المزيد من الأخبار






بوصوف: هفوة جريدة لوموند في حق الملك محمد السادس


بوصوف: هفوة جريدة لوموند في حق الملك محمد السادس
عبد الله بوصوف

نشرت جريدة لوموند الفرنسية يوم الاثنين 25 غشت مقالاً مطولاً يمثل الجزء الأول من سلسلة من ستة أجزاء مخصصة للملك محمد السادس تحت عنوان: "أجواء نهاية فترة محمد السادس". وقد جعلت الصحيفة من مرض الملك العمود الفقري للمقال، مع إضافة بعض المعلومات التي سبق أن نُشرت حتى في الصحافة المغربية حول علاقته ببعض رعاياه.

غير أن المقال لا يحمل أي جديد يُذكر، إذ أن معظم ما ورد فيه ليس سوى ترجمة أو إعادة نشر لما سبق أن كتبه الصحفي الإسباني إغناسيو سمبريرو، المعروف بعدائه المَرَضي لكل ما هو مغربي. وتؤكد لوموند أن مرض الملك وسفرياته المتكررة سبب في ابتعاده عن ممارسة السلطة، وهو استنتاج غير دقيق.

في البداية، يجدر التأكيد على أن مرض الملك محمد السادس لم يكن يوماً من الطابوهات في المغرب. ففي كل مرة تعرض فيها الملك لوعكة صحية، كان الطبيب الخاص أو الديوان الملكي ينشر بلاغاً رسمياً يُطلع الرأي العام على وضعه الصحي. بل إن الملك نفسه لم يتردد في الظهور العفوي بما يُظهر إنسانيته، حيث ظهر على شاشة التلفزيون العمومي في استقبال رياضيين وهو متكئ على عصاه، كما نشرت صور رسمية له أثناء إجرائه عملية جراحية على القلب في أحد المستشفيات الباريسية محاطاً بأفراد عائلته. كذلك ظهر إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو يستند إلى عصا، وشارك في مناسبات دينية جالساً على كرسي، حرصاً على أداء واجباته الدينية رغم حالته الصحية.

إن استنتاجات الصحيفة الفرنسية تقوم على إسقاطات مما عرفته فرنسا نفسها مع رؤسائها، من شارل ديغول إلى فرانسوا ميتران وفرانسوا هولاند. فقد كان هؤلاء يخفون أمراضهم عن الرأي العام، وكانت لوموند تكتفي حينها بنشر البلاغات المطمئنة الصادرة عن قصر الإليزيه. ويبرز مثال الرئيس فرانسوا ميتران الذي أُصيب بمرض السرطان منذ ولايته الأولى (1981)، واستمر في الحكم ولازمته العلة طوال عهدتيه السبعينيتين. ورغم الشائعات، ظلت لوموند تدافع عن صحة الرئيس، بل إن ميتران نفسه أجاب الصحفي جان-بيير الكباش عندما سأله: "هل تتألم من المرض؟" بقوله الجاف: "هذا ليس شأنك"، منهياً المقابلة. ومع ذلك، لم يمنعه المرض من ممارسة مهامه حتى نهاية ولايته الثانية.


أما في الحالة المغربية، فإن المرض أو السفر لم يمنعا الملك محمد السادس من ممارسة مهامه الدستورية كاملة، بمعية الحكومة والمؤسسات الوطنية ومستشاريه. فقد ظل حاضراً في كل المواعيد الوطنية الكبرى التي تستلزم حضوره، مثل المجالس الوزارية، وافتتاح البرلمان، والمناسبات الدينية والوطنية. كما كان حاضراً في تظاهرات عالمية مثل مؤتمر المناخ COP22 بمراكش عام 2016، حيث استقبل رؤساء الدول وقاد أشغال القمة.

ولم يتخلف الملك عن متابعة الأزمات الكبرى التي هزت المغرب، مثل قضية الطفل ريان (2022)، وفترة جائحة كوفيد-19، وزلزال الحوز (2023). كما ترأس اجتماعات مهمة تتعلق بملفات استراتيجية كالماء والطاقة والفلاحة والتنمية. فضلاً عن استقباله قادة العالم وشخصيات بارزة، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، ووزراء خارجية دول الساحل.

والتاريخ حافل بزعماء عالميين لم تمنعهم أمراضهم من أداء مهامهم وتحقيق المنجزات. فالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت قاد الحرب العالمية الثانية وهو على كرسي متحرك، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، رغم تقدمه في السن ومعاناته الصحية، قاد بريطانيا في أصعب فترات الحرب.

كما أن السلاطين المغاربة عبر التاريخ ظلوا أوفياء لعقد البيعة، حتى في ظروف المرض. ويكفي أن نستحضر معركة وادي المخازن سنة 1578، حين توفي السلطان عبد الملك المعتصم السعدي مريضاً أثناء القتال، ومع ذلك لم يحدث أي خلل في قيادة المعركة، إذ تولى شقيقه أحمد المنصور الذهبي القيادة فوراً، محققاً نصراً مبيناً على التحالف المسيحي الذي كان يقوده الملك البرتغالي الشاب سبستيان الذي قُتل في المعركة.

لذلك، فلتطمئن لوموند الفرنسية على مستقبل المغرب، فهو بين أيادٍ آمنة. فالشعب المغربي بكل فئاته يقف وراء ملكه، وهذا هو الضامن الحقيقي لاستمرار الانتصارات، والاستقرار، والتنمية، والوفاء لعقد البيعة التاريخي بين الملك والشعب.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح