
بقلم: رمسيس بولعيون
في مدن أخرى، هناك شخصيات تبني، وأخرى تدافع عن مصالحها، وفي الناظور هناك شخصية واحدة تكفي بوثفضيست، الجنرال غير المعلن، صاحب أكبر جيش في الإقليم…
جيش أبناء الناظور الأعداء. بوثفضيست لا يملك مقرات رسمية ولا وزارة، لكنه يملك ما هو أخطر، عقلية منتشرة مثل الهواء، لا تُرى بالعين، لكنها تتسرب إلى القرارات والمواقف وحتى الجلسات العائلية، شعاره الرسمي: “إذا لم نأخذ نحن… فلن يأخذ أحد”، وشعاره العملي: “معًا… نحو الوراء”.
إذا زرعت شجرة، يرسل لك لجنة لتذكيرك أن جذورها قد تضر بالرصيف، فيقتلعونها حفاظًا على “سلامة المرور”، إذا حاولت بناء جسر، يفتح نقاشًا عميقًا عن مخاطر الجسور، ويقترح نفقًا بدلًا منه… ثم يرفض النفق أيضًا بحجة “الميزانية”، إذا نجح فريق رياضي، يطلق حملة تفتيش على عيوبه، حتى يجد برغيًا مفكوكًا في دكة الاحتياط، وإذا أطلقت مبادرة ثقافية، يضع عليها ملصق “فاشلة مسبقًا” لأنها ببساطة ليست من إنتاجه أو إنتاج حاشيته.
بوثفضيست لا يريد للناظور أن تزدهر، ولا حتى أن تكون عادية… يريدها مدينة بلا ملامح، لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، مدينة إذا زرتها لا تتذكر منها شيئًا سوى حفرة في الطريق وواجهة محل مغلق، في مخططاته الكبرى، حاول أن يزيل البحر ذات مرة، لأنه “لا يدر أرباحًا مباشرة” ولأن الناس قد يلتقون عنده ويتناقشون في أشياء أخطر من أسعار السمك.
لكن، ولحسن الحظ، كان البحر محميًا بقرار إلهي… فعدل عن الفكرة، واقترح بدلًا منها بناء جدار أمام الكورنيش “لوقف الرياح”، والرياح هنا طبعًا يقصد بها أي نسمة تغيير.
بوثفضيست لديه حساسية مفرطة تجاه النجاح، خصوصًا إذا كان من أبناء المدينة، إن نجحتَ في التجارة، سيرسل لك شائعات عن تهربك الضريبي، إن نجحتَ في الرياضة، سيبحث عن مخالفات في ملعبك، أما إذا نجحتَ في الصحافة… هنا يتدخل بنفسه، لأن أخطر ما يمكن أن يحدث هو أن يكون للناظور صوت، أو ذاكرة، أو منبر يفضح ما يجري في كواليسه.
خلال انشغال بوثفضيست بتوزيع المهام على جيشه، مدن أخرى مثل وجدة وفاس وأكادير، تبني لوبيات تضغط في الرباط، وتعود بمشاريع ومنشآت ومهرجانات.
أما الناظور، فتعود من الرباط ومعها ملف مرفوض، وخبر صغير في آخر النشرة، وصورة جماعية على فيسبوك بابتسامات عريضة… فوق أنقاض الفرص الضائعة.
الأدهى أن بوثفضيست لا يدفع رواتب لجيشه… كل الجنود متطوعون، البعض ينضم بدافع الحسد، البعض بدافع الانتقام، والبعض الآخر فقط لأنه يجد لذة في تعطيل أي شيء يتحرك، وهكذا، لا تحتاج المدينة لميزانية لهدمها… فالهدم هنا مجاني، والخدمات 24/7.
تخيلوا جنرال بوثفضيست جالس على مكتب لا ورق فيه ولا أقلام، فقط هاتف قديم يرن بلا توقف.
يرد“نعم، هل تم دفن مشروع الطريق؟ ممتاز، وماذا عن نادي الهلال؟ لا رئيس؟ عظيم! أما المبادرة الثقافية؟ إحرقوها، لا تتركوا أثرًا.” يضحك ضحكة خافتة، ثم ينظر في المرآة ويرى وجهه، مبتسمًا: “نجاح الناظور؟ هذه مجرد مزحة على حسابنا جميعًا.” في تلك اللحظة يدخل طفل صغير ويحمل كرة مهشمة، فيبتسم الجنرال ويقول له: “تعال، سأعلّمك كيف تبني مدينتك من لا شيء… كيف تحارب نفسك لتحافظ على هذا الفراغ الجميل.”
في مدن أخرى، هناك شخصيات تبني، وأخرى تدافع عن مصالحها، وفي الناظور هناك شخصية واحدة تكفي بوثفضيست، الجنرال غير المعلن، صاحب أكبر جيش في الإقليم…
جيش أبناء الناظور الأعداء. بوثفضيست لا يملك مقرات رسمية ولا وزارة، لكنه يملك ما هو أخطر، عقلية منتشرة مثل الهواء، لا تُرى بالعين، لكنها تتسرب إلى القرارات والمواقف وحتى الجلسات العائلية، شعاره الرسمي: “إذا لم نأخذ نحن… فلن يأخذ أحد”، وشعاره العملي: “معًا… نحو الوراء”.
إذا زرعت شجرة، يرسل لك لجنة لتذكيرك أن جذورها قد تضر بالرصيف، فيقتلعونها حفاظًا على “سلامة المرور”، إذا حاولت بناء جسر، يفتح نقاشًا عميقًا عن مخاطر الجسور، ويقترح نفقًا بدلًا منه… ثم يرفض النفق أيضًا بحجة “الميزانية”، إذا نجح فريق رياضي، يطلق حملة تفتيش على عيوبه، حتى يجد برغيًا مفكوكًا في دكة الاحتياط، وإذا أطلقت مبادرة ثقافية، يضع عليها ملصق “فاشلة مسبقًا” لأنها ببساطة ليست من إنتاجه أو إنتاج حاشيته.
بوثفضيست لا يريد للناظور أن تزدهر، ولا حتى أن تكون عادية… يريدها مدينة بلا ملامح، لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، مدينة إذا زرتها لا تتذكر منها شيئًا سوى حفرة في الطريق وواجهة محل مغلق، في مخططاته الكبرى، حاول أن يزيل البحر ذات مرة، لأنه “لا يدر أرباحًا مباشرة” ولأن الناس قد يلتقون عنده ويتناقشون في أشياء أخطر من أسعار السمك.
لكن، ولحسن الحظ، كان البحر محميًا بقرار إلهي… فعدل عن الفكرة، واقترح بدلًا منها بناء جدار أمام الكورنيش “لوقف الرياح”، والرياح هنا طبعًا يقصد بها أي نسمة تغيير.
بوثفضيست لديه حساسية مفرطة تجاه النجاح، خصوصًا إذا كان من أبناء المدينة، إن نجحتَ في التجارة، سيرسل لك شائعات عن تهربك الضريبي، إن نجحتَ في الرياضة، سيبحث عن مخالفات في ملعبك، أما إذا نجحتَ في الصحافة… هنا يتدخل بنفسه، لأن أخطر ما يمكن أن يحدث هو أن يكون للناظور صوت، أو ذاكرة، أو منبر يفضح ما يجري في كواليسه.
خلال انشغال بوثفضيست بتوزيع المهام على جيشه، مدن أخرى مثل وجدة وفاس وأكادير، تبني لوبيات تضغط في الرباط، وتعود بمشاريع ومنشآت ومهرجانات.
أما الناظور، فتعود من الرباط ومعها ملف مرفوض، وخبر صغير في آخر النشرة، وصورة جماعية على فيسبوك بابتسامات عريضة… فوق أنقاض الفرص الضائعة.
الأدهى أن بوثفضيست لا يدفع رواتب لجيشه… كل الجنود متطوعون، البعض ينضم بدافع الحسد، البعض بدافع الانتقام، والبعض الآخر فقط لأنه يجد لذة في تعطيل أي شيء يتحرك، وهكذا، لا تحتاج المدينة لميزانية لهدمها… فالهدم هنا مجاني، والخدمات 24/7.
تخيلوا جنرال بوثفضيست جالس على مكتب لا ورق فيه ولا أقلام، فقط هاتف قديم يرن بلا توقف.
يرد“نعم، هل تم دفن مشروع الطريق؟ ممتاز، وماذا عن نادي الهلال؟ لا رئيس؟ عظيم! أما المبادرة الثقافية؟ إحرقوها، لا تتركوا أثرًا.” يضحك ضحكة خافتة، ثم ينظر في المرآة ويرى وجهه، مبتسمًا: “نجاح الناظور؟ هذه مجرد مزحة على حسابنا جميعًا.” في تلك اللحظة يدخل طفل صغير ويحمل كرة مهشمة، فيبتسم الجنرال ويقول له: “تعال، سأعلّمك كيف تبني مدينتك من لا شيء… كيف تحارب نفسك لتحافظ على هذا الفراغ الجميل.”