المزيد من الأخبار






الفنانة المغربية "طاطا ميلودة" تحكي لـ"ناظورسيتي" عن قصة حياتها العصامية وعن مسارها الفني


الفنانة المغربية "طاطا ميلودة" تحكي لـ"ناظورسيتي" عن قصة حياتها العصامية وعن مسارها الفني
ح. الرامي - حمزة حجلة


خالتي ميلودة٬ أو "طاطا ميلودة" كما يطلق عليها في الأوساط الفنية الفرنسية٬ أما إسمها الرسمي "ميلودة شفيق"، وهي مهاجرة مغربية ليست كباقي النساء اللواتي عبرن حوض البحر الأبيض المتوسط في اتجاه ضفته الشمالية بحثا عن الفردوس، بعدما دفعها شظف العيش وقلة ذات اليد إلى الهجرة إلى الديار الفرنسية وهي في سن التاسعة والثلاثين٬ سندها بناتها الثلاث اللواتي أصرت على التسلح بهن خوفا من الضياع٬ وزادها العزيمة القوية لبناء غد أفضل وإتمام بناء البيت الذي كانت تقطن فيه مع أسرتها المكونة من ستة أفراد وشريك الحياة بحي "قطع الشيخ" بمدينة سطات.

وصولها إلى درب الشهرة لم يكن بالسهل٬ بل وراءه سيول من المعاناة والأسى والألم٬ دفعتها للبحث عن قارب نجاة كانت تحلم بفردوس تتوفر فيه كل شروط الحياة الكريمة والسعادة المثلى والنعيم المفقود٬ لكنها أدركت منذ الوهلة الأولى أن كل ذلك مجرد أضغاث أحلام٬ فالسعادة التي كانت تلهف وراءها٬ أمر مستعصي المنال بالنسبة لمهاجرة سرية لا تمتلك أدوات التواصل ولا حول ولا قوة لها أمام متطلبات الحياة في عاصمة عالمية تعج بالمغريات وليس بالهين على غريب عنها ضعيف الحال٬ انتزاع مستقر حتى.

قاست الكثير من أجل الاستقرار في خفاء مع صغيراتها الثلاث٬ تدحرجت بين العديد من المحلات والمقاهي والمطاعم والبيوت لكسب قوت الأسرة المتفرقة بين الضفتين٬ اشتغلت منظفة ومكوية للملابس ومعتنية بالعجزة وبالرضع كل ذلك في ظروف جد مزرية.

قصة حياتها طويلة ومثيرة للشفقة٬ وقد وعدت بتدوينها بعدما اجتازت سنة 2006٬ وبامتياز٬ امتحانات دروس محاربة الأمية في عاصمة الأنوار٬ ولم لا كما تقول٬ إخراجها في شريط مطول يتفاخر به أحفادها الثمانية بين جيل المهاجرين ويستلهم منه الباحثون عن الفردوس المفقود في الديار الأجنبية الكثير من العبر والدروس.

بعد أربع سنوات من العيش في "جحيم" الحضارة الغربية٬ وتكديس الفرنك تلو الآخر والحرمان من كل ما يشكل مظهرا من مظاهر العيش الكريم هناك٬ جاءها خبر زواج شريك حياتها وبيتها الذي بنته بعرق جبينها٬ من شابة في ربيعها السابع عشر.

لم تكن تظن يوما أن حياتها ستنقلب رأسا على عقب٬ ولم تكن تشك قيد أنملة في حب زوجها وإخلاصه لها٬ نزل عليها خبر ارتباطه بشابة كالصاعقة٬ فشاء القدر أن يجعله سببا في تفجر كل مكبوتاتها الفكرية وتحويل المستحيل إلى ممكن.

بعد استيلاء الزوج على البيت٬ حصلت على الطلاق سنة 1993٬ فتفتقت عن ذهنها فكرة البحث عن وسيلة للتعبير عن مآسيها ومعاناتها والتخلص من آلام كبتتها بداخلها لسنين٬ لنقلها إلى جمهور واسع من أبناء جلدتها.

ابتسم لها الحظ وفتحت لها أبواب الشهرة على مصراعيها لتتبوأ مكانة خاصة بين نجوم أغنية "سلام" (السين مسكونة)٬ فبسلاسة ومرونة عز نظيرها٬ أخذت طاطا ميلودة تعبر بلحن مميز يحمل في طياته نبرة من نبرات بنات الشاوية عن مراحل طفولتها وحرمانها من التعليم وزواجها وهجرتها السرية وكدها وحياتها الفنية٬ عن المعاناة والحرية والحظ كل ذلك عبر زجل بسيط تؤديه بمستويات صوتية مختلفة وتوجهه مباشرة إلى قلب المتفرج مع أداء موسيقي لشباب فرنسي يتفاعل مع حكاياتها الواقعية. خصها وزير الثقافة الفرنسي٬ فريدريك ميتران باستقبال خاص٬ وأبدى إعجابه بتجربتها الفريدة والناجحة٬ "لم أكن أحلم بمقابلة شخصيات بارزة في عالم الثقافة والفنون٬ ولا باعتلاء أركاح مسارح شهيرة بفرنسا٬ ولا بجمهور يكن لي من العشق والعطف ما لا يمكن تصوره".

ومن المفارقات العجيبة في مسار هذه الفنانة العفوية٬ فنانة الحياة٬ كما تحب أن تطلق على نفسها٬ أنها غير معروفة داخل أرض الوطن٬ إذ لم يسبق لها أن غنت أمام الجمهور المغربي٬ إلى أن جاءت الدعوة من المعهد الفرنسي بالدار البيضاء ومجلس الجالية المغربية بالخارج للمشاركة في الأمسيات المنظمة على هامش الدورة ال18 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء وتقديم إكليل من زجلها المفعم بالمشاعر على أرض الأجداد وبين أحضان الأسرة. ويعود اكتشاف طاطا ميلودة للفنان الفرنسي الشهير في صنف "السلام"٬ المعروف باسم "جسد كبير معتل" (جرون كور ملاض) نظرا لإعاقته الجسدية٬ فضلا عن الكوميدي ذي الأصول المغربية جمال الدبوز٬ الذي منحها فرصة المشاركة في إحدى عروضه كما تبناها العديد من الفنانين المرموقين في ديار المهجر.

من يتمعن في مسار الفنانة المغربية التي تجاوزت الستين٬ يستغرب كثيرا في التحولات العجيبة التي طرأت على حياتها خلال عقد ونصف من الزمن٬ تمردت على القهر والعذاب والخيانة٬ وتعلمت القراءة والكتابة في سن جد متقدمة لتولد ولادة ثانية وترى الحياة بأعين جديدة.

وقد يصبح هذا التحول لغزا محيرا للكثير من الأجانب الذين ينظرون إلى المهاجر العربي نظرة دونية ويسموه بسمة التخلف وينعتوه بنعوت لا تخلو من العنصرية٬ وقد استطاعت طاطا ميلودة أن تبهر كثيرا من هؤلاء الذين احتاروا في لغز شهرتها ونجوميتها التي أخذت تعبر القارات٬ وأكدت للجميع أن الإرادة القوية سر التألق وأن المستحيل ممكن.

شاهدوا حوارا شيقا أجرته "ناظورسيتي" مع الفنانة المغربية "طاطا ميلودة"



تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح