المزيد من الأخبار






الشّــاهدُ... سيرة ذاتيّـة تنبش في ذاكرة الاعتقال وتعيد رسم مسارات رحلة الحياة والكتابة


الشّــاهدُ... سيرة ذاتيّـة تنبش في ذاكرة الاعتقال وتعيد رسم مسارات رحلة الحياة والكتابة
محمد زاهـد

أصدر الأستاذ محمد مْجلّد، في طبعة من 352 صفحة من الحجم المتوسط، كتابا موسوما بعنوان: "الشاهد... من أسر الاعتقال إلى فسحة الكتابة"، وهو عبارة عن سيرة ذاتية وحكيٌ راغب في تكسير القيود وفتح أبواب المستقبل. سيرة ذاتية تنتصر للتَّـذكُّرِ وتقاوم النسيان وطمس الذاكرة. طبعا الذاكرة الخاصة أو الفردية، والذاكرة المشتركة أو الجماعية، لاسيما وأن الكتاب جاء كنوع من التأريخ الذاتي للمنطقة الشمالية- الريف ولأبنائها. علاوة على كونه أيضا يؤرخ لمحطات وأحداث تشكل في مجملها جزء من سيرة أجيال ووقائع، وهو بذلك شاهد على عصره.

وفي الاستهلال الذي وضعه ذ. محمد مجلد ( من مواليد قبيلة أيت سعيد أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، وأستاذ متقاعد) لسيرته الذاتية، أكد بأن "فكرة التأريخ لسيرتي الذاتية، لم يخطر على بالي قط، في عهد شبابي، لكن مع بداية الشيخوخة، وإحالتي على التقاعد، بدأت أفكر في ما مضى، وقد أصبح لديّ من الوقت ما يكفي لاعتصار مخزونات الذاكرة، وتحويلها إلى كلمات ناطقة ببعض ما حبلت به منطقتنا الشمالية وتاريخ الريف"، وهو من هذا المنطلق عمل يهدف إلى "نفض ما علق وتراكم من غبار، على أهم الأحداث التاريخية، ويعمل على إحياء الذاكرة الجماعية وإعادة الاعتبار لرموزها الأمجاد".

السيرة الذاتية الموسومة بعنوان "الشاهد: من أسر الاعتقال إلى فسحة الكتابة"، والصادرة حديثا، تضم بين دفتيها تمهيدا ومدخلا في حوالي 10 صفحات عبارة عن موجز السيرة الذاتية للكاتب، يليه الفصل الخاص بالحديث عن تخرج الكاتب سنة 1969 من المدرسة العليا للأستاتذة بفاس، وتعيينه كأستاذ بمدينة خنيفرة كبداية لرحلة مهنة التدريس، يليه الفصل الخاص بتجربة الاعتقال السياسي التي عاشها ذ. محمد مجلد، كتجربة أساسية وجزء كبير شغل مساحة واسعة من هذا العمل التأريخي، بدءً من التوقف عند أماكن الاعتقال وبصماته، وكذا التطرق لـ "حجاج أنفا" وأثار الاعتقال، وكابوس المعتقل وهواجسه، فضلا عن حلم النجاة.

الاعتقال جاء على خلفية ما عرف بأحداث "مولاي بوعزة" بمنطقة الأطلس أوائل مارس من سنة 1973، وهو الاعتقال الذي يقول عنه الكاتب أنه تم بطريقة تعسفية ولاقانونية بعد أن اُقتحم منزله ليلا من طرف عناصر "حاملة لرشاشات غريبة وحديثة لبث الرعب والخوف في أهل المنزل"، قبل أن يتم نقله رفقة المعتقلين معه عبر طائرة عسكرية إلى معتقل أنفا بالدار البيضاء، مسجلا مختلف اللحظات والتفاصيل الممتدة على طول مدة فترة الاعتقال السياسي وما رافقه من تعذيب ومعاناة داخل المعتقل، وكذا تجربة المحاكمة الصورية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، وأخيرا تجربة إعادة الادماج انطلاقا من دجنبر 1974.

وفيما يشبه "فلاش باك"، يعود بنا الكاتب في سيرته الذاتية في الفصل الموالي إلى تجربة الطفولة خلال سنوات الأربعينيات، وتربيته في حضن العائلة، ثم ينتقل ضمن نفس الفصل إلى الحديث عن بداية التحاقه بالمسيد لحفظ القرأن بالكُتَّاب، متوقفا من حين لآخر عند محطات ووقائع ترتبط بواقع التهميش وهجرة الريفيين إلى الجزائر، علاوة على صور من الحياة اليومية للساكنة، قبل أن ينتقل إلى الحديث عن تجربة الهجرة إلى قبيلة تمسمان ما بين 1953 و 1957 لاستكمال تعلمه ودراسته.

وعلى نفس منوال الحكي والتأريخ، ينتقل الكاتب محمد مجلد في سيرته الذاتية إلى مرحلة أخرى ترتبط ببداية الحياة الطلابية بالمعهد الإسلامي بالناظور سنة 1957، وتزامن ذلك مع "اضطرابات الريف" سنة 1958-1959 حيث ينقل بعض التفاصيل عن هذه الأحداث، ثم حصوله على الشهادة الابتدائية موسم 1959-1960، قبل أن يشد الرحال صوب مدينة فاس لاستئناف رحلة التعلم والدراسة واكتشاف "العالم الجديد" بعد التحاقه بجامع القرويين وادماجه في فضاءاتها..

وهو الأمر الذي سيتزامن لاحقا مه "حرب الرمال" سنة 1962 وما خلفتها من أثر وانعكاس على طلاب القرويين بعد بروز عواقب الصراعات السياسية بين مختلف التيارات، وهي ذات الرحلة الدراسية التي بحصول الكاتب على شهادة الباكالوريا سنة 1967 (وشهادة الإجازة فيما بعد سنة 1976)، قبل أن يلتحق بالمدرسة العليا للأساتذة خلال نفس السنة، ليتخرج كأستاذ للتعليم الثانوي ويمارس مهنة التدريس طيلة 40 سنة تقريبا من حياته.

ولأن رحلة الحياة لا تقتصر على بعض الأحداث أو الوجوه فقط، فقد أفرد ذ. محمد مجلد في سيرته الذاتية "الشاهد" فصلا لشهادات عن أشخاص وأعلام وأسماء وأماكن وفضاءات، كما أرخ لبعض الأحداث المرتبطة بالذاكرة الجماعية لمنطقة الريف، وعن تجارب متعددة من حياته، كما هو الحال لأول رحلة إلى أوربا سنة 1970، وتجربة التقاعد وتحديات الحياة...

عموما تعد تجربة إصدار هذه السيرة الذاتية تجربة مهمة على صعيد صون وحفظ الذاكرة وإيصالها للأجيال الصاعدة.

الشّــاهدُ... سيرة ذاتيّـة تنبش في ذاكرة الاعتقال وتعيد رسم مسارات رحلة الحياة والكتابة




تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح