المزيد من الأخبار






بوصوف يكتب.. صناعة الرأي العام بين الفاعل الاعلامي و الفاعل السياسي...؟


بوصوف يكتب.. صناعة الرأي العام بين الفاعل  الاعلامي و الفاعل السياسي...؟
عبد الله بوصوف

ظل الفاعل السياسي و لعقود عديدة هو المهيمن على الحياة السياسية و القرارات الكبرى و السياسات العمومية...و انقسمت أدواره ( الفاعل السياسي ) بين الساهر على رسم و تنفيذ تلك السياسات في إطار الحزب الفائز في تلك الانتخابات أو داخل تحالفات حكومية من جهة...و بين لعب دور المعارضة و مراقبة أعمال الحكومة من جهة ثانية...

تطور الفكر السياسي و حاجته الى آليات و أدوات جديدة سواء لتسويق أو لتمجيد أعمال الحكومة أو لإنتقادها من طرف المعارضة...جعل من أدوات التواصل حاجة ملحة و ضرورية للفاعل السياسي أيا كان مركزه أو موقعه سواء في الأغلبية أو المعارضة...

و هكذا تربعت الجرائد الورقية لمدة طويلة على عرش التواصل بين الفاعل السياسي و المواطن / الكائن الانتخابي...و تناسلت و تطورت تلك الآليات بشكل قوي و مؤثر كالراديو و التلفزيون و السينما....و التي لعبت دورا قويا أثناء الحرب العالمية الأولى أو الثانية في تأطير الجماهير...بل خلقت ألمانيا النازية في مارس 1933 وزارة التنوير و الدعاية العامة عبر مهندسها جوزيف غوبلر...و سيتعاظم دور الفاعل الاعلامي في تاطير و توجيه الراي العام أثناء الحرب الباردة...إذ اعتبرت محركا اساسيا في السياسات الخارجية و السياسات العمومية بالداخل...

اليوم و مع هذا الكم الهائل من الانتاجات الإعلامية الرقمية...و الترف الاعلامي و شبكات التواصل الاجتماعي...كلها عوامل جعلت من إعادة سؤال تراتبية الفاعل السياسي و الإعلامي حاجة ملحة مرة و مستفزة مرات أخرى...و من يؤثر في الآخر هل الاعلامي أم السياسي..؟ و هل الفاعل الاعلامي أصبح رقما صعبا في صناعة القرار السياسي...؟ أم دوره يقتصر فقط على تسويق البرامج و تلميع فاعلين سياسيين و تقريع آخرين...؟

فلا احد بإمكانه إنكار الدور الكبير الذي يلعبه الفاعل الاعلامي في مراقبة أو انتقاد قرارات سياسية من جهة...و في توجيه و تأطير المواطن / الناخب قبل أو أثناء الاستحقاقات الانتخابية من جهة أخرى...

الحقيقة التي يعرفها الجميع و هي أن الفاعل الاعلامي هو الذي يحدد زمن نقاش مواضيع السلم و الحرب و مواعيد المفاوضات و طاولة النقاش...و يحدد أولويات اهتمامات الراي العام بين الدفاع عن القيم أو الهوية أو الأمن و البيئة أو حقوق الانسان و الهجرة..

بمعنى انه يضع المواطن أمام " عرض إعلامي " لا يمكن معه التفكير خارج صندوق العرض...فهو يضع حدودا لكل الاختيارات...إذ يخال للبعض أنه يختار بمحض ارادته و الحقيقة أن العرض الاعلامي يحد من هامش الخروج عن الاختيارات المعدة مسبقا...!
و لعل تمدد اليمين المتطرف بالغرب هو نتيجة للعرض الاعلامي القائم على تحديد الأولويات و البرامج و صناعة ناخب لا يفكر خارج الصندوق بل يعتبر نفسه "ناشطا " و مدافعا عن مضمون العرض الإعلامي لليمين المتطرف. ..و لن نفاجأ اذا اكتشفنا أن إعلام أحزاب اليمين و اليمين المتطرف هو ممول من طرف هيئات و شركات و أشخاص نافذين في عالم المال و الاعمال. ..تسخر الإعلام لخدمة أجندتها السياسية و الأيديولوجية....

و يانتقالنا لدائرة أكبر و أوسع...سنجد أن القائمين على صناعة الرأي العام العالمي..تتكلف به اربع وكالات اخبار عالمية إنطلاقا من أربع عواصم عالمية وهي نيويورك و لندن و باريس و برلين..و هي وكالات اخبار تتحكم في تسويق الاخبار و الصور عبر العالم...حسب دراسة سويسرية صدرت في يونيو 2016..
فالوكالة الامريكية Associated Press (AP) و مقرها بنيويورك تتوفر على أكثر من 4000 موظف عبر العالم...و يستفيد من خدماتها ازيد من 12 الف وكالة عبر العالم حيث تصل أخبارها يوميا لنصف سكان العالم...
و وكالة France Press ( AFP) و مقرها بباريس تشغل حوالي 4000 موظف...تنتج يوميا حوالي 3000 خبر و مثلهم من الصور لفائدة العديد من الوكالات في العالم...
ثم الوكالة البريطانية Reuters ومقرها لندن و تشغل حوالي 3000 موظف...و سيقوم Thomson رجل الأعمال الكندي بشراء Reuters سنة 2008...ليصبح مقر Reuters Thomson بنيويورك ...

ثم هناك الوكالة الألمانية DPA و مقرها برلين و تشغل حوالي 1000 موظف في العديد من بلدان العالم..كما تملك دور النشر و محطات الراديو...كما لها ترخيص من AP الأمريكية لتسويق الخدمات الإعلامية في البلدان الناطقة بالالمانية...

أغلب وكالات الاخبار العالمية لها شراكات مع هذه الوكالات الاربع من أجل تسويق الخدمات الإعلامية بما فيها خدمات مراسليها عبر العالم....
و بطبيعة الحال فإن الفاعل السياسي ينهل من اخبار هذه الوكالات و يتأثر بتحليلاتها و يحذر من اضواءها....

و في نفس الوقت فإن الفاعل الاعلامي يشتغل في مساحات حرية رسمها الفاعل السياسي...و يشتغل بحذر مخافة كل ردة حقوقية و اعلامية يكون بطلها الفاعل السياسي عن طريق سن قوانين تحد من حرية الصحافة مثلا....فلا ننسى قضية " وتر غيت " و سقوط الرئيس الأمريكي نيكسون من طرف صحافيين إثنين...

اليوم تزداد المساحة المشتركة إتساعا في صناعة الرأي العام بين الفاعل الاعلامي و الفاعل السياسي...بفضل الثورة الرقمية و شبكات التواصل الاجتماعي...
لقد تطور توصيف مجال اشتغال الفاعل الاعلامي بين صاحبة الجلالة و السلطة الرابعة...في انتظار توصيفات جديدة تتماشى مع عصر الذكاء الاصطناعي...لكن الفاعل السياسي احتفظ بتوصيفه...مع بعض الإضافات كالرديكالي و المتطرف و الشعبوي...و غيرها...
في جانب آخر ، فلغة الواقع تقول ان كلاهما شريك للآخر في صناعة الرأي العام العالمي بمواصفات خاصة...و الأكيد أن الثورة الرقمية و التكنولوجية و سرعة انتقال المعلومة ستدفع لا محالة بالمواطن / الناخب بالبحث عن قراءات جديدة خارج صندوق العرض الاعلامي و السياسي...


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح