المزيد من الأخبار






رجاءً.. اتركوا سواحلنا وأطلالنا المغمورة


رجاءً.. اتركوا سواحلنا وأطلالنا المغمورة
أشرف بلعلي/ رئيس نادي اليونسكو لحماية التراث بالريف

طلعت علينا وزارة الثقافة مؤخرا ببلاغ صحفي ملأ جل المواقع الالكترونية المحلية والجهوية وبعض الجرائد الورقية والاذاعات الوطنية، مفاده أن الوزارة تعتزم القيام بمسح لسواحل الناظور والحسيمة للكشف عن المواقع الاثرية "التحت مائية". حيث أشار البلاغ إلى أن هذه العملية تندرج ضمن استراتيجية وزارة الثقافة الهادفة إلى تحديد المواقع الأثرية التحت مائية مع إعداد تبيان لها، مضيفا أن ذات القطاع برمج، برسم سنة 2015.

ونحن بصدد قراءة هذا البلاغ المعمم على أوسع نطاق، وجدنا أنفسنا ملزمين بالرد على ما جاء فيه، في هذا المقال، ومناقشة بعض الجوانب الخاصة بالموضوع، لذلك سنسعى إلى تناول الموضوع في إطاره العام دون التطرق الى التفاصيل. فقبل الغوص أوالغطس فى سواحلنا وأعماقها، والبدء في الكلام حول تلك "العملية !" التي تستهدف انتشال أطلال المنشآت البائدة والآثار المغمورة تحت الماء بسواحل الحسيمة والناظور. نلتمس هنا من الوزارة أن تجيبنا على سلسلة من الأسئلة ذات الصلة بالشأن الثقافي والتاريخي، التي تقض مظجعنا باستمرار، حول ما هي الاجراءات والتدابير المتخذة تجاه ترميم وصيانة المواقع الاثرية والمباني التاريخية الظاهرة فوق اليابسة؟ خاصة تلك المنتشرة على امتداد الريف الأوسط والشرقي، لأننا نعتبر الكلام حول عملية تحديد المنشآت المغمورة التحت مائية هو كلام سابق لاوانه، في الوقت الذي تعيش فيه هذه المآثر الظاهرة على سطح البسيطة مشاكل وتهديدات كثيرة ومتعددة تفوق بكثير تلك التي قد تعاني منها المآثر المغمورة! ومن المعلوم أن بلاد الريف تعتبر من أغنى المناطق والجهات المغربية التي تكتنز رصيدا مهما من التراث الحضاري والمعماري والتاريخي وغيره على اختلاف أنواعه وأنماطه المتعددة، الذي يعتبر مبعث فخر لجميع الريفيين ودليلاً على هويتهم وتميزهم، أي أنه معبّر عن الهوية التاريخية والحضارية للمنطقة وصلة وصل بين الماضي والحاضر، ومن المؤسف أن يكون ذلك التراث المادي حتى وقت قريب مضى عرضةً للضياع والهدم، وبالتالي الاندثار والإهمال الذي تسبب في خرابها.

وزارة الثقافة: الاهتمام الغائب

وسؤال اهتمام الوزارة بهذه المآثر يبقى دائما مطروحا، ونعتقد أن ما تتعرض له هو [إقصاء متعمد] مع سبق الإصرار والترصد، هذا الاقصاء، راجع بالأساس، الى سياسة التهميش الاقتصادي والثقافي والاجتماعي الذي طال المنطقة خلال القرن الماضي، ولا يمكن عزله أيضا عن إرث وتركة الامير محمد بن عبد الكريم الخطابي، وما عملية التخريب والهدم التي تعرض لها مقر [محكمة محمد بن عبد الكريم الخطابي] في "أخشاب أمغار" بتمسمان يوم 01-10-2013 لهو أكبر دليل على حجم استهتار الوزارة بممتلكاتنا الثقافية، حيث أمست البناية خلاء ومرتعا للمتسكعين، بل والاخطر من هذا كله تحولت الى حظيرة للماشية ليلا، ومرحاضا عموميا نهارا !

وفي هذا الصدد نود أن نذكر ونلفت إنتباه الوزارة إلى وضعية مآثرنا التاريخية ومنشآتنا المعمارية التي تعيش وضعا شاذا يتسم بالاقصاء والتهميش والاهمال، وضع يشعرنا بالازدواجية والمفارقة في التعاطي مع تراثنا الثقافي بشقيه المادي واللامادي، ونحن ندرك أيما إدراك أن هذا الوضع المتردي مقتصر فقط على إرثنا التاريخي وذاكرتنا الحية دون غيرها. فخلال زياراتنا المتعددة التي نقوم بها لبعض المنشآت المعمارية والمآثر التاريخية بالمناطق الداخلية، في [فاس، مكناس، الرباط، مراكش، الصويرة، ..] وجدنا أن هناك حد أدنى من الاهتمام والصيانة والتأهيل، وكذا تخصيص ميزانيات محترمة جدا من طرف الوزارة لترميمها وتسويقها كوجهة سياحية ثقافية مميزة، بل أكثر من هذا كله، فالوزارة قامت بتقديم العديد من الملفات لدى لجنة التراث العالمي في اليونسكو قصد ترشيحها من أجل قبولها ومن ثم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي الانساني. إلا اننا نجد دائما الريف هو الغائب الاكبر من هذه اللوائح التميزية.

فبالرجوع الى موقع الوزارة كذلك على الانترنت نجد أن هناك لائحة تضم العديد من المواقع التاريخية مسجلة ومرتبة ك"تراث وطني" وفي عداد الآثار، تهم أكثر من 30 إقليم وولاية، إلا إقليم الحسيمة، الناظور، الدرويش. فبالرجوع أيضا الى نفس الموقع نجد أن مديرية التراث الثقافي التابعة للوزارة قامت باستصدار عدد مهم من الدوريات والمنشورات التي تهم وضعية المعالم الاثرية على مستوى التراب الوطني. هكذا نتفاجئ مرة أخرى أن تلك الإقاليم الثلاث السالفة الذكر غير مدرجة ضمن القائمة المتعلقة بالاصدارات والمنشورات، على الرغم من تميز وغنى تراثها الثقافي، ونمطها المعماري الاستثنائي المتميز.

هل آن الأوان..

أما آن الأوان للوزارة أن تعيد النظر في سياستها تجاه أو على الأقل في بعض المآثر المهددة بالزوال والاندثار، لا بالأسباب التقليدية للاندثار[ الزلازل، الفيضانات،..] فحسب، وإنما أيضا بسبب الأحوال الاجتماعية والاقتصادية المتغيرة [ البناء العشوائي، عدم تقدير المواقع وإهمالها، اللامبالاة من بعض المسؤولين...] التي تزيد من خطورة الموقف بما تحمله من عواقب الإتلاف الأشد ضررا. وبسببها تم تدمير كثير من المآثر التاريخية في كثير من المدن والمراكز والقرى الريفية. ففي سنة 1979 هدم الموقع الأسطوري [أزرو ن تسريث] واستخدمت حجارته في تشييد سد محمد بن عبد الكريم الخطابي ومنازل العمال. ونهبت مدافع برونزية قديمة في واضحة النهار لا زلنا نتحسر عليها بسبب ضياعها من فوق أسوار [ مسجد مسطاسة] الذي يعود تاريخ بناءه الى عهد المرينيين. واجتثت ثكنات عسكرية ومبان معمارية تعود للفترة الاستعمارية الاسبانية على المنطقة وتم إنشاء وحدات سكنية اقتصادية ومساجد في مكانها. وعاينا كيف تم إحداث ملعب لكرة القدم داخل قصبة سنادة [ ثارا ن بادس]، أما [المقبرة اليهودية] الوحيدة بببلاد الريف برمتها فقد سطحت بالأرض نتيجة تغيير مجرى الوادي في اتجاه المقبرة مما تسبب في إتلافها وتشويه معالمها بالكامل، وهناك أمثلة كثيرة على هذه التصرفات التي تنذر بالخطر تحدث وتتكرر في المنطقة بشكل يومي. رغم كل البيانات والتحذيرات التي أصدرناها في "نادي اليونسكو لحماية التراث بالريف"، إزاء هذا الوضع المتفاقم أمام تقصير الوزارة والجهات المسؤولة في القيام بواجبها وتعاونها مع الهيئات المدنية المهتمة بقضايا الذاكرة والتاريخ قصد ترميم ما يمكن ترميمه، وتأهيل وتثمين ما بقي واقفا منها يتحدى عوامل الزمن وعبث العابثين.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح