في نشر الدين الإسلامي وتثبيت الحكم المحلي، إلى جانب تفاعلها مع محيطها السياسي والعقائدي، بوصفها تجربة مبكرة في الحكم الذاتي مرتكزة على الشرعية الدينية والولاء المحلي.

الصحراء المغربية: من يملك الحق يملك القوة

يعالج هذا الكتاب أبعاد قضية الصحراء المغربية من زاوية تاريخية وقانونية وسياسية، مؤكدًا مشروعية السيادة المغربية من خلال الوثائق التاريخية وروابط البيعة، كما يُبرز كيف أن امتلاك الحق يترجم إلى قوة ناعمة وشرعية قانونية في المحافل الدولية.

ثانيًا: الهوية المغربية... تعدد في الوحدة

أبرز السيد عبد الله بوصوف في مداخلته أن الهوية المغربية ليست كيانًا جامدًا، بل هي بنية حية ومتعددة الأبعاد، تشكلت من تفاعل مكونات أمازيغية وعربية وأندلسية وإفريقية وصحراوية، في إطار دولة موحدة عبر التاريخ. واعتبر أن هذه الهوية مؤسسة على قيم التعايش والتساكن، والانتماء للأرض، والولاء للعرش، والتعدد ضمن وحدة وطنية متماسكة.

ثالثًا: المرأة في الثقافة المغربية: نحو قراءة بصيغة المؤنث

دعا بوصوف إلى إعادة قراءة تاريخ المغرب من زاوية "مؤنثة"، تُبرز أدوار النساء كفاعلات في المجالين العام والخاص، من خلال تسليط الضوء على عالمات ومجاهدات وصانعات رأي ومؤسسات للثقافة. وتهدف هذه المقاربة إلى تجاوز الرؤية الاختزالية لدور المرأة، واستحضار إسهاماتها الحيوية في صناعة الوعي الجماعي والمصير الوطني.

رابعًا: نموذج التدين المغربي: اعتدال العقيدة وقوة المؤسسة

أكد بوصوف أن نموذج التدين المغربي يمثل تجربة فريدة، قائمة على العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والسلوك الصوفي، وتُعززها إمارة المؤمنين باعتبارها الحامية للوحدة الدينية والضامنة لثوابت الأمة. هذا التوازن أنتج إسلامًا وسطيًا منفتحًا، يتسم بالتسامح والاعتدال، ويجعل المغرب فاعلًا إقليميًا ودوليًا في نشر ثقافة السلم والحوار الديني.

خاتمة

خلص السيد عبد الله بوصوف إلى أن الثقافة ليست ترفًا، بل رافعة أساسية لبناء الإنسان وتحقيق التنمية، وأن القراءة هي مفتاح التحرر من الجهل والانغلاق، وصناعة مواطن فاعل وواعٍ. وأكد أن الهوية المغربية، بما تحمله من عمق وتنوع، تمثل نموذجًا ملهمًا لبناء مجتمعات حديثة تتشبت بذاكرتها ولا تنعزل عن محيطها. وقد شكّل تكريمه من طرف الأكاديمية الدولية للتكوين والمواكبة، ومنحه جائزة المحور للتميز الثقافي، تتويجًا رمزيًا لمسار فكري غني يسعى إلى تجديد الوعي وتعزيز المشروع الثقافي الوطني.








تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح