المزيد من الأخبار






تحقيق.. فولكسفاغن تبيع سياراتها المغشوشة في المغرب بعد أن رُفضت من دول العالم


متابعة - وكالات

ماذا ستفعل إذا اقتنيت سيارة من مُصنع كان يُضرب به المثل عالميا في الجودة والكفاءة، ثم اكتشفت أنك تعرضت لـ"خدعة"؟

بالنسبة لمجموعة من المغاربة الذين اقتنوا سيارات ألمانية من نوع "فولكس فاغن" أضحى هذا السؤال مطروحا بقوة، فهؤلاء يعتقدون أنهم كانوا ضحايا "خدعة كبيرة" حيكت تفاصيلها خارج المغرب، وتحديدا ما بين ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث جرى سحب 11 مليون سيارة عبر العالم، مئات الآلاف منها سُحبت من السوق الأمريكية وأعيدت إلى ألمانيا، قبل أن يتم تسويقها مجددا في دول أخرى من بينها المملكة المغربية.. على الأقل هذا ما يعتقده "المتضررون".

وترتبط هذه القضية بأكبر فضيحة في تاريخ الشركة الألمانية، والتي تعُرف بـ"فضيحة انبعاثات المحركات" أو "المحركات المغشوشة"، والتي اكتشفت لأول مرة في شتنبر من سنة 2015 عبر وكالة حماية البيئة الأمريكية، قبل أن يصل لهيبها إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل نفسها، وهي اليوم تعود للحياة من جديد في المغرب عبر مستهلكين يؤكدون أن تلك السيارات هي بعينها التي أعيد بيعها لهم، وهو الأمر الذي ينفي المورد الحصري لسيارات "فولكسفاغن" بالمغرب أي صلة له به، ما دام مَصدر السيارات هي الشركة الأم نفسها.


أجزاء مُصنعة بأمريكا

"أ.ب" واحد من بين 3 أشخاص اقتنوا سيارات فولكسفاغن منذ 2016 والذين التقتهم "الصحيفة"، وجميعهم يعتقدون أنهم تعرضوا للخداع وأن العربات التي بيعت لهم لم تكن منتجة أساسا للسوق المغربية، وهو الأمر الذي يقول محدثنا إن هناك دلائل كثيرة عليه يمكن الوقوف عليها من خلال فحص بعض أجزاء السيارة، بل يمضي أبعد من ذلك حين يؤكد أن الأمر يتعلق بسيارات مسحوبة من الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا جرى تسويقها مجددا في المغرب.

"عندما فحصت مجموعة من الأجزاء اتضح لي أنها مُصنعة في الولايات المتحدة والمكسيك لا في ألمانيا"، يقول "أ.ب" قبل أن يضيف أن الأمر يتعلق بأجزاء تصنع في دول أمريكا الشمالية لتتناسب مع مستهلكي وطرق تلك المنطقة، والأمر هنا يتعلق بأجزاء من المحرك والهيكل الخارجي والمقاعد وحتى عداد السرعة، هذا الأخير مثلا الذي يعتمد وحدة "المايل" كمقياس رئيس عوض الكيلومتر كما هو معتاد في مختلف السيارات الرائجة في السوق المغربية.

هذا الكلام يعززه أيضا "ر.ع" بملاحظة أخرى تتعلق بالزجاج الجانبي للسيارة الذي اضطر إلى تغييره وفق نصيحة مجموعة من الميكانيكيين، بعدما أخبروه أنه لا يتناسب مع الطرق المغربية، لكن المعلومة المفاجئة التي أفصح عنها هؤلاء هي أن طريقة تركيب تلك الأجزاء تتماشي والطرق الواسعة الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، "هذا الأمر دفعني إلى الاعتقاد بأن سيارتي كانت في الأصل مُعَدة للاستعمال في دول أمريكا الشمالية"، يقول المتحدث، قبل أن يضيف "بعد ذلك سأُصدم عندما اكتشفت أن فولكسفاغن سحبت بالفعل 500 ألف سيارة من السوق الأمريكية بسبب عيوب خطيرة".

مصدر مجهول

ويعتقد أصحاب تلك السيارات أنها دخلت إلى المغرب كجزء من محاولات الشركة الألمانية تغطية خسائرها الجسيمة بعد فضيحتها العالمية سنة 2015، وهو الأمر الذي يرون أنه "لا يمكن أن يخفى على مورد العلامة بالمغرب"، لذلك ربطت "الصحيفة" الاتصال بيوسف توهامي، المُوَرِّد الحصري ومدير "فولكسفاغن" المغرب.

الأخير أكد في تصريح لموقع "الصحيفة" أنه يوّرد سيّارات "فولكس فاغن" للسوق المغربية من الشركة الأم في ألمانيا. وأضاف بالقول: "نحن نشتري السيارات مباشرة من عند الشركة الأم فولكسفاغن، وليس من دولة أخرى تم فيها رفض تلك السيارات".

هذا ما يؤكده توهامي للصحيفة، مضيفا أن العملية "تتم وفق جميع الإجراءات القانونية المعمول بها وتؤدى عنها واجبات الجمارك والترقيم، كما يتم قبول العربات يوميا في مراكز الفحص وهي حاصلة على الاعتماد في المملكة المغربية، هذا بالإضافة إلى أن الشركة تمنح ضمانا لزبنائها، لكن نسبة الإرجاع بناء على عقد الضمان هي الأقل في المغرب لأن الجودة عالية"، حسب المتحدث.

لكن السؤال الذي يطرحه أصحاب تلك السيارات بإلحاح هو: هل يمكن للمورد المغربي تأكيد أو نفي جلب هذه السيارات من الولايات المتحدة الأمريكية بعد بروز فضيحة "جهاز خداع اختبارات الانبعاثات"؟ أو بصيغة أخرى، هل المورد متأكد من أن تلك السيارات ليست هي نفسها التي جرى سحبها من السوق الأمريكي؟

ورغم أن المدير العام لـ"فولكس فاغن" المغرب يرى أن هذه الاعتقادات تبقى "مجرد كلام لا حجة عليه"، إلا أنه يُقِرُّ بعدم قدرته على معرفة الخطوات التي مرت بها السيارة قبل وصولها إلى المغرب كونها مستوردة من الشركة الأم، أي مباشرة من مصانعها، كما أنه يؤكد علمه بـ"تداول شائعات بخصوص هذا الموضوع، لكننا ارتأينا عدم الرد عليها لأننا لا يمكننا التفرغ للرد على الأخبار الزائفة" على حد تعبيره.

غياب قطع الغيار

وبالرجوع إلى موضوع أجزاء السيارات المصنعة بالولايات المتحدة والمكسيك، يرى "و.د"، وهو ثالث المتضررين الذين تحدثت إليهم "الصحيفة"، أن هناك دليلا آخر يؤكد أن السيارات التي اقتنوها لم تكن في الأصل مُعدة للبيع في المغرب، فالعديد من قطع الغيار لا توجد في السوق المغربية وحين يجري طلبها من طرف الشركة الأم يضطر المعنيون للانتظار لمدة طويلة تبتدئ بأسبوعين وقد تصل إلى 3 أشهر وفي أحايين أخرى أكثر من ذلك بكثير.

ويضيف "و.د" أن العثور على بعض الأجزاء في سوق قطع الغيار المستعملة أيضا أمر صعب، وذلك بسبب عدم حاجة السيارات المغربية لها أساسا، بما فيها عربات فولكسفاغن التي كانت تباع قبل فضيحة 2015، وهو الأمر الذي لا يبدو حكرا على محدثنا، بل أيضا العديد من المستخدمين الآخرين الشيء الذي تأكدَ للصحيفة من خلال الاطلاع على شكايات منشوره في مجموعة من المواقع المتخصصة في عالم السيارات.

لكن مُدير "فولكسفاغن" في المغرب ينفي تماما هذا الأمر، موردا "لدينا أكبر مخزن قطاع غيار في المغرب، ونسبة تغطيتنا لحاجة الزبناء تصل إلى 96 في المائة وهو رقم مرتفع جدا، إذ ليست هناك علامة في المغرب لها تغطية تتجاوز 90 في المائة"، وأضاف أنه مستعد لمرافقة المشَكِّكين لمخازن المؤسسة للتحقق عمليا من هذا الأمر.

ويقول يوسف توهامي إنه قد يحدث أحيانا أن يتأخر العثور على قطعة ما لسبب استثنائي مثل ارتفاع حوادث السير في فصل الشتاء "وهذا أمر خاضع لقواعد السوق وليس نقيصة في حق موردي فولكسفاغن"، مبرزا أن الأمر له علاقة أيضا بأزمة كورونا في الآونة الأخيرة، "حيث تم تطبيق إجراءات الحجر الصحي في المغرب وألمانيا، وهذا وضع استثنائي لا يد لنا فيه".

رواية مدير "فولكسفاغن"المغرب تفندها معطيات حصل عليها موقع "الصحيفة"من أصحاب "كاراجات" إصلاح سيارات "فولكس فاغن" المعتمدة في المغرب.


ثلاثة من هؤلاء في مدن مغربية مختلفة أكدوا للصحيفة أن سيارات من طرازات جيتا، وبيتل، وغولف، وباسات، وجدوا مشاكل كبيرة في توريد قطع غيارها، نظرا لأن تختلف عن قطع الغيار للسيارات من هذه الطرازات للسوق المغربية، وهو ما جعلهم ينتظرون أحيانا لأزيد من أربعة أشهر كاملة، للحصول على بعض قطع الغيار للطرازات المذكورة.

ما قصة سحب السيارات؟

وإذا كانت قناعات أصحاب تلك السيارات دقيقة، فإن الأمر يعني أن المغرب سيعرف إعادة فتح ملف فضيحة سيارات "فولكسفاغن" بعد نحو 5 سنوات على تفجر القضية لأول مرة، والأمر يتعلق بقيام الشركة الألمانية بتزييف البيانات المتعلقة بحجم انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون من سياراتها، عن طريق برنامج قياس يُعطي نسبا مغلوطة تم تثبيته عليها خلال الفترة ما بين 2007 و2015 وجرى اكتشافه في الولايات المتحدة الأمريكية، ما يعني أن معدل الاستهلاك الفعلي للوقود يكون أعلى من المفترض، الشيء الذي عجل بسحب نصف مليون سيارة من هناك.

وفي شتنبر من سنة 2015 اعترف مايكل هورن، رئيس مجلس إدارة فولكسفاغن في الولايات المتحدة، أن الشركة كانت "غير نزيهة مع الوكالة الأميركية لحماية البيئة"، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الأمر فالشركة اعترفت بعد ذلك بفعل الشيء نفسه في العديد من السيارات التي يجري تسويقها في مختلف دول العالم ما أجبرها على سحب 11 مليون وحدة منها، خاصة بعدما أكد وزير النقل الألماني ألكسندر دوربينت، في نونبر من العام نفسه أمام البرلمان الأوروبي، أن الأمر ينسحب على السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل، وفق ما كشفت عنها وقتها شبكة "دوتشي فيله".

ووصل لهيب هذه الفضيحة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي استدعيت من طرف مجلس النواب الألماني في مارس من سنة 2017 لتقديم شهادتها حول الموضوع، حيث أوردت أنها عرفت بالأمر من خلال تقرير وسائل الإعلام قبل أن تتصل بوزير النقل لطلب استفسارات، وذلك في سياق تحقيق حركته أحزاب المعارضة والذي كان يتهم الحكومة الألمانية بـ"التراخي" في تعاملها مع قطاع صناعة السيارات.

فولكسفاغن أمام القضاء

ولو كان المستخدمون المغاربة فعلا ضحايا لعملية إعادة تسويق السيارات المسحوبة فإن المسار القضائي قد يكون مفتوحا أمامهم على مصراعيه، وهو ما فعله مواطن ألماني حصل على حكم من محكمة العدل الألمانية بمدينة كارلسروه يوم 25 ماي الماضي، بتعويضه بأكثر من 25 ألف أورو بعدما ثبت لها وجود غش في المحرك.

وكانت الشركة قد تكبدت خسائر فلكية أمام القضاء في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي 2017 توصلت لاتفاق مع الادعاء العام لتأدية تعويضات بقيمة 4,3 ملايير دولار مقابل تسوية عقوباتها الجنائية والمدنية، وهو ما أُجبرت إدارة فولكسفاغن على الموافقة عليه دون تقديم أن استئناف ضده، لكنها بعد ذلك، وتحديدا في يونيو 2018، ستجد نفسها مطالبة بدفع غرامة قيمتها مليار يورو في ألمانيا.

ووقعت "فولكس فاغن" في أبريل من هذه السنة، اتفاقا وديا مع 235 ألف زبون لتعويضهم بما لا يقل عن 750 مليون أورو في قضايا رُفعت ضدها، لكنها لا زالت ملاحقة من طرف 60 ألف شخص في ألمانيا، كما أن مديرها التنفيذي السابق مارتن فينتركورن لا زال متابعا بتهم "التلاعب بسعر أسهم البورصة" و"الاحتيال المشدد"، أما مديرها الحالي هيربرت ديس ومدير مجلس الإشراف بالمؤسسة ديتر بوتش، فتمكنا من النجاة من المتابعة الجنائية أمام المحكمة في دجنبر الماضي بعدما توصلا لتفاق تسوية مع العدالة الألمانية كلفهما 9 ملايين أورو.

تحقيق من إنجاز : جريدة الصحيفة


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح