
بقلم: بلال مرابط
هل لاحظت أن كثيرًا من الأغذية التي نأكلها اليوم كالأفوكادو، المانجو، الأناناس، البابايا، التوت الأزرق والسلمون لم تكن يومًا جزءًا من موائد أسلافنا، حتى في أعيادهم؟
صحيح أن بعض هذه الفواكه أصبح يزرع اليوم في أرضنا، كالمانجو والأفوكادو، لكن لا لأننا في حاجة إليها، بل لأن السوق طلبها. تزرع لا لأنها تشبهنا، بل لأن الرأسمالية أرادت ذلك. منطقها ليس الجذور، بل العائدات. ليست امتدادًا لتقاليد الأرض، بل سلعة تعبأ وتشحن في ثقافة عالمية تصدر المفاهيم قبل أن تصدر الثمار.
لقد نجح هذا العالم التجاري في أن يعيد تشكيل أذواقنا. إذ في الغالب لم نعد نأكل ما نشتهي، بل ما يقال عنه “صحي”. لم نعد نثق في ما تزرعه أرضنا، بل في ما يطبع عليه “BIO” بلغة لا تعرفها ثقافتنا إلا في الاستعمار. صار الشخص يتفاخر بتوت كندي لا طعم له، والأخر يطمئن للتفاحة المحمر وجنتيها والمغلفة بالشمع، أكثر من تلك التي حملها الفلاح من شجرة يعرفها جيدا، حتى أننا أصبحنا نثق في المتاجر الكبرى أكثر من الفلاح صحيح؟
ثم تأتي موجة ما يسمى بـ”السوبر فود”، هذا الاسم العجيب الذي يوهمك أن في قضمة من بذور الشيا خلاصا من الضعف، وأن زيت جوز الهند يحمل مفاتيح الصحة المفقودة وتقنعك، بلطف معلب، أن ما تنتجه أرضك ليس كافيا لجسدك الحديث.
الزيتون؟ مفيد، لكنه “يفتقر إلى أوميغا 3”...
التمر؟ مغذ، لكن تنقصه “مضادات الأكسدة”…
الحليب؟ جيد، لكنه لا يحتوي على “بروتينات كاملة”…
وفي هذه اللحظة تحديدا، يبدأ الإنسان في التشكيك: في أكله، في موروثه، في الأرض التي أنبتته، وفي الجسد الذي ورثه…لكن الحقيقة “كما تعرفها الجدات” بسيطة، الله حين خلق الأرض، وزع فيها أقواتها، وكل جسد، فصل على مقاس ترابه.
لا تحتاج أجسادنا لطعام قادم من وراء البحر لتستقيم. فالرمان الذي كبر في نفس الشمس التي لونت وجوهنا، يغنينا عن "الكوكو" الاستوائي. و"ثاماراقت" بالزيت البلدية، أشهى من جل الوصفات الغربية.
ما بين الأمس واليوم، تغير مذاق المائدة كما تغير إيقاع الحياة. في السابق، كانت الأطباق تعد بوحي من المواسم، وتنكه بما تجود به الأرض، وتؤكل ببطء، وكأنها عبادة. أما اليوم، تأتي الوصفات من شاشة مضيئة، والمكونات من رفوف مضاءة أكثر، فيما الذوق يتنقل بسرعة الضوء، وينسى أحيانا من أين بدأ.
في بيت الجد، كانت رائحة الخبز تكفي لتقول إن الوقت صباح، وإن الطمأنينة موجودة في زيت يسكب على طرف الرغيف. أما اليوم وفي المطبخ الذي غابت عنه الجدات، تحضر الفواكه الغريبة بألوانها اللامعة، وترتب بعناية على أمل أن تمنح الجسد ما وعده به عالم التغذية الحديث.
مائدتان، تفصل بينهما عقود من العولمة، لا فضل للأخيرة سوى قدرتها على الإبهار. هي ليست ثمرة وعي غذائي بقدر ما هي انعكاس لتقليد عالمي واسع، يكرر نفسه على شاشات الهواتف وفي رفوف المتاجر. الأولى جاءت من الأرض، والثانية جاءت من الصورة. وبينهما، يجلس الإنسان حائرا، يتذوق، ويبحث في كل لقمة عن شيء من الطمأنينة الأولى…
هل لاحظت أن كثيرًا من الأغذية التي نأكلها اليوم كالأفوكادو، المانجو، الأناناس، البابايا، التوت الأزرق والسلمون لم تكن يومًا جزءًا من موائد أسلافنا، حتى في أعيادهم؟
صحيح أن بعض هذه الفواكه أصبح يزرع اليوم في أرضنا، كالمانجو والأفوكادو، لكن لا لأننا في حاجة إليها، بل لأن السوق طلبها. تزرع لا لأنها تشبهنا، بل لأن الرأسمالية أرادت ذلك. منطقها ليس الجذور، بل العائدات. ليست امتدادًا لتقاليد الأرض، بل سلعة تعبأ وتشحن في ثقافة عالمية تصدر المفاهيم قبل أن تصدر الثمار.
لقد نجح هذا العالم التجاري في أن يعيد تشكيل أذواقنا. إذ في الغالب لم نعد نأكل ما نشتهي، بل ما يقال عنه “صحي”. لم نعد نثق في ما تزرعه أرضنا، بل في ما يطبع عليه “BIO” بلغة لا تعرفها ثقافتنا إلا في الاستعمار. صار الشخص يتفاخر بتوت كندي لا طعم له، والأخر يطمئن للتفاحة المحمر وجنتيها والمغلفة بالشمع، أكثر من تلك التي حملها الفلاح من شجرة يعرفها جيدا، حتى أننا أصبحنا نثق في المتاجر الكبرى أكثر من الفلاح صحيح؟
ثم تأتي موجة ما يسمى بـ”السوبر فود”، هذا الاسم العجيب الذي يوهمك أن في قضمة من بذور الشيا خلاصا من الضعف، وأن زيت جوز الهند يحمل مفاتيح الصحة المفقودة وتقنعك، بلطف معلب، أن ما تنتجه أرضك ليس كافيا لجسدك الحديث.
الزيتون؟ مفيد، لكنه “يفتقر إلى أوميغا 3”...
التمر؟ مغذ، لكن تنقصه “مضادات الأكسدة”…
الحليب؟ جيد، لكنه لا يحتوي على “بروتينات كاملة”…
وفي هذه اللحظة تحديدا، يبدأ الإنسان في التشكيك: في أكله، في موروثه، في الأرض التي أنبتته، وفي الجسد الذي ورثه…لكن الحقيقة “كما تعرفها الجدات” بسيطة، الله حين خلق الأرض، وزع فيها أقواتها، وكل جسد، فصل على مقاس ترابه.
لا تحتاج أجسادنا لطعام قادم من وراء البحر لتستقيم. فالرمان الذي كبر في نفس الشمس التي لونت وجوهنا، يغنينا عن "الكوكو" الاستوائي. و"ثاماراقت" بالزيت البلدية، أشهى من جل الوصفات الغربية.
ما بين الأمس واليوم، تغير مذاق المائدة كما تغير إيقاع الحياة. في السابق، كانت الأطباق تعد بوحي من المواسم، وتنكه بما تجود به الأرض، وتؤكل ببطء، وكأنها عبادة. أما اليوم، تأتي الوصفات من شاشة مضيئة، والمكونات من رفوف مضاءة أكثر، فيما الذوق يتنقل بسرعة الضوء، وينسى أحيانا من أين بدأ.
في بيت الجد، كانت رائحة الخبز تكفي لتقول إن الوقت صباح، وإن الطمأنينة موجودة في زيت يسكب على طرف الرغيف. أما اليوم وفي المطبخ الذي غابت عنه الجدات، تحضر الفواكه الغريبة بألوانها اللامعة، وترتب بعناية على أمل أن تمنح الجسد ما وعده به عالم التغذية الحديث.
مائدتان، تفصل بينهما عقود من العولمة، لا فضل للأخيرة سوى قدرتها على الإبهار. هي ليست ثمرة وعي غذائي بقدر ما هي انعكاس لتقليد عالمي واسع، يكرر نفسه على شاشات الهواتف وفي رفوف المتاجر. الأولى جاءت من الأرض، والثانية جاءت من الصورة. وبينهما، يجلس الإنسان حائرا، يتذوق، ويبحث في كل لقمة عن شيء من الطمأنينة الأولى…