المزيد من الأخبار






عبد الله بوصوف من بوجدور: المخطوط الإفريقي "حجة تاريخية" دامغة على مغربية الصحراء


عبد الله بوصوف من بوجدور: المخطوط الإفريقي "حجة تاريخية" دامغة على مغربية الصحراء
ناظورسيتي: متابعة

في إطار الندوة الدولية حول “المخطوط الإفريقي: الواقع والآفاق”، المنعقدة بمدينة بوجدور يومي 26 و27 دجنبر، ألقى عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، محاضرة فكرية عميقة تناولت موضوع “المخطوط الإفريقي بوصفه جسر تواصل بين المغرب وإفريقيا”، مؤكّدًا من خلالها أن المخطوط ليس مجرد أثر تراثي محفوظ في الخزائن، بل وثيقة حية تختزن مسارات التاريخ، وشبكات المعرفة، وأشكال السيادة الثقافية التي ربطت المغرب بعمقه الإفريقي عبر الصحراء.

واستهل بوصوف مداخلته بالتأكيد على أن القراءة الحديثة التي تختزل الصحراء في بعدها الجغرافي أو الحدودي قراءة مبتورة، لأن الصحراء في التاريخ المغربي كانت فضاءً مندمجًا في المجال السياسي والثقافي والعلمي، ولعبت دور القلب النابض في حركة القوافل التي لم تنقل الذهب والملح فحسب، بل حملت معها الكتب والمخطوطات والمتون الفقهية، وأسهمت في توحيد المرجعية العلمية بين المغرب وإفريقيا الغربية. وأوضح أن المخطوط المغربي، منذ العصر الوسيط، شكّل أداة مركزية في بناء هذا التواصل، سواء من خلال نسخه في حواضر مثل فاس ومراكش، أو من خلال تداوله في مراكز علمية إفريقية كولاتة وتمبكتو وجيني.

وتوقف الأمين العام لمجلس الجالية عند شهادتي الرحالة ابن بطوطة والحسن الوزّان، باعتبارهما من أهم المصادر التي توثق لوحدة المجال المغربي–الإفريقي قبل تشكّل الحدود الحديثة. فقد أبرز أن ابن بطوطة، خلال رحلته إلى بلاد السودان، سجّل حضورًا قويًا للفقه المالكي، وانتظامًا للقضاء والتعليم، وتشابهًا لافتًا في العادات الدينية والعلمية، وهي عناصر لا يمكن تصورها دون تداول المخطوطات المغربية وانتقالها عبر الصحراء ضمن شبكات علمية مستقرة. أما الحسن الوزّان، فقد قدّم وصفًا دقيقًا لازدهار تمبكتو العلمي، مبرزًا وفرة الكتب وارتفاع قيمتها الاقتصادية، وكون تجارة المخطوطات من أنشط التجارات، رابطًا ذلك مباشرة بتجار المغرب وعلمائه، وهو ما يؤكد أن المغرب كان مركز إنتاج معرفي موجِّه للفضاء الإفريقي.

وفي بعد حجاجي واضح، شدد بوصوف على أن المخطوط يشكّل حجة تاريخية قوية على مغربية الصحراء، ليس بمنطق السياسة المعاصرة، بل بمنطق السيادة الثقافية والعلمية. فتوحد المرجعية الفقهية المالكية، ووحدة المتون والشروح، وانتقال العلماء والإجازات العلمية، كلها شواهد على أن الصحراء لم تكن يومًا مجال فصل أو هامش، بل فضاءً فاعلًا داخل النسق المغربي. وأكد أن وجود آلاف المخطوطات ذات الأصل المغربي اليوم في تمبكتو أو في الخزائن الأوروبية لا ينفي مغربيتها، بل يعكس مسارًا تاريخيًا انتهى بعمليات النهب والاقتلاع خلال المرحلة الاستعمارية.

واعتبر بوصوف أن احتضان مدينة بوجدور لهذه الندوة الدولية يحمل دلالة رمزية عميقة، لكونها تقع في قلب الصحراء المغربية التي شكّلت تاريخيًا نقطة وصل بين شمال المغرب وعمقه الإفريقي، مشددًا على أن إعادة الاعتبار للمخطوط الإفريقي هو في جوهره إعادة كتابة تاريخ مشترك، وتحصين للذاكرة من القراءات التجزيئية التي سادت خلال القرنين الأخيرين. كما دعا إلى إدماج ملف المخطوطات في الدبلوماسية الثقافية المغربية، وبناء شراكات إفريقية في مجال الجرد والحفظ والترميم، والتعامل مع المخطوط بوصفه رأسمالًا رمزيًا واستراتيجيًا يخدم قضايا الذاكرة والسيادة.

واختتم الأمين العام لمجلس الجالية محاضرته بالتأكيد على أن المخطوط الإفريقي ليس مجرد ماضٍ محفوظ، بل أفق مفتوح لفهم الحاضر وبناء مستقبل مشترك بين المغرب وإفريقيا، قوامه المعرفة، والتاريخ المتقاسم، ووحدة المجال الحضاري الذي كانت الصحراء ولا تزال قلبه النابض

2a4d19f1-2db5-42a0-8a9d-ef315e74a931


807536f8-a40c-493b-8c8e-e043f098b89a


ecf4f10f-09e2-4195-ba72-50e9132772aa




تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح