المزيد من الأخبار






بغى يكحّلها عماها.. أو .. حين لاشىء حولي سوى مدينة تتعثر .. وبحر يتقيأ


بغى يكحّلها عماها.. أو .. حين لاشىء حولي سوى مدينة تتعثر .. وبحر يتقيأ
محمد بوتخريط . هولندا

اذا كان تقسيم الريف قد تم التخطيط له ، كما بات معروفا، الآن، ومنذ القدم ، فإن الخراب الذي اصاب مدنه وأهله ، بأيادي ذوي الامر فيه ومن تعاون معهم وافرازاتهم من مؤسسات وجمعيات لم يكن لها وجود من قبل، تجاوز كل ما تم التخطيط له مسبقا

لإخضاع الريف وأهله، والاستيلاء على ثرواته

الناظور، عتبة باب اوروبا كما يروق للبعض نعته، لم يسلم هو الاخر من مخططات و تداعيات هذا العبث الجنوني ...

مدينة مسلسل تنميتها يتعطل باستمرار.

بعد محاولات "الإصلاحات والتوسعات" المتتالية في المدينة، راود أهلها أملا بإعادة الحياة إليها عبر مشاريع إنمائية للاستفادة من قدراتها ، فحاول بعضهم توجيه بوصلة الإنماء إلى المدينة من خلال انتزاعهم، بعد مخاض عسير، لبعض المشاريع الإنمائية... إلا أن هذه المشاريع لم تسلك بعد طريقها للتنفيذ . بل وﺤﺘﻰ حين تتوسع المدينة ﻓﺈﻥ ﺸﺒﻜﺔ ﺍﻟﺒﻨﻰ ﺍﻟﺘﺤﺘﻴﺔ فيها( على سبيل المثال) ﺘﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﺤﺎﻟﻬﺎ..

والتجارب أكدت ولا تزال تؤكد أن الاحياء العمرانية الجديدة بما فيها "شقق" العمارات التي اصبحت تملأ اطراف المدينة و تكتسحها والتي أنشئت ربما بغرض تخفيف الضغط السكاني في المدينة لم تصادف النجاح المرتقب... مشاريع حيوية لكنها تفتقر للخدمات الأساسية .كما الوقائع تؤكد كذلك فشل هذه المشاريع في جذب السكان بالصورة المأمولة. كون إنشاء مثل هكذا مشاريع يتطلب بالضرورة توفر الخدمات الأساسية وهذا لم يتحقق في معظم هذه الاحياء العمرانية الجديدة‏.. كما تنقصها الخدمات الأمنية الكافية والخدمات الإدارية وخدمات أخرى من طواريء وسوق وتعليم وصحة وترفيه ونقل جماعي ...‏الخ...الخ ..

تستوقفني هذه الاثناء و وسط ما تعرفه المدينة من كل هذا وذاك ومن لامبالات المسؤولين. عبارة يرددها الكثير منا ونرددها معهم ونرفعها احيانا شعاراً .. نرددها في أقوالنا وفي بعض أمور حياتنا : « بـغـى يكـحّــلـهـا عـمـاها ».
كم هي"جميلة" هذه العبارة في ما تحمل من معنى وما تشير اليه من دلالات .. هي أكيد ، ليس قاعدة في الحياة ،ولا في الواقع ، لكنها ملاحظة دقيقة جدا لمن يرددها ولو مع نفسه وهو ينظر الى حال المدينة وما آلت اليه لتختصر بالتالي نظرته الى مدينتنا وربما ايضا بشكل عميق.

فمهما يتوالى ما قيل وما يقال في المدينة بعد "التوسيع و الاصلاح" من تعاليق وكلام تبقى مقولة "بـغـى يكـحّــلـهـا عـمـاها" في نظري هي المعبر و...الأقوى .

لا ادري تحديدا ما سر عودتي لها اليوم ، ربما لما تحمله من رسائل تستوقفنا اليوم وبقوة وبالخصوص بعد التوسع والاصلاحات الأخيرة التي شهدتها المدينة والتي تعددت حولها القراءات والتفسيرات .

وربما هو الخوف وإن كنت لا ادري كذلك ، لا على مَن .. ولا مِن مَن، هو الذى أشعل فى دواخلى هذه النرجسية .. الخوف الذى لا يشبه أى خوف ..

أو ربما هو خوفي الغائب اوهو ربما هي روحنا جميعا ، تلك التي تبحث عن اليقين فى مسقط رأسنا بعد طول غياب وقهر سنين هنا وهناك ..

او ربما هي كذلك صور المدينة التي تبدلت .. وكل ملامحها التي تغيرت .. او ربما والاكثر من كل هذا وذاك ، هو ذاك "الموت" الذي يزلزل مواقع الأشخاص الذين كنا نعرفهم .. والموت في مدينتي كما كل المتعبين في المدينة يعرفون ، ليس هو فقط موت الأشخاص ، بل هو أيضاً موت الحياة في المدينة وغياب كل الأشياء الجميلة فيها .

والمدينة كما علمتْنا ..مكان داخل الذات ...تخاطب كياننا فى كل يوم لنعود إليها.فيها وعنها تسجل ذاكرتنا لحظات حنين منسية لمراتع الصبا حيث الحب القديم .. وما الحب إلا للحبيب الأول.أمل الغد المشرق .

لكن ونحن ندخلها واحلامنا تسبقنا .. نبحث في وجوه الناسِ عن مدينة تركناها يوما ما ورائنا ..لا نعْثر عليها.

المدينة اليوم تحولت إلى فضاء مخيف.. إختفت منها الكثير من الاشياء الجميلة .. إختفت منها الأشجار التى كان يستظل بها اهل المدينة في الشوارع .. وبدلاً منها "نبتت" اسواق ومقاهي للمتعبين .إختفت السينما وشيدت مكانها أعمدة الأسمنت وجدران "الاجور" وأسلاك معدن شائكة !.. وحتى دار الشباب الوحيد في المدينة ..حولوه الى "دار" بعد أن غيبوا عنه "الشباب"..

المدينة لم تعد خضراء .. ولا اللون الأزرق بقي لون البحر والسماء .

القادم من اقصى المدينة وهو يقترب من آخرها .. من كورنيش المدينة الذي سموه تجنيا "كورنيشا" ، تتراءى له عن يمينه بركة ماء كأنها بحيرة او مستنقع لمطارح قنوات الصرف الصحي ، بينها وبين البحر برزخ من القاذورات و الاوساخ و النفايات التي تراكمت بشكل فظيع في الشارع ؛ رائحة تزكم الأنوف ومساحتها تتمدّد ولا يمكن أن تكون إلا مرتعا للحشرات والأوبئة، لعلها تستعد لابتلاع مساحة "فندق" ظل يستغله بعض سماسرة المدينة بعد ان أعدموا إسمه "الريف" ولم يعد له وجود؛ تماما كما تم "إعدام" الحاجز الواقي لامواج البحر الذي كان يفصل البحر بالشارع .

كارثة بيئية تلوح في الأفق؛ وضْعٌ جعل اهل المدينة يتساءلون عن مدى قانونية إعدام الجدار الحاجز،ودفع البعض الآخر ليسائل السياسات العمومية بالمنطقة، في حين انتقد آخرون لامبالاة بعض المسؤولين في المدينة .

واما البحر من جانبه ، تذكر في حزن وألم قول الشاعر:"أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي؟ "

وله كان قول آخر ورسالة أخرى لمسؤولي المدينة ولكل من يقتله عمداً . بعد ان أصبح مكباً لنفايات ضاق البشر و البر بها ذرعاً...

ولأن النظر في وجه مسؤوليي المدينة وتخطيطاتهم كما مخططاتهم يثير الغثيان ، تَقَيّـأُ البحر في وجههم من أحشائه ذات القمامة والنفايات...وأشياء أخرى أجدى اللحظة بالسرية.. والكتمان.

بحر المدينة تقيأ .. لنلاحظ مفردات الحدث .. بحر المدينة يتقيأ على مسؤولي المدينة !

وكأنه يسائلهم ويدعو الجميع تأمُّل المدينة من الداخل .. ومن كل الجهات شرقا وغربا وفوقا و... تحتا ومن كل أطرافها ، الغوص فى أعماقها حتى يتلطخ الجميع بأوساخها..ويتمكنوا بالتالي من الإغتسال و...غسلها.

لابد من الغوص حتى الأعماق .. لوضع أساس جديد لاعادة البناء وفق منظور خاص يمليه الواجب والضمير .

حديث المسؤولين في المدينة عن التغيير او ربما تغيير ملامح المدينة اوقعهم في اخطاء ربما لم يقصدوها .. حتى اصبح ينطبق عليها فعلا المثل "جاء ايكحلها اعماها".

لن أضيف الكثير..لن أتحدث عن الزحام ولا عن استمرار الإهمال الذى تشهده أحياء المدينة ، ولا التلوث الذي يخنق البحر والمدينة ليل نهار، ذلك كله اصبح تحصيل حاصل.

المدينة لم تعد مدينة ذات هوية واضحة ، على الأقل من حيث الشكل، قديما كنت اعرف اكثر من نصف اهل المدينة كنا نعرف بعضنا البعض كان بيننا قلة من "الدخلاء" ، كان وجود غير اهل المدينة في المدينة أمرا استثنائيا .

الآن لم يعد الأمر غريبا، لقد تم تزييف المدينة ونسبة الوافدين من الخارج إليها اكبر من نسبة أبناء المدينة الاصليين ..

لكن.. لم يعد في المدينة ما يدهشنا حيث تفجر الجرح ولم يلتأم بعد ، كل ما نراه من خروج على "العادي" اصبحنا نعيشه كل يوم ، بل اننا اليوم اصبحنا نندهش إذا صادفنا أمرا عاديا او سويا !!!

حنين الى الصور القديمة للمدينة هو "اسبرين" صداع بعض اهلها . يتمنى الكثير منهم لو ان المدينة بقيت على حالها و لم تزد شيئا .. فكلما تغيرت الأمور؛ بقيت الأخطاء على حالها وشاهدة على سوء التدبير والتخطيط والعمل والمراقبة.

"وصل الحال في المدينة حداً لا يمكن السكوت عنه أو غض الطرف عما يحصل من انتهاكات بحقها" .. سمعت يوما احد المتعبين بحبها يقول. بعد أن كثرت الاتهامات بين الجهات ذات العلاقة ، كل يرمي بالمسؤولية على غيره .. ولكن الحقيقة الواضحة للعيان هي استمرار أعمال العبث والتخريب بحق هذه المدينة الجميلة...وفقط باهلها.

وكأن مسؤولي المدينة غافلون عن ان انتفاخ المدينة وتضخمها وتمددها ليس عنوان التحضر والتمدن كما يتوهمون ، وان ما تعرفه المدينة اليوم هو نتيجة غياب لإدارة المدينة بمعناها الشمولي كإدارة مسؤولة عن رعاية مصالح سكانها ، فالأصل أن الحجم المثالي للمدينة يتحقق عندما تتساوى الامور فيها ..ومدينتي هناك أشبه ب:"اوتوبيسها"، فإذا لم يكن هناك عدد كاف من الركاب كان أقل كفاءة ، وإن كان عدد الركاب أكثر من السعة الاستيعابية تضايقوا وتعطل "الاوتوبيس"... ونحن أهله أو على حد قول عادل إمام :"احنا بتاع الاوتوبيس" .. والاتوبيس ( عفوا) المدينة بلغت حجما يفوق قدرتها على تقديم خدمات متميزة ، بل حتى الحد الأدنى الذي يلبي احتياجات اهلها.

فلماذا المدينة تتوسع و تكبر.. وتكبر وتتعدى الحجم المناسب اقتصاديا واجتماعيا ؟

سؤال صعب ..وتكمن صعوبته في أنه لا أحد من مسؤولي المدينة يريد ان يكشف عن من يملك حق الإجابة.

لكن... اهل المدينة يعرفون الجواب:

والجواب ببساطة ..

ليست هناك إدارة حقيقية شاملة ومسؤولة في ... و للمدينة .


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح